ما هيَ حقيقةُ الصّورةِ الأنزعيّةِ؟ وما هوَ توحيدُ أهلِ المعرفة؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:  

بالنّسبةِ للشّقّ الأوّلِ منَ السّؤالِ فإنَّ عبارةَ الصّورةِ الأنزعيّةِ وردَت في روايةٍ منسوبةٍ للإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) ولا وجودَ لهذهِ الرّوايةِ في المصادرِ الشّيعيّةِ، وقد أوردَها الميرزا محمّد تقي في كتابِه صحيفةُ الأبرار الجزءُ الثّالثُ منَ المُجلّدِ الأوّلِ طبعةُ دار الجيلِ بابُ أحاديثِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) صفحةُ 183، وقد صرّحَ بأنّهُ نقلها مِن وريقاتٍ كانَت بيدِ أحدِ السّادةِ، وهيَ روايةٌ طويلةٌ إشتملَت على معانٍ مُتعدّدةٍ في التّوحيدِ مِن بينِها المقطعُ الذي فيهِ الكلامُ عنِ الصّورةِ الأنزعيّةِ، ولا تخلو الرّوايةُ ِمن غوامضَ لا يستقيمُ معناها إلّا بالإجتهادِ والتّأويل، فقَد جاءَ فيها فيما يخصُّ الصّورةَ الأنزعيّةَ قولُه: (فالصّورةُ الأنزعيّةُ هيَ الضّياءُ والظّلُّ، وهيَ التي لا تتغيّرُ في قديمِ الدّهورِ، ولا فيما يحدثُ منَ الأزمانِ فظاهرُه صورةُ الأنزعيّةِ وباطنُه المعنويّةُ وتلكَ الصّورةُ هيولى الهيولاتِ وفاعلةُ المفعولاتِ وأسُّ الحركاتِ وعلّةُ كلِّ علّةٍ لا بعدَها سرٌّ ولا يعلمُ ما هيَ إلّا هوَ ويجبُ أن يعلمَ، يا مُفضّلُ، أنَّ الصّورةَ الأنزعيّةَ التي قالَت ظاهري إمامةٌ ووصيّةٌ، وباطني غيبٌ منيعٌ لا يُدرَك ليسَت كلّيّةَ الباري ولا الباري سِواها، وهيَ هوَ إثباتاً وإيجاداً وعياناً ويقيناً لا هيَ هوَ كلّاً ولا جمعاً ولا إحصاءً ولا إحاطة. قالَ المُفضّلُ: قلتُ يا مولاي، زِدني شرحاً فقَد علمتُ مِن فضلكَ ونعمكَ ما أقصرُ عَن صفتِه. قالَ: يا مُفضّلُ سَل عمّا أحببتَ. قلتُ: يا مولاي تلكَ الصّورةُ التي رُأيَت على المنابر تدعو مِن ذاتِها إلى ذاتِها بالمعنويّةِ، وتُصرّحُ باللّاهوتيّةِ قلتَ لي إنّها ليسَت كلّيّةَ الباري ولا الباري غيرَها، فكيفَ يُعلمُ بحقيقةِ هذا القولِ؟ قالَ: يا مُفضّلُ تلكَ بيوتُ النّور، وقُمُصُ الظّهور، وألسنُ العبارةِ، ومعدنُ الإشارةِ، حجبكَ بها عنهُ، ودلّكَ منها إليهِ، لا هيَ هوَ ولا هوَ غيرُها، مُحتجبٌ بالنّورِ، ظاهرٌ بالتّجلّي كلٌّ يراهُ بحسبِ معرفتِه، وينالُ على مقدارِ طاعتِه، فمنهُم مَن يراهُ قريباً، ومنهُم مَن يراهُ بعيداً، يا مُفضّلُ إنَّ الصّورةَ نورٌ مُنيرٌ، وقُدرةُ قديرٍ، ظهورُ مولاكَ رحمةٌ لمَن آمنَ بهِ وأقرَّ، وعذابٌ على مَن جحدَ وأنكرَ، ليسَ وراءَه غايةٌ ولا لهُ نهاية). وقَد تصدّى بعضُ العلماءِ لشرحِ هذهِ العباراتِ إلّا أنَّ شروحَهُم مُحتاجةٌ إلى شرحٍ هيَ الأخرى، ومنَ الصّعبِ الوقوفُ على تفسير لهذا النّصِّ نقطعُ بأنّهُ هوَ المقصودُ ولِذا منَ الأفضلِ إذا قبِلنا هذهِ الرّوايةَ أن نُوكلَ علمَها للأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام). 

