هل يوجد ملازمه بين البراءة و اللعن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إنّ معرفة المراد من مفهوم اللعن ومفهوم البراءة هي التي تحدّد لنا إنْ كانت هناك ملازمة بين هذين المفهومين أو لا , فنقول: إنّ المراد من اللعن: هو الإبعاد والطرد من الخير، وقيل: الطرد والإبعاد من الله. انظر: لسان العرب لابن منظور (ج12 ص292)، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة، 1999م. ومختار الصحاح للرازيّ, (ص509) دار الرسالة الكويت.
وأمّا البراءة فهي من باب (برأ) , وأصل البرء والبراء والتبرّي: هو التقصّي [أي التباعد] مـمّا يكره مجاورته , لذلك قيل برأت من المرض , وبرئت من فلان, وتبرّأت وأبرأته من كذا.(ينظر مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهانيّ, (ص121),ونقل ابن منظور في لسان العرب عن ابن الأعرابيّ قوله: برئ إذا تخلّص, وبرئ إذا تنزّه وتباعد , وبرئ إذا أعذر وأنذر.قلت: ومن ذلك تعلم استعمال الحكّام والعلماء لهذه العبارة في مواضع متفرّقة, كقولهم: براءة المتّهم , أي سلامته من التهمة المنسوبة إليه, وقولهم :براءة الرحم من الدم أي خلوصه من الدم ونقاؤه ونحو ذلك.إذا عرفت ذلك فاللعن في حقيقته هو دعاء على فئة ظالمة أو فاسقة أو شخص ظالم أو فاسق أو دعاء على أعداء النبيّ وآله (سلام الله عليهم أجمعين) بالطرد والتباعد من رحمة الله تعالى. وحكم اللعن في الشريعة هو الجواز وليس الوجوب, أي ليس واجباً عليك أنْ تلعن في موارد اللعن, وإنّما يجوز لك ذلك, وإذا تركت اللعن فلا إثم عليك, ولمعرفة حكم اللعن في مدرسة أهل البيت (ع) , يراجع على سبيل المثال: كتاب جامع السعادات للمحقّق النراقيّ :1 /352, وكتاب المحجّة البيضاء للمحقّق الفيض الكاشانيّ:5 /220 .
وأمّا البراءة فالأمر فيها مختلف من وجهة نظر الشريعة الإسلاميّة الحقّة, فهي فضلاً عن وجوبها على من سلك مسلك أهل البيت (عليهم السلام), فمعرفة هذا المفهوم والآثار المترتّبة عليه أمرٌ ضروريّ جدّاً قد أوجبه وأكّد عليه كثيراً أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين , وقد بيّنه علماؤنا قديماً وحديثاً وأولوه اهتماماً كبيراً وبالغاً, إذْ إنّ مسألة التولّي والتبرّي هو سرّ قوّتنا وعزّتنا، وهو العنصر الذي يربط بين أفراد المجتمع الشيعيّ مع بعضهم قديماً وحديثاً، وإلّا فحبُّ أهل البيت (عليهم السلام) فقط يدّعيه حتّى المخالفين، إلاّ أنّه حبٌّ منقوص لا لون له ولا طعم فيه؛ لأنّ من لا براءة له لا حبَّ له, فلا يجتمع في قلب المؤمن حبُّ الله وحبُّ إبليس؛ وحبُّ الخير والشر؛ وحبُّ الظالم والمظلوم؛ وحبُّ القاتل والمقتول,وعليه فإنّ التبرّي من أعداء وقتلة وظلمة أهل البيت عليهم صلوات الله؛ يحصِّن العقيدة الشيعيّة من الانخداع والانجرار والانجراف وراء العقائد الفاسدة والمنحرفة التي يُقدّس فيها من لا يستحقُّ التقديس من الظلمة والقتلة والطواغيت على مرِّ العصور والأزمنة.
هذا وقد أكّد على مسألة التولّي والتبرّي آل محمّد عليهم صلوات الله عليهم أجمعين, تأكيداً شديداً, مشدّدين على أنّ ولايتهم ومحبّتهم لا يمكن أن تتحقّق ما لم يرافقها البراءة من أعدائهم، وهذه مسألة وجدانيّة؛ لأنّ الحبّ والبغض من الأمور المتضادّة كالحرارة والبرودة، فكلّما اقتربنا من أحدهما سوف نبتعد عن الآخر، وبالعكس. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قيل له: إنّ فلان يواليكم، إلاّ أنّه يضعف عن البراءة من أعدائكم؟ فقال(عليه السلام): «هيهات، كذب مَنِ ادّعى محبّتنا ولن يتبرّأ من عدوّنا. (ينظر كتاب السرائر للعلّامة ابن إدريس الحلّيّ ج3/ص640). وروى الشيخ الصدوق في (الخصال,ص607) بسنده عن الأعمش عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال:وحبُّ أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمّد وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة فدك، ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهمّوا بإحراق بيتها، وأسّسوا الظلم، وغيّروا سنّة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمّة الضلال وقادة الجور كلّهم أوّلهم وآخرهم واجبة، والبراءة من أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أمير المؤمنين واجبة، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت واجبة». ومِـمّا تقدّم يتّضح لنا أنّه لا ملازمة بين هذين المفهمين, إذْ يجوز لك أنْ لا تلعن الظالم, فلا تدعو عليه بالطرد من رحمة الله تعالى, ولكنْ في الوقت نفسه يجب عليك أنْ تتبرّأ منه ومن أفعاله ولا تتولّاه في أيّ شيء. هذا مع التنبيه على أنّ الظلم الذي وقع على أهل بيت النبيّ (صلوات الله عليهم أجمعين) وإنْ عرفه الموافق والمخالف خصوصاً في الآونة الأخيرة وعرفوا الأدلّة التي تُثبت ذلك بمساعدة وسائل التواصل الاجتماعيّ والبحوث المنتشرة الكثيرة, فمع هذا لا ينبغي للمؤمن أنْ يجهر بأسماء أعداء آل محمّدٍ (عليهم السلام), فيلعنهم أو يتبرّأ منهم على العلن وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ كما يفعل بعض ضعاف النفوس مِـمّنْ خالف توصيات مراجعنا العظام وفي مقدّمتهم سماحة السيّد السيستانيّ دام ظلّه وغيره من العلماء حين أوصوا كثيراً بضرورة أنْ تكون مسائل الدين الحسّاسة وأمور الخلاف فيما بين المذاهب الإسلاميّة متداولة حصراً بين أهل العلم المعنيين بذلك بعيداً عن الإعلام وخصوصاً المضلِّل منه وما أكثره, حتّى لا يستغلّ أعداء الدين مثل هذه الأمور ليبثّوا سموهم وأفكارهم المشبوهة بين الناس, فيزيدوا من تفرّقهم وتشتّتهم واقتتالهم فيما بينهم, فتزداد المفاسد الخطيرة المترتّبة على ذلك, وما نحن ببعيدين عمّا حصل في بلدنا المفجوع من كوارث في سنة 2006م. أعاذنا الله تعالى وإيّاكم من شرّ الفتن ومثيريها, وأعاننا على لَـمِّ شمل المسلمين لِـما يحبُّ ويرضى. ودمتم سالمين.
اترك تعليق