هل ابو العباس السفاح من الاخيار ام لا؟

: السيد رعد المرسومي

 

السّلام عليكُم ورحمة الله وبركاته. 

لا يخفى على المُتتبّعِ لمُجرياتِ التّأريخِ الإسلاميّ أنّهُ في أواخر الحُكمِ الأمويّ كانَ العالمُ الإسلاميّ في إضطرابٍ عامٍّ وسخطٍ شاملٍ ضدّ الأمويّينَ، فقامَت الثّوراتُ ضدّهُم منذُ اليومِ الأوّلِ لحُكمِهم، وإمتدَّت إلى اليومِ الأخير، ولكنَّ الثّورةَ الكُبرى التي عجزَت بنو أميّةَ عَن مقاومتِها في عهدِ مروانَ الحمار آخر ملوكِ الأمويّينَ، إذ تمرّدَت عليهِ القبائلُ وخرجَ الجيشُ والشّرطةُ عَن طاعتِه، وتخلّفَ النّاسُ عَن نُصرتِه، وإنقضَّ أنصارُه مِن حولِه، حتّى قُتلَ في آخرِ سنةِ 132هـ، وهكذا إنتهَت خلافةُ بني أميّةَ. فكانَ قيامُ الثورةِ على الأمويّينَ باسمِ الدّين، والخوفِ على شريعةِ سيّدِ المُرسلين، إذ كانَ النّاسُ يعتقدونَ بأنَّ أبناءَه (صلّى اللهُ عليه وآله) هُم الأمناءُ على شريعتِه، والمُحافظونَ على سُنّتِه، وهُم أوّلُ مَن ثارَ على الأمويّينَ وإستبدادِهم، كما في كتابِ (الشّيعةُ والحاكمون) لمُغنية، (ص133)، ولقَد إستغلَّ بنو العبّاسِ سخطَ الرّعيّةِ على بني أميّة، وتعلّق النّاسِ بالعلويّينَ، وأظهروا أنَّ غايتَهُم الأولى إسقاطَ الأمويّينَ والثّأرَ لشهداءِ أهلِ البيت، وأعلنوا أنّ بعدَ ذلكَ سيختارونَ مَن تتّفقُ عليه الكلمةُ مِن آلِ بيتِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله) ، فارتفعَ العبّاسيّونَ باسمِ العلويّينَ، وعلى أكتافِ شيعتِهم، ثمَّ تنكّروا لهم كما في كتابِ (تاريخِ الدّولةِ العربيّةِ) لفلهاوزن، (ص 489). وكانَ على رأسِهم آنذاكَ ثلاثةُ أخوةٍ أحدُهم إبراهيمُ الإمام، والآخرُ أبو العبّاسِ السّفّاح، والثّالثُ أبو جعفر المنصور، وهُم أبناءُ عبدِ اللهِ بنِ عليٍّ بنِ عبدِ اللهِ بن العبّاس، عمّ النّبيّ كما في كتابِ (مِن حياةِ الأئمّةِ الأطهارِ) لمُطهّري،(ص9)، إذ بدأت الخلافةُ العبّاسيّةُ بإعلانِ أبو العبّاسِ السّفّاحِ قيامَ الدّولةِ العبّاسيّةِ وبذلكَ يُعدُّ هوَ أوّلَ خليفةٍ عبّاسيّ، وبعدَ وفاتِه خلفَهُ أخوه أبو جعفر المنصور الذي يعدُّ المُؤسّسَ الحقيقيّ للدّولةِ العبّاسيّةِ، ثمَّ تتابعَ الخلفاءُ مِن بعدِه على مدى أربعةِ عصورٍ تاريخيّة. كما في كتابِ (تاريخِ الدّولةِ العبّاسيّةِ) لطقوش، (ص8)، وعلى الرّغمِ مِن إستعانةِ العبّاسيّينَ بالشّيعةِ للوصولِ إلى دفّةِ الحُكم، ولكِن ما إن تسلّموا مقاليدَ السّلطةِ حتّى نظروا إلى الشّيعةِ نظرةَ ريبةٍ، بإعتبارِهم المُنافسينَ لهُم على الخلافةِ ويُشكّلونَ مصدرَ خطرٍ عليهم. ومِن جهةٍ أخرى فقَد نظرَ الشّيعةُ إلى العبّاسيّينَ كمُغتصبينَ للسّلطةِ مِن أصحابِها الشّرعيّينَ، وهكذا بدأ النّزاعُ بينَهُما في كتابِ (تاريخِ الدّولةِ العبّاسيّة) لمُحمّد، (ص 114)، والمعروفُ بينَ أهلِ السّيَرِ أنّ السّفّاحَ – أوّل خلفاءِ بني العبّاسِ – قضى مُدّةَ خلافتِه في تتبّعِ الأمويّينَ والقضاءِ عليهم وعلى أتباعِهم، ولم يقتُل أحداً منَ الشّيعةِ، لأنّهُ كانَ بحاجةٍ إليهم في مُحاربةِ الأمويّينَ كما في كتابِ (الشّيعةِ والحاكمون) لمُغنية، (ص139). نعَم، بعدَ ذلكَ بدأت تظهرُ نواياهُم الحقيقيّةُ في كيفيّةِ التّشبّثِ بالسّلطةِ بوسائلَ شتّى  خصوصاً في عصرِ المنصورِ الدّوانيقيّ وما بعدَه. وعلى كلِّ حالٍ: فأبو العبّاسِ السّفّاح يكفي أنّنا نعرفُ أنّه أوّلُ مَن إستغلّ سخطَ الرّعيّةِ على بني أميّة، وتعلّقَ النّاس بالعلويّينَ، ليصلَ إلى كرسيّ الحُكمِ، فيا تُرى: أيكونُ مثلُ هكذا رجلٍ منَ الأخيار؟! ودمتُم سالِمين.