هل كانَ عليٌ (ع) يَعمَلُ مُستَشاراً عندَ كَافِرينَ؟!!

هل يُعقَلُ أنَّ أمِيرَ المُؤمِنينَ علِّياً رضي الله عنه يَعمَلُ مُستَشاراً عندَ مَن أسْميتُمُوهم كُفاراً؟

: اللجنة العلمية

     الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةً اللهِ وبرَكاتُه. 

    الشِّيعةُ الإمَامِيةُ لا تَقُول بِكُفرِ مَن سَبقَ أميرَ المُؤمِنينَ (عليهم السلام) بِالحُكمِ، بل تَقُول هم مُسلِمونَ آثرُوا الدَّنيا والمَناصِبَ على طَاعةِ اللهِ ورسُولهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يَتعلَّقُ بِحقِّ أمِيرِ المُؤمِنينَ (عليه السلام) في الخِلَافةِ المُباشِرةِ بعدَ رسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويَشهَدُ لهَذا الأمْرِ الغَزاليُّ، وهو مِن أكَابرِ عُلمَاءِ أهلِ السُّنةِ، حيثُ قَال في كِتَابِه "سرُّ العَالمِينَ" ما نصُّه: (لكنْ أسْفرَتْ الحجَّةُ وجْهَها، وأجْمعَ الجَماهِيرُ على متنِ الحَدِيثِ، مِن خُطبَتِه في يومِ غَديرِ خمٍّ، باتِّفاقِ الجَميعِ، وهو يَقُول: مَن كُنتُ مَولاهُ فعَليٌ مَولاهُ. فقَال عُمرُ: بخٍ بخٍ يا أبا الحَسنِ، لقد أصْبحْتَ مَولايَ ومَولَى كلِّ مُؤمنٍ ومُؤمِنةٍ. فهذا تَسلِيمٌ ورِضىً وتَحكِيمٌ، ثمّ بعدَ هذا غَلِبَ الهَوى لحُبِّ الرِّياسةِ، وحَملِ عَمُودِ الخِلَافةِ، وعُقودِ البُنودِ، وخَفقَانِ الهَوى في قَعقَعةِ الرَّاياتِ، واشْتِباكِ ازْدِحامِ الخُيولِ، وفَتحِ الأمْصَارِ؛ سَقاهُم كأسَ الهَوى، فَعادُوا إلى الخِلَافِ الأولِ، فَنبَذُوه وراءَ ظُهورِهِم، واشْتَروْا به ثَمناً قَلِيلاً). انتهى [مَجمُوعةُ رسَائلِ الإمامِ الغَزالِي، كتابُ سرِّ العَالمِينَ: 483].  

     أما كَونُه (عليه السلام) كانَ يَعمَلُ مُستَشاراً عندَهم، فهذا مَحضُ جَهلٍ بالتَّأرِيخِ وحَقائقِ الأمُورِ، فهو لم يَكنْ يَعمَلُ عندَ أحدٍ - بِالمَعنى الذي تَقصِدُه منَ البطَانةِ والحَاشِيةِ - بل  كانَ الخُلفاءُ هم الَّذين يَلجَأُونَ إليْه لِينقِذَهم مِن عَظائمِ الأمُورِ التي يَقعُونَ بها ولا يَقدِرونَ على الخُرُوجِ منها، فراجِعْ كيف لَجأَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ إلى عليِّ (عليه السلام) رَاجِياً منه النَّصِيحةَ فيما يَعملُه لمُواجَهةِ جُيُوشِ الفُرسِ وقد أقْبلَتْ إليْه مِن كلِّ حَدبٍ وصَوبٍ تُرِيدُ الإنْقِضاضَ عليْه، فَأشارَ (عليه السلام) بِتلْك الخِّطةِ العَظِيمةِ التي غَيَّرتْ مُعادَلةَ الحَربِ تَماماً، ولم يَكنْ مَوقِفُه هذا إلا مِن أجلِ الحِفاظِ على هَيْبةِ الإسْلامِ ومَكانَتِه التي كَادتْ تَتعرَّضُ لِلإنْهيارِ في ظلِّ خِلَافةِ هؤلاءِ، حتى صرَّحَ عُمرُ قَائِلاً: لولا عليٌّ لَهلَكَ عُمرُ. [راجِعْ: ذَخائِرَ العُقـبَى للطَّبرِي: 82، تأويلُ مُختَلَفِ الحَديـثِ لابنِ قُتيبَةَ: 152، فيضُ القديرِ في شَرحِ الجَامعِ الصَّغيرِ للمَناوِي 4: 470، مَرقاةُ المَفاتِيحِ في شَرحِ مُشكاةِ المَصابِيحِ للقارِي 11: 252، الفُتوحُ لابنِ أعْثم 2: 291].

     ودُمتُم سَالِمينَ.