ما هيَ نظريّةُ (إسلام بلا مذاهب)، وما هوَ موقفُ مدرسةِ أهلِ البيتِ (ع) منها؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
فكرةُ إسلام بلا مذاهب يمكنُ فهمُها في السّياقِ السّياسيّ والإجتماعيّ والذي يُعبّرُ عنهُ بمشروعِ الوحدةِ الإسلاميّةِ، كما يمكنُ فهمُها في سياقٍ فكريٍّ يتبنّى نسبيّةَ الحقيقةِ، بمعنى عدمِ الإعترافِ بمذهبٍ واحدٍ يكونُ مُحتكِراً لتمامِ الحقيقةِ الإسلاميّةِ، وإنّما كلُّ المذاهبِ مُعبّرةٌ عَن حقيقةٍ واحدةٍ وإن إختلفتِ الطّرقُ، وبذلكَ تنتفي المُميّزاتُ التي يدّعيها أصحابُ كلِّ مذهبٍ لمذهبِهم، وتنعدمُ بذلكَ الحدودُ الفاصلةُ بينَ مكوّناتِ الأمّةِ الإسلاميّةِ، ومِن هُنا فإنَّ نقاشَ هذهِ الفكرةِ يتمُّ في بُعدينِ، الأوّلُ: يتناولُ الآثارَ السّياسيّةَ والإجتماعيّةَ لمشروعِ الوحدةِ الإسلاميّةِ. والثّاني: يتمُّ مناقشتُه فكريّاً ومعرفيّاً في إطارِ ما يُسمّى بعلمِ الكلامِ الجديد.
أوّلاً الزّاويةُ السّياسيّةُ والإجتماعيّة:
المقصودُ منَ الوحدةِ الإسلاميّةِ التي تتحرّكُ تحتَ المظلّةِ السّياسيّةِ والإجتماعيّةِ، هيَ إيجادُ إطارٍ مُشتركٍ يتوحّدُ حولَهُ الجميعُ مِن أجلِ التّصدّي للتّحدّياتِ التي تستهدفُ الأمّةَ بما هيَ أمّةٌ، والوحدةُ بهذا المعنى تخدمُ بلا شكٍّ الأمّةَ الإسلاميّةَ سياسيّاً ومجتمعيّاً، فما تعانيهِ الأمّةُ اليومَ مِن ضعفٍ وتشرذمٍ يعودُ في أحدِ أسبابِه إلى الحدودِ المذهبيّةِ والطّائفيّةِ المرسومةِ بينَ أبناءِ الأمّةِ، وقَد إكتشفَ الأعداءُ خطورةَ الوحدةِ الإسلاميّةِ فعملوا على إذكاءِ نيرانِ التّوتّر الدّاخليّ وإبعادِ مكوّناتِ الأمّةِ عَن بعضِها البعضِ، والوحدةُ الإسلاميّةُ هيَ المشروعُ المُضادُّ الذي يعملُ على فتحِ قنواتِ التّواصلِ بينَ أبناءِ الأمّةِ مِن جديد، وعليهِ ليسَ المقصودُ منَ الوحدةِ التّطابقُ في الآراءِ ووجهاتِ النّظرِ وإنّما المقصودُ هوَ التّوافقُ على المُشتركاتِ الدّينيّةِ التي تُشكّلُ الهويّةَ الأساسيّةَ للمُسلمِ، ومِن ثمَّ التّحرّكُ على أساسِ القيمِ التي عملَ الإسلامُ على تثبيتِها إجتماعيّاً وسياسيّاً، فالمصيرُ المُشتركُ والحياةُ الجماعيّةُ يفرضانِ نمطاً أخلاقيّاً يستوعبُ التّبايناتِ المذهبيّةَ، وعليهِ فإنَّ الهويّةَ الإسلاميّةَ وحدَها هيَ الكفيلةُ بتوحيدِ الصّفوفِ وتحديدِ الأهدافِ الإستراتيجيّةِ، والكلامُ عنِ الهويّةِ الإسلاميّةِ هوَ الكلامُ عنِ الإطارِ العامِّ الذي يكونُ بهِ الإنسانُ مُسلِماً، حيثُ يبدأ بالإعتقادِ باللهِ ربّاً وبمحمّدٍ رسولاً وبالقرآنِ كتاباً وينتهي بالإلتزامِ بالأحكامِ العباديّةِ والتّشريعيّةِ، ومنَ الواضحِ أنّهُ لا إشكالَ في الأمّةِ الإسلاميّةِ فيما يخصُّ مُحدّداتِ الهويّةِ الإسلاميّةِ، وإنّما الإشكالُ الذي يُهدّدُ الوحدةَ هوَ المُحدّداتُ المذهبيّةُ، فالبعضُ لا يرى الوحدةَ إلّا في إطار تخلّي البعضِ عَن مذاهبِهم والإلتحاقِ بمذهبِه، وهذا ما لا يمكنُ تحقّقُه إلّا في إطارٍ فرديّ محدود، ومِن هُنا يجبُ على الأمّةِ إعادةُ فهمِها للمذهبيّةِ بحيثُ لا تصبحُ حدوداً فولاذيّةً لا يمكنُ إختراقُها، فالمقصودُ هوَ التّأكيدُ على الإطار العامِّ ومِن ثمَّ فليحتفِظ كلُّ مذهبٍ بمُحدّداتِه الدّاخليّةِ، وعليهِ هُناكَ ثوابتُ بمثابةِ مُرتكزاتٍ للإسلامِ وهُناكَ أمورٌ إجتهاديّةٌ مُتغيّرةٌ تخضعُ للضّوابطِ الإجتهاديّةِ داخلَ كلِّ مذهبٍ، ومشروعُ الوحدةِ الإسلاميّةِ يتحرّكُ في إطار الثّوابتِ التي تُمثّلُ حالةَ إجماعٍ بينَ جميعِ المذاهبِ، ولا يتدخّلُ في المكوّناتِ الخاصّةِ لكلِّ مذهبٍ، وبذلكَ يصبحُ المقصودُ منَ الوحدةِ هوَ الوقوفُ عندَ مُحدّداتِ الهويّةِ الإسلاميّةِ وليسَ مُحدّداتِ الهويّةِ المذهبيّة.
ومَن يتحفّظُ على مشروعِ الوحدةِ يغفلُ في العادةِ عنِ القيمةِ الحضاريّةِ التي تُضيّعُها الأمّةُ عندَما تفقدُ وحدتَها، فمِمّا لا شكَّ فيهِ أنَّ أيّ حضارةٍ لها توجّهٌ ومحدّداتٌ قيميّةٌ تشكّلُ السّمةَ العامّةَ لهذهِ الحضارةِ، والإسلامُ كحضارةٍ يعملُ على تكاملِ الإنسانِ روحيّاً وماديّاً مِن خلالِ رسمِ منظومةٍ قيميّة يتطلّعُ إلى تجسيدِها المُجتمعُ المُسلمُ، والقيمُ الحضاريّةُ بطبعِها قيمٌ مجتمعيّةٌ وليسَت فرديّة، بَل حتّى إهتمامُ الإسلامِ بالجانبِ الفرديّ هوَ مِن أجلِ جعلِه فاعلاً إيجابيّاً في المجالِ الإجتماعيّ والحضاريّ، وأهمُّ ما يميّزُ المُجتمعَ المُسلمَ هوَ التّماسكُ العضويُّ بينَ مكوّناتِه، بحيثُ لا يمكنُه التّحرّكُ نحوَ أهدافِه المحوريّةِ إلّا بشكلٍ جماعيٍّ، والحركةُ الجماعيّةُ لا تكونُ إلّا نحوَ الأهدافِ الكُبرى والقيمِ العُليا، وعندَما أضاعَ المُجتمعُ هذهِ الأهدافَ أضاعَ معَها الوحدةَ، وعليهِ فإنَّ مشروعَ الوحدةِ يعملُ على تذكيرِ الأمّةِ بقيمِها الحضاريّةِ، والعمل على رفعِ الأمّةِ عَن مستوى الخلافاتِ التي تعملُ على تمزيقِها وجرِّها دائماً إلى الوراءِ، قالَ تعالى: (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذكُرُوا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَىٰ شَفَا حُفرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ)
وهُنا يجبُ التّأكيدُ على أنَّ الوحدةَ ليسَت موقوفةً على محاربةِ المذاهبِ والقضاءِ عليها لأنَّ ذلكَ أمرٌ مُستحيلٌ وغيرُ صحيحٍ، وإنّما الوحدةُ موقوفةٌ على مُحاربةِ النّعراتِ الطّائفيّةِ، والطّائفيّةُ تعني أن يتحوّلَ المذهبُ لمعيار لتحديدِ موقفي منَ الآخر، بحيثُ تصبحُ الرّؤيةُ والقناعةُ الخاصّةُ هيَ المقياسَ لمَن يستحقُّ العيشَ ومَن لا يستحقُّ ذلكَ، فالطّائفيّةُ في حقيقتِها نزعة فرعونيّةٌ قائمةٌ على إملاءِ القناعاتِ الخاصّةِ على الآخرينِ وإرغامِهم عليها، (قَالَ فِرعَونُ مَا أُرِيكُم إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهدِيكُم إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، وإذا كانَ هناكَ مشروعٌ جدّيٌّ لتوحيدِ المُسلمينَ، فلابدَّ أن يبدأ هذا المشروعُ أوّلاً بتكريسِ ثقافةِ التّعدّديّةِ، والإعترافِ بالآخرِ مهما كانَ مُخالِفاً، والتّسالمُ ثانياً على أنَّ الوحدةَ لا تعني بالضّرورةِ التّطابقَ في الأفكارِ والقناعاتِ، وإنّما تعني التّوافقَ على مُشتركاتٍ تُمثّلُ الصّبغةَ والهويّةَ الإسلاميّة.
ويبدو أنَّ الطّائفيّةَ التي إتّخذَت طريقَها إلى تفكيكِ البُنيةِ الإجتماعيّةِ للأمّةِ، كانَت نِتاجاً طبيعيّاً للفهمِ الذي حوّلَ الإسلامَ إلى قشورٍ، بعيداً عنِ الرّوحِ والمُحتوى، وعندَما يمتلكُ الإنسانُ خياراً واحداً ويتحجّرُ ضمنَ رؤيةٍ واحدةٍ لابدَّ أن يكونَ شديدَ التّعصّبِ، لأنّهُ سوفَ يرى الرّأيَ المُخالفَ لهُ رأياً مُهدِّداً لوجودِه، وبالتّالي فهمُ الدّينِ في إطار القيمِ، وخاصّةً القيمَ الكُبرى التي تُؤسّسُ للتّعاونِ والتّكاملِ البشريّ، كفيلٌ بتذويبِ هذهِ الرّوحِ الطّائفيّةِ، فإذا كانَ الدّينُ، بكلِّ عقائدِه وأحكامِه وأدبيّاتِه وتعاليمِه، يحقّقُ قيماً إيجابيّةً، فهذا كافٍ للحُكمِ على أنَّ الطّائفيّةَ ليسَت منَ الإسلامِ، لأنّها قيمةٌ سلبيّةٌ تقفُ عائِقاً أمامَ تقدّمِ الإنسانِ وتكاملِه، بل تؤسّسُ لتقويضِ البناءِ الإنساني.
ثانياً الزّاويةُ الكلاميّةُ والعقديّة:
تستهدفُ هذهِ الزّاويةُ التّشكيكَ في وجودِ حقيقةٍ إسلاميّةٍ تُمثّلُ مُرادَ اللهِ تعالى، ويرتكزُ هذا المُدّعى على كونِ الحقيقةِ بطبعِها أمراً نسبيّاً لا يمكنُ الجزمُ بها، وعليهِ كلُّ المذاهبِ مُشتركةٌ في التّعبيرِ عَن تلكَ الحقيقةِ بشكلٍ متساوٍ، ولا فرقَ بينَ مذهبٍ ومذهبٍ آخر حتّى لو كانَ بينَها تباينٌ وتناقضٌ، وهذا ما لا يمكنُ قبولهُ والتّسليمُ بهِ، فالحقيقةُ الإسلاميّةُ المُعبّرُة عمّا أرادَهُ اللهُ لابدَّ أن تكونَ واحدةً، فالإسلامُ هوَ كتابٌ واحدٌ مِن ربٍّ واحدٍ على رسولٍ واحد، مِن أجلِ إيصالِ رسالةٍ واحدةٍ، والذي يحسمُ التّباينَ بينَ المذاهبِ ليسَ نكران الحقيقةِ الإسلاميّةِ، وإنّما البرهانُ الذي يحكمُ بصحّةِ ما تنسبُه المذاهبُ للإسلامِ، وعليهِ يمكنُ قبولُ الإختلافِ في دائرةِ الحوار والنّقاشِ العلميّ، إلّا أنّهُ لا يمكنُ قبوله على أساسِ أنَّ الحقيقةَ ليسَ لها ملمحٌ يُحدّدُها أو شكلٌ يُميّزُها، وقد تطرّقنا في إجابةٍ سابقةٍ إلى جذورِ القولِ بالنّسبيّةِ، وقد أكّدنا هناكَ أنَّ القولَ بالنّسبيّةِ ينطلقُ منَ الجانبِ المُنفعلِ في الإنسانِ، ويهملُ جوانبَ القوّةِ الفاعلةِ فيه، وهيَ العقلُ والبرهانُ الذي يُمكّنُه مِن تجاوز كلِّ العواملِ النّفسيّةِ التي تشوّهُ الحقيقةَ، فالبحثُ عنِ العقلِ مِن جهةٍ والبحثُ عنِ الهوى مِن جهةٍ أخرى، هوَ الذي يقودُ إلى تحديدِ نقاطِ القوّةِ والضّعفِ في الإنسانِ، وبالتّالي البحثُ عَن مصادرِ الحقِّ والباطل؛ فالعقلُ هوَ مصدرُ القوّةِ الذي يسمو بالإنسانِ ويتجاوزُ بهِ كلَّ ضغوطِ المادّةِ، والهوى هوَ مصدرُ الضّعفِ الذي يجعلُ الإنسانَ مُنفعِلاً بمُحيطِه ومتأثّراً بظروفِه المادّيّةِ، فلا يرى الحقَّ إلّا مِن منظارِ هذهِ الظّروفِ، وقَد إهتمَّ القرآنُ بكِلا البُعدينِ؛ ففي حينِ أمرَ بالعقلِ والتّعقّلِ، نهى عنِ الهوى والشّهواتِ، وعليه فإنَّ جذورَ النّسبيّةِ قائمةٌ في الأساسِ على الإستسلامِ للذّاتِ بفتحِ الطّريقِ أمامَ النّزعاتِ النّفسيّةِ والأهواءِ التي تتحكّمُ في ما هوَ حقيقةٌ وما هوَ وهمٌ، فمَن يرى أنَّ المعرفةَ مُجرّدُ إنطباعٍ ذاتيٍّ لابدَّ أن يقولَ بالنّسبيّةِ، وبالتّالي لا يعترفُ بالحقائقِ الموضوعيّةِ، بينَما مَن يعتقدُ أنَّ الحقائقَ لها موضعيّةٌ خارجيّةٌ مُستقلّةٌ عنِ الذّاتِ الإنسانيّةِ لا يعترفُ بالنّسبيّةِ، والحلُّ الإسلاميُّ لهذا الجدلِ القائمِ هوَ أنَّ الإسلامَ إعترفَ بخطورةِ تدخّلِ النّفسِ والأهواءِ في المعرفةِ وحذّرَ منها حتّى يتمكّنَ الإنسانُ مِن رؤيةِ الواقعِ كما هوَ لا كما يحبُّ الإنسانُ أن يراهُ، وبالتّالي إشكاليّةُ (الذّاتيّةِ) إشكاليّةٌ حقيقيّةٌ، ولكنَّها ليسَت حتميّةً، فلو كانَت حتميّةً لما كانَ القرآنُ شجّعَ على مخالفتِها، ولما حاسبَ العبادَ على الإنقيادِ للشّهواتِ والأهواءِ، قالَ تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) وقالَ: (وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى) وقالَ: (وَلَا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطاً) وقالَ :(فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنهَا مَن لاَ يُؤمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَردَى) وعشراتُ الآياتِ التي تؤكّدُ ضرورةَ تجنّبِ الأهواءِ، وعليهِ فإنَّ الذّاتيّةَ النّابعةَ منَ الهوى ليسَت حتميّةً بَل مسؤوليّةُ الإنسانِ المعرفيّةُ هوَ التّجرّدُ للحقيقةِ حتّى لو كانَت على حسابِ مصالحِه الشّخصيّةِ، وإذا كانَ القرآنُ يشتملُ على مجموعةٍ منَ الحقائقِ الموضوعيّةِ فإنَّ الوصولَ إليها غيرُ مُستحيلٍ إذا تجرّدَ الإنسانُ للحقيقةِ، وإذا أجرينا تحقيقاً موضوعيّاً حولَ تشكّلِ المذاهبِ الإسلاميّةِ لوجَدنا أنَّ أكثرَ الدّوافعِ لم تكُن علميّةً، ومِن هُنا لا يمكنُ الإعترافُ بكلِّ المذاهبِ على أنّها صورةٌ واحدةٌ للإسلامِ، وإنّما في الواقعِ صورٌ منحرفةٌ عنِ الحقيقةِ التي أرادَها اللهُ تعالى، ولا يعني ذلكَ تكريسَ حدّةِ الإصطفافِ الطّائفيّ وإنّما يعني إحترامَ البرهانِ والبحثِ العلميّ، وقَد ميّزنا في ما سبقَ بينَ ضرورةِ الإعترافِ بواقعِ المذاهبِ وبينَ عدمِ الإعترافِ بالطّائفيّةِ، وعليهِ يكونُ كلُّ مسلمٍ مسؤولاً عَن تحرّي الحقيقةِ بعيداً عنِ التّعصّبِ وعنِ الدّوافعِ النّفسيّةِ والذّاتيّةِ، وبالتّالي لا يمكنُ إلغاءُ المذاهبِ على حسابِ الحقيقةِ، وإنّما يجبُ الإنتصارُ للحقيقةِ على حسابِ المذهبيّةِ، والحلُّ الوحيدُ هوَ أن تتّسعَ طاولةُ الحوارِ العلميّ وتستمرُّ حتّى يستبينَ الحقُّ عنِ الباطلِ، وليسَ منَ الجيّدِ أن نشيرَ في إجابةِ هذا السّؤالِ إلى أنّ التّشيّعَ بما يمتلكُ مِن حُججٍ وبراهينَ هوَ الذي يُمثّلُ الإسلامَ الأصيلَ، لأنَّ حينَها سيكونُ في نظر المُخالفِ مُجرّدَ إدّعاءٍ، وكلُّ ما يمكنُ فعلُه هُنا هوَ التّأكيدُ على أنَّ الحقَّ مِن بينِ المذاهبِ التي يمكنُ الوصولُ إليه إذا تحقّقَ التّجرّدُ وأقيمَ البرهان.
اترك تعليق