أمّا الشّقُّ الثّاني منَ السّؤالِ، فإن كانَ المقصودُ مِن أهلِ المعرفةِ هُم العرفاءُ وأهلُ الكشفِ والتّصوّفِ، فإنَّ التّوحيدَ عند هؤلاءِ قائمٌ على وحدةِ الوجودِ أي ليسَ هناكَ خالقٌ ومخلوقٌ وبينَهُما بينونةٌ حقيقيّةٌ، فالوجودُ عندَهم حقيقةٌ واحدةٌ مُمتدّةٌ منَ الواجبِ إلى المُمكنِ، فليسَ للهِ وجودٌ مُباينٌ لوجودِ المخلوقِ وإنّما هوَ وجودٌ واحدٌ في أعلى مراتبِه (واجبُ الوجودِ) وفي أدناها (ممكنُ الوجودِ)، وبذلكَ يكونُ الإشتراكُ في الوجودِ إشتراكاً حقيقيّاً وليسَ إشتراكاً لفظيّاً. 

 وإذا كانَ واجبُ الوجودِ هوَ أصلُ الوجودِ ومنبعُه فليسَ هناكَ موجودٌ سواهُ، أي أنَّ الموجوداتِ كلّها مُنحصرةٌ فيه تعالى، والوجودُ بذلكَ ليسَ له إلّا معنىً واحدٌ يصدقُ على اللهِ تعالى، أمّا باقي المخلوقاتِ فهيَ تجلّياتٌ ومظاهرُ للذّاتِ الإلهيّةِ بإختلافِ مراتبِها. وعليهِ يكونُ التّوحيدُ ليسَ إلّا صرفَ النّظر عَن كُلِّ شيءٍ سِوى اللهِ تعالى، ويُسمّى ذلكَ بتوحيدِ الخاصّةِ، أمّا توحيدُ المُسلمينَ القائمُ على الإقرار بوجودِ اللهِ، والإيمانِ بكونِه واحداً لا شريكَ له ولا شبيهَ وإنّه مباينٌ عَن خلقِه بينونةً حقيقيّةً ولا وجودَ لأيّ إشتراكٍ بينَه وبينَ المخلوقِ فهوَ عندَهم لا يُعدُّ مُوحّداً، لأنّهُ آمنَ بشيئينِ ووقعَ في الأثنيّةِ، ومناقشةُ هذهِ الأفكارِ يحتاجُ إلى تفصيلٍ لا يحتملُه المقام.

أمّا إذا كانَ المقصودُ بأهلِ المعرفةِ هُم أهلُ البيتِ (عليهم السّلام)، فهُم في الحقيقةِ والواقعِ المُعبّرينَ عنِ المعارفِ الحقّةِ والبراهينِ الإلهيّةِ السّاطعةِ لكونِهم لسانَ الإسلامِ وتراجمةَ الوحي، فلا يُطلبُ الحقُّ إلّا منهُم ولا يُرجى العلمُ إلّا مِن كلماتِهم، فمَن تمسّكَ بهم نجى ومَن تخلّفَ عنهم هلكَ، والذي يقفُ على ما جاءَ في بابِ التّوحيدِ في مرويّاتِهم الشّريفةِ يقطعُ جازِماً بأنَّ ما جاءَ مِن غيرِهم ليسَ إلّا تخرّصاً ووهماً وإفتراءً على اللهِ، ولا يمكنُ في هذا المقامِ بيانُ الفرقِ بينَ توحيدِ أهلِ البيتِ وتوحيدِ غيرِهم، ولذا ننصحُ السّائلَ بالرّجوعِ إلى بعضِ الكتبِ التي سطرَها عُلماؤنا الكبارُ والتي إقتصرَت على كلماتِ أهلِ البيتِ في بابِ المعارفِ الإلهيّةِ بعيداً عَن تخيّلاتِ العُرفاءِ والمُتصوّفةِ وتصوّراتِ الفلاسفةِ والمُتكلّمينَ، مثلَ كتابِ (توحيد الإماميّةِ) لآيةِ اللهِ مُحمّد باقر الملكيّ، وكتابِ (تنبيهات في المبدأ والمعادِ) لآيةِ اللهِ الشّيخِ مرواريدي، وغيرِها منَ الكُتبِ القائمةِ على مرويّاتِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام.