ما هيَ الأسبابُ التي تدفعُ بالشّبابِ إلى الشّكِّ في ثوابتِ دينِهم؟
أسبابُ إنحرافِ الشّباب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الأسبابُ كثيرةٌ ومتداخلةٌ إلّا أنّها لا تؤثّرُ إلّا إذا صادفَت مَن هوَ جاهلٌ بالدّينِ وما يقومُ عليهِ مِن حُججٍ دامغةٍ وبراهينَ واضحةٍ، ولِذا ما نشيرُ إليه مِن أسبابٍ لا يعني أنّنا نُبرّرُ لِما حدثَ للبعضِ مِن إنحرافٍ عنِ الدّينِ، وإنّما نكشفُ عنِ المُحيطِ العامِّ الذي جعلَ الأجواءَ مناسبةً لمثلِ هذهِ التّشوّهاتِ في فكر الشّبابِ، ومنَ المعلومِ أنَّ المُحيطَ الإجتماعيَّ والسّياسيَّ والثّقافيّ والإقتصاديّ لهُ تأثيرٌ مباشرٌ على قناعاتِ الإنسانِ وخياراتِه المعرفيّةِ، بلِ الإنسانُ بطبعِه في حالةٍ منَ الإنفعالِ المُستمرِّ معَ المُتغيّراتِ وما تحدثُه السّاحةُ مِن تقلّباتٍ، الأمرُ الذي يجعلُ خياراتِ الإنسانِ التّفكيريّةَ وقدرتَه على مُقاربةِ الموضوعاتِ محكومة بهذهِ المؤثّراتِ؛ وذلكَ لأنَّ شخصيّةَ الإنسانِ تُشكّلُ وسيطاً بينَ العقلِ وبينَ الحقائقِ الخارجيّةِ، وهيَ في الغالبِ وسيطٌ غيرُ أمينٍ في نقلِ الواقعِ بحياديّةٍ، وإنّما تعملُ النّفسُ على تصويرِ الواقعِ بما يتناسبُ مع خلفيّةِ كلِّ شخصيّةٍ، ومِن هُنا يمكنُنا الجزمُ بأنَّ سببَ الإنحرافِ عنِ الإسلامِ ليسَ لهُ علاقةٌ بوجودِ ضبابيّةٍ تكتنفُ ثوابتَ الدّينِ، وإنّما لهُ علاقةٌ بضبابيّةٍ تكتنفُ نفسيّاتِ البعضِ بسببِ مجموعةٍ منَ العواملِ السّلبيّةِ، فلو قُمنا بمُحاكمةٍ موضوعيّةٍ لثوابتِ الدّينِ وإختبرناها بحسبِ الضّوابطِ العلميّةِ والمنهجيّةِ المعمولِ بها لدى جميعِ العُقلاءِ لما وجدنا فيها خللاً يستوجبُ التّشكيكَ فيها، وبالتّالي فإنَّ المُشكلةَ تكمنُ في الخلفيّةِ النفسيّةِ التي يتمُّ النّظرُ مِن خلالِها لتلكَ الثّوابتِ، وعليهِ فإنَّ المُشكلةَ ليسَت علميّةً وإنّما نفسيّةٌ، ومعالجةُ ذلكَ تتمُّ مِن خلالِ تصحيحِ إنحرافاتِ الواقعِ أو العملِ على رفعِ المُستوى العلميّ وتحصينِ الأفرادِ تجاهَ ذلكَ الواقعِ، وبما أنَّ خلقَ محيطٍ إيجابيٍّ وتصحيحَ مسارِ الحياةِ مُهمّةٌ غيرُ مُتيسّرةٍ في العادةِ يبقى الخيارُ المتاحُ هو ضرورةُ العملِ على رفعِ مستوى الأمّةِ علميّاً وتربيتِها نفسيّاً.
وعندَما نقفُ على هذهِ الأسبابِ التي أدَّت إلى هذهِ الإنحرافاتِ نجدُها أسباباً عامّةً تؤثّرُ على مُجملِ المُحيطِ الإسلاميّ، وأسباباً خاصّةً لها علاقةٌ بالمُحيطِ الشّخصيّ للأفرادِ، ويمكنُ إجمالُ الأسبابِ العامّةِ في الفشلِ السّياسيّ والإقتصاديّ وحالةِ الإحباطِ واليأسِ التي هيمنَت على مُعظمِ شبابِ الأمّةِ، ممّا دفعَتهم للكُفرِ بهذا الواقعِ بكلِّ ما فيهِ والتّفكيرِ في واقعٍ بديلٍ عبرَ الهجرةِ إلى الدّولِ الأوروبيّةِ، ومنَ الواضحِ أنَّ الفشلَ السّياسيَّ والإقتصاديَّ يُؤدّي إلى فشلٍ عامٍّ في كلِّ ضروبِ الحياةِ، وما يؤسفُ لهُ أنَّ الخطابَ الدّينيَّ المُهيمنَ على السّاحةِ مُغيّبٌ تماماً عَن همومِ الأمّةِ، وفي كثيرٍ منَ الأحيانِ كانَ مُساهماً بشكلٍ سلبيٍّ مِن خلالِ التّناحرِ الطّائفيّ والخطابِ العدائيّ، مُضافاً للحركاتِ الإرهابيّةِ التي مارسَت أفظعَ الجرائمِ باسمِ الإسلامِ، كلُّ ذلكَ جعلَ البعضَ يقيّمُ الدّينَ مِن خلالِ هذا الواقعِ السّلبيّ، ومنَ الواضحِ أنَّ إشكاليّةَ الأمّةِ ليسَت في الإسلامِ كدينٍ جاءَ لكي يستنهضَ كلَّ إمكاناتِ الإنسانِ العلميّةَ والمعنويّةَ، وإنّما المشكلةُ في الإنحرافِ الذي أصابَ المسيرةَ التّاريخيّةَ للمُسلمينَ إبتداءً منَ السّقيفةِ وإنتهاءً بالأنظمةِ الطّاغوتيّةِ الفاسدةِ التي أفسدتِ الدّينَ والدّنيا، والخيارُ الذي يجبُ أن تتبنّاهُ الأمّةُ ليسَ التّخلّي عَن قيمِ الإسلامِ الحضاريّةِ وإنّما إعادةُ فهمِها للإسلامِ بعيداً عَن إسقاطاتِ التّجاربِ السّلبيّةِ للمُسلمينَ، ومِن ثمَّ تتحمّلُ مسؤوليّاتِها في تغييرِ الواقعِ مِن خلالِ تغييرِ تلكَ النّفسيّاتِ المُحبطةِ والمهزومة.
أمّا الأسبابُ الشّخصيّةُ التي تتعلّقُ بالأفرادِ فهيَ كثيرةٌ بعددِ الأفرادِ الذينَ وقعوا في شراكِ الإلحادِ، والمتابعُ لوسائلِ التّواصلِ الإجتماعيّ والمواقعِ الخاصّةِ بالمُلحدينَ سوفَ يكتشفُ الدّوافعَ الشّخصيّةَ لكلِّ واحدٍ منَ الشّبابِ، وتعودُ في مجملِها إلى أسبابٍ ذاتيّةٍ لها علاقةٌ بتجاربَ قاسيةٍ مرَّ بها هؤلاءِ الشّبابُ، فالبعضُ يحكي عمّا أصابَه مِن صدمةٍ مِن تصرّفاتٍ مُنحرفةٍ لبعضِ رجالِ الدّينِ، أو يحكي عَن صدمةٍ أسريّةٍ نتيجةَ تجربةٍ تربويّةٍ غيرِ سويّةٍ، وهكذا تتعدّدُ الصّدماتُ مِن تجربةٍ لتجربةٍ أخرى، ومنَ الواضحِ أنَّ الدّوافعَ النّفسيّةَ ليسَت واحدةً عندَ الجميعِ، فما يكونُ دافعاً عندَ البعضِ لا يكونُ دافعاً عندَ البعضِ الآخر، ومعَ ذلكَ يمكنُ إرجاعُ الأسبابِ في طابعِها العامِّ إلى الذّاتيّةِ التي تؤثّرُ فيها عواملُ البيئةِ والمُحيط السّياسيُّ والإقتصاديُّ والإجتماعيّ والتّربويّ والتّعليميّ، والذي يدعونا إلى ترجيحِ هذا التّحليلِ وبخاصّة في عالمِنا العربيّ، هوَ عدمُ وجودِ مُقارباتٍ موضوعيّةٍ للإسلامِ مِن قِبلِ المُلحدينَ أو المُشكّكينَ في الثوابتِ الدّينيّةِ، وإنّما مُجرّدُ عداءٍ للإسلامِ ولعلماءِ الدّينِ في محاولةٍ لإيجادِ ما يمكنُ أن يكونَ شمّاعةً للفشلِ وخيبةً للأمل.
اترك تعليق