سلسلة سؤال وجواب حول العدل الإلهي (10)
لا جبر ولا تفويض وإنما أمرٌ بين أمرين
الاتجاه الثالث: إنّ الإنسان لا مُسيّر تماماً ولا مُخيّر تماماً، أي لا جبرَ ولا تفويض، وإنّما أمر بين أمرين، وهذا الإتجاه تبنّاه الإمامية: وذلك بعد بطلان ما ذهب إليه الأشاعرة والمعتزلة، فإنّ الإمامية لا يقولون بالجبر ولا بالتفويض، وأنّ أفعال العباد من جهة هي فعل الله تعالى ومن جهة هي فعل العبد.
*ذكر السيد الخوئي: ((إنّ طائفة الإمامية بعد رفض نظرية الأشاعرة في أفعال العباد ونقدها صريحاً ورفض نظرية المعتزلة فيها ونقدها كذلك، اختارت نظرية ثالثة فيها وهي (الأمر بين الأمرين) وهي نظرية وسطى لا إفراط فيها ولا تفريط))1 .
*ذكر الشيخ الفياض: ((أنّ صدور الفعل من العبد بحاجة إلى مقدمتين: الأولى: بيد العبد وهي سلطنته وقدرته عليه، الثانية: بيده تعالى وتقدس، والمقدمة الأولى تمتاز عن الثانية بأمرين: أحدهما أنّها في طول الثانية ومتفرعة عليها، ثانيهما: أنّ مقدمية الأولى بنحو المباشرة والثانية بالواسطة، وهذا هو معنى الأمر بين الأمرين))2 .
س: ما الدليل على صحة النظرية؟
ج: هناك عدة أجوبة:
أ- لو كانت أفعالنا غير واقعة باختيارنا، لكانت كلها على وتيرة واحدة من غير اختلافٍ، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان.
فهناك أفعال نقوم بها، وأخرى نتركها.
ب- لو لم يكن الإنسان موجِداً لأفعاله لأمتنع تكليفه، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان.
بيان الملازمة:
وذلك لأنّ الأفعال التي تصدر من الإنسان لا تحدث بإختياره, والتكليف فرع الإختيار, فلو كُلّفَ, لزم منه التكليف بما لا يُطاق وهو مستحيل جزماً, لأنّه ظلم والظلم لا يصدر من الحكيم سبحانه وتعالى.
ج- لو لم يكن الإنسان موجِداً لأفعاله لكان الله تعالى أظلم الظالمين، والتالي باطل جزماً، فالمقدم مثله.
بيان الملازمة: وذلك لأنّ الأفعال الصادرة من الإنسان إنْ كانت بإيجاد من الله تعالى فقط وكانت من هذه الأفعال المعاصي والذنوب، ومن ثمَّ يعاقبه عليها، فهذا عين الظلم.
______________________
1- محاضرات في أصول الفقه، ج2,ص83.
2 - المباحث الأصولية - الشيخ محمد إسحاق الفياض - ج 3 - ص 74.
اترك تعليق