ما صحة زواج الإمام الحسين (ع) من بنت ملك الفرس يزدجرد

ما صحة زواج الإمام الحسين عليه السلام من بنت ملك الفرس يزدجرد ، فقد ادعى البعض إن قصة شهربانو مأخوذة من ربيع الأبرار لزمخشري وقابوس نامه وكذلك وفقًا لأمير معزي في الموسوعة الإيرانية إن جميع المؤرخين القدماء الذي تطرقوا إلى الفتح الإسلامي لفارس ومصير عائلة الساسانيين لم يذكروا أي شي عن زواج أي من بنات يزدجرد مع الحسين بن علي في القرن الثالث للهجرة عرف محمد بن سعد البغدادي وأبو محمد بن قتيبة الدينوري (مؤرخ فارسي) أم علي زين العابدين بأنها امرأة من السند كذلك شكك مرتضي المطهري وجعفر شهيدي بروايات زواج الحسين من شهربانو واعتبروها غير صحيحة؟

: السيد رعد المرسومي

 

السّلامُ عليكم ورحمة الله: 

لقد تضاربتِ الآراءُ والأخبارُ في كيفيّةِ تزويجِ الإمامِ الحسينِ عليه السّلام مِن شاه زنان بنتِ الملكِ يزدجرد الثّالث ومتى ولدَ الإمامُ السّجّادُ عليه السّلام؟ إذ ذكرَت كتبُ التّاريخِ أرقاماً تثيرُ الإستفهاماتِ التي تقودُ إلى الشّبهاتِ. فالنّواصبُ مثلاً ينكرونَ أنّ أُمَّ الإمامِ السّجّادِ شاه زنان الفارسيّةَ، وحجّتُهم في ذلكَ هيَ تلكَ الرّوايةُ المشهورةُ التي مفادُها أنّ ثلاثَ شقيقاتٍ مِن بناتٍ ملكِ الفرسِ جاؤوا بهنَّ إلى المدينةِ سبايا حربٍ معَ جُملةِ الأسرى الفُرسِ في معركةِ القادسيّةِ، فأرادَ عُمرُ بنُ الخطّابِ بيعهنَّ ولكنَّ عليّاً بنَ أبي طالبٍ عليه السّلام تدخّلَ وعرضَ عليهنَّ الزّواجَ مِن أبناءِ الصّحابةِ، وكانَ إختيارهُنَّ كالآتي الأُولى تزوّجَت مِن عبدِ اللهِ بنِ عُمر فأولدَها سالماً، والثّانيةُ تزوّجَت محمّداً بنَ أبي بكرٍ، فأولدَها القاسمَ، والأخيرةُ شاه زنان تزوّجَت منَ الحُسينِ عليهِ السّلام، وأولدَها السّجّادَ (ع). ومولدُه كاَن في سنةِ 38هـ . وهُنا تبدأ المُفارقاتُ وتحليلُ النّواصبِ لرفضِ نسبِ الإمامِ السّجّادِ (ع) مِن أُمّهِ إلى الفُرسِ، إذ إنَّ معركةَ القادسيّةِ كانَت في سنةِ 15هـ ، وفي هذهِ السّنةِ يكونُ الإمامُ الحسينُ عليهِ السّلام لم يبلُغ الحلمَ، ونفسُ الأمرِ ينطبقُ على محمّدٍ بنِ أبي بكرٍ، إذ كانَ عمرُه ستَّ سنواتٍ، وعليهِ فالزّواجُ غيرُ صحيحٍ، وهناكَ سببٌ آخرُ تشبّثوا بهِ، وهوَ أنَّ ولادةَ السّجّادِ عليهِ السّلام 38 هـ، أي بعدَ الزّواجِ بعشرينَ عاماً، وهذا غيرُ مقبولٍ وعليهِ فالزّواجُ غيرُ صحيحٍ، ولذا رفضَ هذا الزّواجَ مَن أشرتَ إليهم في منطوقِ السّؤالِ، وكذلكَ الدّكتور علي شريعتي هوَ الآخرُ يرفضُ هذا الزّواجَ كما جاءَ في كتابِه (التّشيّعُ العلويّ والتّشيّعُ الصّفويّ ص124-125)، ولكن يمكنُنا الرّدُّ على النّواصبِ وعلى غيرِهم منَ الباحثينَ مِـمّن رفضوا هذا الزّواجَ بأن نقول: 

 أوّلاً: إنّ طولَ الفترةِ بينَ الزّواجِ والولادةِ ليسَ بالأمرِ الغريبِ، وهذهِ حالةٌ كثيراً ما تحصلُ بل إنَّ فاطمةَ بنتَ أسدٍ عليها السّلام كانَت كلَّ عشرِ سنواتٍ تلدُ، فالفرقُ بينَ كلٍّ من عقيلٍ وجعفرٍ وعليّ وأمّ هانئ عشرُ سنوات. 

