ذائقةُ الموتِ 

491 – لماذا إستعملَ تعالى مُفردةَ ( ذاقَ ) في مسألةِ الموتِ دونَ سِواها في قولِه تعالى: ﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ﴾ [الأنبياءُ: ٣٥].   ولماذا نُسبَ الموتُ إلى النّفسِ دونَ الرّوحِ والبدن؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

مادّةُ الذّوقِ موضوعةٌ للإختبارِ والتجربةِ وإستطعامِ الشيءِ، فقد يكونُ التذوّقُ بالفمِ واللسانِ كتذوّقِ المأكولاتِ والمشروباتِ وإستطعامِها، وقد يكونُ ببقيّةِ الحواسِّ الظاهرةِ، كحاسّةِ اللمسِ والشمِّ والسّمعِ، وقد يكونُ التذوّقُ والإستطعامُ بالحواسِّ الباطنةِ، فإنّ العقلَ يتذوّقُ المطالبَ العلميّةَ، والرّوحَ تتذوّقُ مُختلفَ الأمورِ حلوَها ومرَّها، فإنّ الضّغوطاتِ النفسيّةَ، أو الرّاحةَ النفسيّةَ، تتذوّقُها الرّوحُ وتستطعمُها وتختبرُها وتجرّبُها. 

ويذهبُ كثيرٌ منَ العلماءِ إلى أنّ حقيقةَ الذّوقِ هوَ ما أدركَ بحاسّةٍ، فيكونُ إستعمالها في النّفسِ إستعارةً، وإنّما حسنَ وصفُ النّفسِ بذلكَ لِما يحسُّ بهِ مِن كربِ الموتِ وعذابِه، فكأنّها تحسّهُ بذوقِه. (تلخيصُ البيانِ في مجازاتِ القرآنِ للشريفِ الرّضي ص126). 

قالَ الطبرسي: { كلُّ نفسٍ ذائقةٌ الموت } أي: ينزلُ بها الموتُ لا محالةَ، فكأنّها ذاقتهُ. وقيلَ: معناهُ كلُّ نفسٍ ذائقةٌ مقدّماتِ الموتِ، وشدائدِه وسكراتِه. (مجمعُ البيانِ: 2 / 464). 

فالإنسانُ يتذوّقُ الموتَ عندَما يتجرّعُ مرارتَها، ويجدُ مرارةَ مُفارقةِ الرّوحِ للبدنِ. 

فناسبَ إستعمالَ الذّوقِ لأنّها أبلغُ في تصويرِ الحالةِ، أو لحتميّةِ وقوعِها. 

 

وأمّا الوجهُ في نسبةِ الموتِ إلى النّفسِ دونَهما: 

وذلكَ لأنّ الموتَ هوَ فقدُ الحياةِ وآثارِها منَ الشّعورِ والإرادةِ عمّا مِن شأنِه أن يتّصفَ بها قالَ تعالى : { وكنتُم أمواتاً فأحياكم ثمَّ يميتُكم } والموتُ بهذا المعنى إنّما يتّصفُ بهِ الإنسانُ المُركّبُ منَ الرّوحِ والبدنِ بإعتبارِ بدنِه فهوَ الذي يتّصفُ بفقدانِ الحياةِ بعدَ وجدانِه، والمرادُ منَ النّفسِ هُنا هوَ الإنسانُ، دونَ الرّوحِ الإنسانيّ إذ لم يُعهَد نسبةَ الموتِ إلى الرّوحِ في كلامِه تعالى حتّى تُحملَ عليه. (تفسيرُ الميزانِ: 14 / 286 بتصرّفٍ). 

وبعبارةٍ أوضح: الموتُ عبارةٌ عَن عمليّةِ خروجِ الرّوحِ منَ البدنِ، وإنفصالِها عنه، فهوَ مِن عوارضِ المُركّبِ، إنفصالُ شيءٍ عن شيءٍ، هذهِ العمليّةُ تُسمّى بالموتِ، وهذهِ العمليّةُ مِن عوارضِ الإنسانِ أو النّفسِ المُركّبةِ منَ الرّوحِ والبدنِ، وليسَت مِن عوارضِ الرّوحِ، أو البدن. 

 

والكلامُ طويلٌ ومتشعّبٌ في حقيقةِ النّفسِ، والفرقُ بينَها وبينَ الرّوحِ، وما ذكرناهُ كفايةٌ للجوابِ عنِ السّؤالِ إن شاءَ الله. 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.