ما فائدةُ خلودِ أصحابِ النّارِ وتعذيبِهم ؟
السّؤالُ المنطقيُّ هو لماذا يُخلّدُ ويُعذّبُ الكافر؟ فإذا كانَت الإجابةُ على هذا السّؤالُ واضحة فحينَها يكونُ مِن غيرِ المنطقيّ السّؤالُ عن فائدةِ هذا العذابِ؛ وذلكَ لكونِه يُمثّلُ الاستحقاقَ الطبيعيَّ لِما فعلَه الإنسانُ في الحياةِ، ويتّضحُ الأمرُ مِن خلالِ ملاحظةِ العقوباتِ المُترتّبةِ على القوانين، فمثلاً لو كانَ عدمُ الالتزامِ بإشارةِ المرورِ يستوجبُ الغرامةَ الماليّة فلا يقالُ حينَها ما الفائدةُ منَ الغرامة؟ طالما جُعلَت أساساً كمقابلٍ لتلكَ المُخالفةِ، وهكذا الحالُ في القوانينِ التكوينيّة فمَن سقطَ مِن مكانٍ عالٍ فكُسرَت رجله فلا يقالُ ما الفائدةُ مِن كسرِ الرّجل؟ وعليهِ فإنَّ السّؤالَ منَ الأساسِ غيرُ صحيحٍ حتّى يمكنَ الإجابةُ عنه. ويمكُننا أن نُجملَ القولَ بأنَّ اللهَ خلقَ الإنسانَ للخلودِ وليسَ للفناءِ وخيّرَه أن يختارَ بنفسِه إمّا الخلودَ في النّعيمِ وإمّا الخلودَ في العذابِ، ومنحَه فرصةً كافيةً في الدّنيا ليتمكّنَ مِن تحديدِ أحدِ المصيرينِ، ولا حُجّةَ لمَن يختارُ الجحيمَ على النّعيمِ بعدَ انقضاءِ فرصةِ الاختيارِ، فمَن تأصّلَ الخبثُ في نفسِه حتّى لو أعيدَ لهُ الامتحانُ من جديد فسوفَ يختارُ الخلودَ في النّار، قالَ تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النّارِ فقالوا يا ليتنا نُرَدُّ ولا نُكذّبَ بآياتِ ربّنا ونكونَ منَ المؤمنينَ * بل بدا لهُم ما كانوا يُخفونَ مِن قبلُ ولو رُدّوا لعادوا لِما نُهوا عنه وإنّهم لكاذبون)، وعليهِ فإنَّ الإنسانَ لا يدخلُ الجنّةَ إلّا إذا أرادَ هوَ ذلكَ وعملَ لها عملَها وحينَها تشمله الرّحمةُ، أمّا الكافرُ حتّى لو فرضنا أنَّ لذنبِه مقداراً مُحدّداً منَ العذابِ فإنّهُ لن يدخلَ الجنّةَ لأنَّ عذابَه كانَ في قبالِ ما صنعَ بيدِه، أمّا دخولُ الجنّةِ فلا يكونُ إلّا في قبالِ عملٍ خاصِّ يستوجبُ دخولَها، وهذا ما يفتقدُه الكافرُ، فلا يكفي أن يُعذّبَ على ذنبِه لكي يدخلَ الجنّةَ طالما ليسَ لهُ عملٌ يؤهّله لدخولِها، والسّبيلُ الوحيدُ لتحصيلِ ما يستوجبُ دخولَ الجنّةِ هوَ أن يُمنحَ فرصةً أخرى في الدّنيا، وهذا ما حكمَ اللهُ بامتناعِه، كما أكّدَته الآيةُ السّابقةُ بأنّهُ مَن لم يخترِ الجنّة في فرصةِ الحياةِ الدّنيا لن يختارَها لو أعيدَت له الدّنيا ألفَ مرّة. أمّا أصحابُ الذنوبِ فبعدَ أن ينالوا جزاءَ ذنوبِهم يبقى لهُم عملهم الذي يستوجبُ دخولَ الجنّةِ فيدخلهم اللهُ فيها برحمتِه.
اترك تعليق