وثانياً : هنالكَ روايةٌ في الإرشادِ تقولُ كانَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام قد ولّى حريثاً بنَ جابرٍ جانباً منَ المشرقِ، فبعثَ إليهِ بابنتي يزدجرد بنِ شهريار ، فنحلَ إبنَهُ الحُسينَ (ع) شاه زنان منهُما، فأولدَها زينَ العابدين، ونحلَ الأخرى محمّداً بنَ أبي بكرٍ، فولدَت لهُ القاسمَ ، فهُما إبنا خالةٍ، وكانَ مولدُ عليٍّ بن الحسينِ (ع) بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ منَ الهجرةِ.....إنتهى وهذهِ الرّوايةُ يمكنُ إعتمادُها للأسبابِ التّالية: 

 1- لو نظرَ المُعارضونَ إلى تاريخِ الفُرسِ سيعلمونَ دقّةَ وصحّةَ الخبرِ الذي ذكرناهُ في النّقطةِ الثّانيةِ، إذ المعلومُ لدينا ولديهم ومِن مصادرِهم أنّ القادسيّةَ كانَت سنةَ 636 م أي 15هـ التي هزمَ فيها يزدجرد الثّالث. 

2- يزدجرد الثّالثُ وهوَ آخرُ ملوكِ الدّولةِ السّاسانيّةِ، وحفيدُ ملكِ الدّولةِ السّاسانيّةِ كِسرى الثّاني (590-628) الذي قتلَهُ إبنُه الملكُ السّاسانيّ قباذ الثّاني.. تمَّت توليتُه العرشَ وهوَ صغيرٌ عامَ 631 م، فكانَ الوزراءُ والعظماءُ يديرونَ مُلكَه لحداثةِ سِنِّه، وكانَت نهايةُ دولةِ الفُرسِ في عهدِه على أيدي العربِ المسلمينَ سنةَ 636 م بعدَ إنتصارِ المُسلمينَ في معركةِ القادسيّةِ بقيادةِ سعدٍ بنِ أبي وقاص على جيشِ الفُرسِ الذي كانَ يقودُه رستم. وقد عاشَ بعدَ تمليكِه عشرينَ سنةً أمضى منها زهاءَ سبعَ سنينٍ بالمدائنِ ثمّ خرجَ منها حينَ قاربَها العربُ وظلَّ يطوفُ في أرجاءِ إيران حتّى قُتلَ في خراسان حوالي سنةِ ثلاثينَ منَ الهجرةِ، إذ هربَ يزدجرد الثالثُ مِن عاصمةِ الدّولةِ السّاسانيّةِ (المدائن) إلى حلوان، ثمّ إلى أصبهان، فلمّا إنتصرَ المسلمونَ في نهاوند هربَ إلى إصطخر. فتوجّهَ عبدُ اللهِ بنُ بديلٍ بنِ ورقاء بعدَ فتحِ أصبهان لإتّباعِه فلم يقدِر عليهِ كما جاءَ في كتابِ فتوحِ الشّامِ للبلاذريّ، ص: 307. 

إذن: كانَ يزدجرد صغيرَ السّنِّ وغيرَ متزوّجٍ، فمِن أينَ لهُ البناتُ حتّى يأسرهنَّ الخليفةُ الثّاني ويزوّجَ عليّاً عليه السّلام شاه زنان لإبنه؟!!

3- بعدَ هروبِه منَ المدائنِ ظلَّ يتنقّلُ بينَ المدنِ الإيرانيّةِ، وقَد أكرمَتهُ بعضُ المدنِ، فتزوّجَ فيها وأصبحَ لهُ بناتٍ، فسارَ يزدجرد إلى خراسانَ فلمّا صارَ إلى حدِّ مرو تلقّاهُ ماهويه مُعظِّماً مُبجّلاً وكتبَ إليهِ يخطبُ إبنتَه، فأغاظَ ذلكَ يزدجرد وقالَ‏:‏ إكتبوا إليهِ إنّما أنتَ عبدٌ من عبيدي فما جرّأكَ على أن تخطبَ إليّ، وأمرَ بمُحاسبةِ ماهويه مرزبان مرو ، فأتى مدينةَ مرو، فلَم يُفتَح لهُ، فنزلَ عَن دابّتِه ومشى حتّى دخلَ بيتَ طحانٍ على المرغاب، ويقالُ: إنّه دسّ إلى الطّحّانِ فأمرَه بقتلِه فقتلَه سنةَ 651 م، ثمّ قالَ‏:‏ ما ينبغي لقاتلِ ملكٍ أن يعيشَ‏.‏ فأمرَ بالطّحّاِن فقُتلَ‏. كما في فتوحِ البلدانِ للبلاذريّ، ص:307...إنتهى. إذن: بعدَ مقتلِه كانَت لهُ بنتٌ بالغةٌ وصالحةٌ للزّواجِ. 

 

4- وعليهِ بعدَ ربطِ هذا التّاريخِ معَ الرّوايةِ التي ذكرَت أنّ الإمامَ عليّاً عليه السّلام لمّا ولّى حريثاً بنَ جابرٍ جانبَ المشرقِ بعثَ لهُ بابنتي يزدجرد ، وهذا يؤكّدُ صحّةَ الرّواية. ودمتُم سالِمين.