لمَاذا لم يُشِرْ النَّبيُّ (ص) إلى كُروِيةِ الأرضِ؟!!

عندما صَعِدَ النَّبيُّ (ص) على البُراقِ إلى السَّماءِ السَّابِعةِ، ألم يرَ أنَّ الأرضَ كُروِيةٌ؟ لمَاذا لا نَجدُ إشَارةً على كُروِيةِ الأرضِ في أحَادِيثِه؟

: اللجنة العلمية

     الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه. 

     كُروِيةُ الأرضِ وعَدمُها لا تَدخُلُ في بَابِ العَقائدِ ولا الفِقهِ، ولم تكنْ مَسألةً ابتِلائِيةً يَخوضُ النَّاسُ فيها يَومَها حتى يَتجشَّمَ عناءَ الإشَارةِ إليْه رسُولُ اللهِ (ص).

     نعم، هي تَدخُلُ في بَابِ الإعْجازِ العِلميِّ، بأنَّه لو أشارَ إليْها في ذلِك الزَّمانِ ونُقِلتْ إليْنا لكانَ ذلك دَلِيلاً آخرَ يُضافُ إلى ثُبوتِ نُبوَّتِه وإعْجازِه، ولكنْ كَفاهُ مَؤُونةً هذا الإثْباتِ القُرآنُ الكَرِيمُ نَفسُه الذي قَال: 

 ((وَأَورَثنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا)) (الاعراف:137).

والذي قال: ((رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا وَرَبُّ المَشَارِقِ)) (الصافات:5).

والذي قال: ((فَلَا أُقسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ)) (المعارج:40).

والذي قال: ((ربُّ المَشْرقينِ وربُّ المَغْربينِ)) (الرحمن : 17).

     فهذِه الآياتُ الكَرِيمةُ الصَّرِيحةُ بِتعدُّدِ مَطالِعِ الشَّمسِ ومَغارِبِها تُثبِتُ كُروِيةَ الأرضِ، لأنَّه لو كَانتْ الأرضُ مُنبسِطةً لكانَ شُروقُها وَاحِداً وغُروبُها وَاحِداً، أما هذا التَّعدُّدُ للشُّروقِ والغُروبِ يُفهَمُ منه أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ على أيِّ جُزءٍ مِن أجْزاءِ الكُرةِ الأرضِيةِ يُلازِمُ غُروبَها عن جُزءٍ آخرَ، وهذا لا يَتأتَّى إلا مع كَونِ الأرضِ كُروِيةَ الشِّكلِ. 

     هذا، وإن كانَ البعضُ يَستفِيدُ كُروِيةَ الأرضِ مِن أحَاديثَ وَارِدةٍ  للنَّبيِّ (ص)، كهذا الحَديثِ المَرويِّ في صِحَاحِ المُسلِمينَ ومَسانِيدِهم: (إذا أتَيتُم الغَائِطَ فلا تَستَقبِلوا القِبلةَ ولا تَستَدبِروها بِبَولٍ ولا غَائطٍ ولكنْ شَرِّقُوا وغَرِّبُوا) [صَحِيحُ مُسلمٍ وغَيرُه]، فقَالُوا: النَّهيُ عن الإسْتِدبارِ يُثبِتُ كُروِيةَ الأرضِ، لأنَّ الإسْتِدبارَ هو اسْتِقبالٌ لِلقبْلةِ منَ الجِهةِ الثَّانيةِ، وهذا لا يَكونُ إلا بِناءً على أنَّ الأرضَ كُروِيةٌ، ولكنْ قد يَشكُلُ اسْتِفادةُ هذا المَعنى من الحَديثِ المَذكُورِ لصُعُوبةِ مَعرِفةِ مِلاكَاتِ الأحْكامِ، فقد يَكونُ للإسْتِدبارِ بما هو اسْتِدبارٌ شأنٌ في النَّهيِ الوَاردِ في الحَديثِ، أي بِغضِّ النَّظرِ عن كَونِه اسْتقبَالاً للقِبلةِ من الجِهةِ الثَّانيةِ . ولكنْ على العُمومِ يَكفِينا ما أشَرْنا إليْه منَ الآياتِ الكَرِيمةِ الصَّرِيحةِ في المَوضُوعِ. 

     ودُمتُم سَالِمينَ.