كيف يكون الله سريع الحساب ونحن لا نرى ذلك في الكفار؟
سؤال: قوله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).. رأينا كفر الكثيرين في العصر الحالي والذي سبقه، بل وتماديهم في الكفر، لكن لم نر سرعة الله في الحساب! حتى شك البعض بوجود الله من الأساس؟
الجواب:
يبدو أن الشبهة التي ارتسمت في ذهن السائل ناشئة من تفسيره للحساب بالعقاب، وإن كان هذا التفسير صحيحاً إلا أنه لا يعد المعنى الأصلي لكلمة الحساب، وإنما يعد معناً مجازياً، ووجه المجاز فيه أن الحساب سبب للثواب والعقاب، وإطلاق اسم السبب على المسبب جائز، ومن ذلك قوله تعالى: (وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ فحاسبناها حِسَابًا شَدِيدًا)، وبناءً على هذا المعنى اعتقد السائل أن قوله تعالى: (إن الله سريع الحساب) يعني أن الله ينزل العقوبة سريعاً على من يكفر بآيات الله، وهذا المعنى غير مقصود في الآية بإجماع المفسرين.
فكلمة حساب في دلالتها الأصلية تعني العد والإحصاء، ففي لسان العرب لابن منظور: "والحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ. وحَسَبَ الشيءَ يَحْسُبُه، بالضم، حَسْباً وحِساباً وحِسابةً: عَدَّه... إلى أن يقول: وقوله تعالى: واللّهُ سَرِيعُ الحِسابِ؛ أَي حِسابُه واقِعٌ لا مَحالَة، وكلُّ واقِعٍ فهو سَرِيعٌ، وسُرْعةُ حِسابِ اللّه، أَنه لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن مُحاسَبةِ الآخَر، لأَنه سبحانه لا يَشْغَلُه سَمْع عن سمع، ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ" (لسان العرب ج 1 ص 313).
ومن ذلك يتضح أن الآية دالة على كون الله سيحسب أعمال العباد جميعاً ويحصي عليهم جميع ما ارتكبوه، قال الطبري في تفسيره: القول في تأويل قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، قال أبو جعفر: يعني بذلك: ومن يجحدُ حجج الله وأعلامه التي نصَبها ذكرَى لمن عقل، وأدلةً لمن اعتبر وتذكر، فإن الله محص عليه أعماله التي كان يعملها في الدنيا، فمجازيه بها في الآخرة، فإنه جل ثناؤه "سريع الحساب"، يعني: سريع الإحصاء. وإنما معنى ذلك أنه حافظ على كل عامل عمله، لا حاجة به إلى عقد كما يعقده خلقه بأكفِّهم، أو يعونه بقلوبهم، ولكنه يحفظ ذلك عليهم، بغير كلفة ولا مؤونة، ولا معاناة لما يعانيه غيرُه من الحساب" (جامع البيان ج 3 ص 290).
وجاء في تفسير الامثل لناصر مكارم الشيرازي: "هذا بيان لمصير أمثال هؤلاء الذين لا يعترفون بآيات الله. إنهم سوف يتلقون نتائج عملهم هذا، فالله سريع في تدقيق حساباتهم" (الأمثل: ج2 ص 431).
ويقول في موضع آخر: "أما جملة والله سريع الحساب الواردة في الفقرة الأخيرة من الآية فإنها تشير إلى سرعة حساب الله تعالى لعباده، فإنه يجازي بالثواب والعقاب نقدا وبدون تأخير، فقد ورد في الحديث الشريف (إن الله تعالى يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر). وهذا لأن علم الله ليس كعلم المخلوقات المحدود حيث يشغلها موضوع عن موضوع آخر. إضافة إلى ذلك أن محاسبة الله لا ينبغي أن تستلزم زمانا، لأن أعمالنا ذات آثار باقية في جسم وروح الموجودات المحيطة بنا وفي الأرض وأمواج الهواء، فالإنسان يشبه من هذه الجهة السيارات المجهزة بقياس السرعة والمسافة حيث تقرأ فيها كل لحظة مقدار عملها وسيرها ولا يحتاج بعدها إلى كتاب لحساب المسافات التي طوتها السيارة طيلة عمرها" (الامثل: ج2 ص 64).
وفي تفسير الميزان: وقوله: "إن الله سريع الحساب" تعليل لنفي الظلم في قوله: "لا ظلم اليوم" أي إنه تعالى سريع في المحاسبة لا يشغله حساب نفس عن حساب أخرى حتى يخطئ فيجزي نفسا غير جزائها فيظلمها. وهذا التعليل ناظر إلى نفي الظلم الناشئ عن الخطاء وأما الظلم عن عمد وعلم فانتفاؤه مفروغ عنه لان الجزاء لما كان بنفس العمل لم يتصور معه ظلم. ( الميزان، ج17 ص 319).
وقال في موضع آخر: وقوله: "والله سريع الحساب" إنما هو لإحاطة علمه بالقليل والكثير والحقير والخطير والدقيق والجليل والمتقدم والمتأخر على حد سواء". (الميزان ج 15 ص 132).
وقال الفخر الرازي في تفسيره: ثم قال تعالى: (ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) وهذا تهديد، وفيه وجهان: الأول: المعنى فإنه سيصير إلى الله تعالى سريعا فيحاسبه أي يجزيه على كفره والثاني: أن الله تعالى سيعلمه بأعماله ومعاصيه وأنواع كفره بإحصاء سريع مع كثرة الأعمال" (تفسير الرازي ج 7 ص 224).
وقال في موضع اخر: أما قوله : {والله سريع الحساب} فذاك لأنه سبحانه عالم بجميع المعلومات فلا يشق عليه الحساب، وقال بعض المتكلمين معناه لا يشغله محاسبة واحد عن آخر كنحن، ولو كان يتكلم بآلة كما يقوله المشبهة لما صح ذلك" (تفسير الرازي ج ٢٤ ص ٨).
اترك تعليق