كيفَ لا يَتبنَّى القُرآنُ الكَريمُ ثَقافةَ السَّبِّ والشَّتمِ ورسُولُ اللهِ يَقُولُ: إذا رأَيتُم أهلَ الرَّيبِ والبِدَعِ من بعْدِي فأظْهِرُوا البَراءَةَ منْهم والْعَنوهُم وسُبُّوهُم؟
Abbas Ibrahim: تَعليقٌ على مَوضُوعِ (القُرآنُ الكَريمُ لا يَتبنَّى ثَقافةَ السَّبِّ والشَّتمِ). كيفَ ورسُولُ اللهِ يَقُولُ: إذا رأَيتُم أهلَ الرَّيبِ والبِدَعِ من بعْدِي فأظْهِرُوا البَراءَةَ منْهم والْعَنوهُم وسُبُّوهُم وبَهِّتوهُم كَي لا يَطمعُوا في الفَسادِ في الدينِ.
لقد بَيَّنا أنَّ حَالةَ السَّبِّ هي حَالةُ اسْتِثناءٍ وليَستْ هي الحَالةَ العَامةَ المَطلُوبةَ في التَّعاطِي مع الكُفارِ والمُنافِقينَ وأهْلِ البِدَعِ والرَّيبِ، والدَّعوةُ لِثقَافةِ السَّبِّ هي دَعوةٌ مُخالِفةٌ لِلقُرآنِ والسُّنةِ وسِيرَةِ الأئمَّةِ (عليهم السلام).
ففي القُرآنٍ تَجدُ قَولَه تَعالَى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 108).
وفي السُّنةِ جَاءَ في صَحِيحةِ أبي بَصيرٍ، عن أبي جَعفرٍ (عليه السلام) قَال: إنّ رجُلاً من بَني تَمِيمٍ أتَى النَّبيَّ (صلى الله عليه وآله) فقَال: أوْصِنِي. فكَانَ فيما أوْصاهُ أنْ قَال: (لا تَسبُّوا النَّاسَ فَتكتَسِبُوا العَداوةَ بَينهُم) (الكافي 2: 360).
والمَعلُومُ من سِيرَةِ المَعصُومينَ (عليهم السلام) أنَّهُم لم يَكُونُوا سبَّابِينَ لأعْدائِهِم المُخَالِفينَ لهم، وكَذلِك نَهَوْا شِيعَتَهُم عن هَذا الأمْرِ.
جاءَ في نَهجِ البَلَاغةِ عن الإمَامِ عليٍّ (عليه السلام) أنَّه قَال ـ وقد سَمِعَ قَوماً مِن أصْحابِهِ يَسبُّونَ أهلَ الشَّامِ أيَّامَ حَربِهمْ بِصفِّينَ ـ: (إنِّي أكْرهُ لكم أنْ تَكُونُوا سبَّابِينَ، ولَكنَّكمْ لو وَصفْتُم أعْمالَهُم وذَكرْتُم حَالَهُم، كانَ أصْوبَ في القَولِ وأبْلغَ في العُذرِ، وقُلتُم مكانَ سبِّكمْ إيَّاهُم: اللَّهمَّ احْقنْ دِماءَنَا ودِماءَهُم، وأصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهُم، واهْدِهِم من ضَلَالتِهمْ حتى يَعرِفَ الحقَّ مَنْ جَهِلَه، ويَرعَوي عن الغيِّ والعُدوانِ من لَهِجَ به) (نهج البلاغة 2: 186).
تَقُولُ: وكيفَ نَتعَاملُ مع الحَديثِ - محلُّ الكَلَامِ - الوَارِدِ فيه: (وأكْثِرُوا من سبِّهِم)؟!!
الجَوابُ: أنَّ هذا السَّبَّ بِلِحاظِ ما تَقدَّمَ من النَّهيِ عن السَّبِّ وكَونُه أمْراً ليس مَحبُوباً عندَ اللهِ سُبحَانَه وتعالى بِمُقتَضى قَولِه تعالى: (لا يُحبُّ اللهُ الجَهرَ بالسُّوءِ من القَولِ)، وكَذلِك كَونُه ليس خُلُقاً مُتعَارَفاً لِأئمَّةِ أهلِ البَيتِ (عليهم السلام)، وقد نَهَوْا عنه شِيعَتَهم في أَشدِّ المَواقفِ مع أعْدائِهِم ومُخالِفيهِم، وهي حَالةُ الحَربِ والصِّدامِ معهم، يُحمَلُ هذا الأمْرُ - في الحديث - على حَالةِ الرَّدعِ عن المُنكرِ وليس مُطلَقاً، بِمعْنى يَجوزُ سَبُّ أهلِ الرَّيبِ والبِدَعِ في حَالةٍ إذا كانَ هذا السبُّ يَردَعُهم عن مُنكَرِهِم, وإلّا لا دَاعِيَ لتَجشُّمِ عَناءِ سبِّهِم بِدُونِ القَيدِ المَذكُورِ، ومِن هنا قَال السَّيدُ الخُوئيُّ (قُدسَ سرُّه) في اسْتفْتاءٍ رُفِعَ إليْه:
هل يَجوزُ سبُّ أهلِ البِدَعِ والرَّيبِ ومُباهَتتُهُم والوَقِيعةُ فيْهم؟
فَأجَابَ (قُدسَ سرُّه): إذا تَرتَّبَ ردعُ مَنكرٍ على تِلكَ، فلا بأسَ. (صِراطُ النَّجاة 1: 447).
ودُمتُم سَالِمينَ.
اترك تعليق