هل تعطّلونَ صفاتِ اللهِ المذكورةَ في القرآنِ الكريم و ما تفسيرُكم لقوله تعالى:(وهوَ السّميعُ البصير)؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بالنّسبةِ للشقِّ الأوّلِ منَ السّؤالِ فإنَّ التّعطيلَ الذي يعني الخلوَّ أو إخلاءَ الرّبِّ سبحانَه وتعالى عمّا وصفَ بهِ نفسَه، فلا يجوزُ لأنَّ ذلكَ لا يكونُ إلّا بالجحودِ والإنكارِ لِما جاءَ في القرآنِ الكريم، وقد وردَت الكثيرُ منَ الرّواياتِ عن أهلِ بيتِ النبوّةِ (عليهم السّلام) تؤكّدُ ضرورةَ وصفِ اللهِ بما وصفَ به نفسَه في القرآنِ، منها:
1- قالَ الإمامُ عليٌّ (عليه السّلام): ما دلّكَ القرآنُ عليهِ مِن صفتِه [عزّ وجلّ] فاتّبعه، ليوصلَ بينَك وبينَ معرفتِه، وأتمّ به، وأستضِيء بنورِ هدايتِه... وما دلّكَ الشيطانُ عليه ممّا ليسَ في القرآنِ عليكَ فرضه، ولا في سنّةِ الرّسولِ وأئمّةِ الهُدى أثرُه، فكِلْ علمَه إلى اللهِ عزّ وجلّ، فإنّ ذلكَ مُنتهى حقّ اللهِ عليك" (التّوحيدُ للصّدوقِ البابُ 2 ح 13).
2- قالَ الإمامُ جعفرٌ بنُ محمّدٍ الصّادق (عليه السّلام): ... إنّ المذهبَ الصّحيحَ في التوحيدِ ما نزلَ بهِ القرآنُ مِن صفاتِ اللهِ جلّ وعزّ ... ولا تعدوا القرآنَ فتضلّوا بعدَ البيان" (الكافي كتابُ التوحيد ج1 ص 55).
3- قال الإمامُ موسى بنُ جعفرٍ الكاظم (عليهِ السّلام): صِفوه [عزّ وجلّ] بما وصفَ به نفسَه، وكفّوا عمّا سوى ذلك" (الكافي ج1 ص 100).
4- قالَ الإمامُ موسى بنُ جعفرٍ الكاظم (عليهِ السّلام) لأحدِ أصحابِه: لا تتجاوَز في التوحيدِ ما ذكرَه اللهُ تعالى في كتابِه فتهلَك"(التوحيدُ للصّدوقِ ص 102).
5- قالَ الإمامُ عليٌّ بنُ موسى الرّضا (عليهِ السّلام): إنّ الخالقَ لا يوصفُ إلاّ بما وصفَ بهِ نفسَه، وأنّى يوصفُ الذي تعجزُ الحواسُّ أن تُدركَه، والأوهامُ أن تناله، والخطراتُ أن تحدَّه، والأبصارُ عن الإحاطةِ به، جلّ عمّا وصفَه الواصفونَ، وتعالى عمّا ينعتُه الناعتونَ" (التوحيدُ للصّدوق ص 74).
6- قالَ الإمامُ عليٌّ بنُ موسى الرّضا (عليه السّلام): سبحانَك لو عرفوكَ لوصفوكَ بما وصفتَ بهِ نفسَك... اللّهم لا أصفُك إلاّ بما وصفتَ به نفسَك" (الكافي ج1 ص 60).
7- قالَ الإمامُ عليٌّ بنُ موسى الرّضا (عليهِ السّلام): لأحدِ أصحابِه حولَ توصيفِ اللهِ تعالى: "لا تجاوَز ما في القرآن" (الكافي ج1 ص 101).
8- قالَ الإمامُ عليٌّ بنُ موسى الرّضا (عليه السّلام): مَن وصفَ اللهَ بخلافِ ما وصفَ به نفسَه فقد أعظمَ الفريةَ على الله" (بحارُ الأنوار ج4 ص 102)
وغيرُ ذلكَ منَ الرّواياتِ التي توجبُ وصفَ اللهِ بما وصفَ به نفسَه، وعليه لا يجوزُ تعطيلُ تلكَ الصّفاتِ ونفيُها عنهُ تعالى، إلّا أنَّ ذلكَ لا يكونُ بإثباتِ تلكَ الصّفاتِ كما نثبتُها للمَخلوقِ؛ لأنَّ ذلكَ يقودُ للتّشبيهِ وهوَ محالٌ على اللهِ تعالى، ومِن هُنا جاءَت رواياتُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) تحدّدُ المسارَ الوسطَ بينَ التعطيلِ والتشبيهِ، ففي تمامِ الرّوايةِ السّابقةِ عن الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام): (واعلمَ رحمَك اللهُ أنَّ المذهبَ الصّحيحَ في التوحيدِ ما نزلَ به القرآنُ مِن صفاتِ اللهِ عزَّ وجل، فأنفِ عنِ اللهِ البطلانَ والتشبيهَ، فلا نفيَ ولا تشبيهَ، هوَ اللهُ الثابتُ الموجودُ، تعالى اللهُ عمّا يصفُه الواصفونَ، ولا تعدُ القرآنَ فتضلَّ بعدَ البيان.) فكما نفَت الرّوايةُ التعطيلَ نفَت التشبيهَ أيضاً، ومنَ المؤكّدِ أنَّ إجراءَ هذهِ الصّفاتِ على اللهِ كما تجري على المخلوقِ فيهِ تشبيهٌ لا محالة، وعليهِ لابدَّ مِن إجراءِ هذهِ الصّفاتِ على اللهِ بالشّكلِ الذي لا يكونُ فيهِ تشبيهٌ بينَه وبينَ خلقِه، قالَ تعالى: (ليسَ كمثلِه شيء وهوَ السّميعُ البصير).
هذا الأمرُ يقودُنا للشقِّ الثاني منَ السّؤالِ وهوَ تفسيرُ قولِه تعالى: (وهوَ السّميع البصير) فمِمّا تقدّمَ يتّضحُ ضرورةُ وصفِ اللهِ بما وصفَ بهِ نفسَه وهوَ كونُه سميعاً بصيراً، وفي نفسِ الوقتِ يجبُ ألّا يكونَ ذلكَ مشابهاً لِما يتّصفُ به المخلوقُ منَ السّمعِ والبصر، وهذا لا يكونُ إلّا مِن خلالِ نفي الضدّ لكلِّ صفةٍ مِن هذهِ الصّفاتِ، فمثلاً، عندَما نقولُ (عليمٌ وقدير) إنّما نقصدُ بذلكَ نفيَ الجهلِ والعجز عنه، وبالتالي لا نثبتُ معنىً متصوّراً أو مفهوماً ذهنيّاً لصفةِ العلمِ أو القُدرة، لأنَّ ما هوَ موجودٌ في الذهنِ لمفهومِ العلمِ ومفهومِ القُدرةِ مُستمدٌّ مِن واقعِ العلمِ والقُدرةِ عندَ الإنسانِ وهذا هوَ التشبيهُ الذي لا يجوزُ، وفي نفسِ الوقتِ لابدَّ من إثباتِ تلكَ الصّفاتِ للهِ تعالى لأنّها صفاتُ كمالٍ، وهُنا يتحيّرُ العقل فلا يمكنُه إيجادُ معنىً متصوّراً أو مفهوماً ذهنيّاً لمعنى العلمِ والقدرةِ عندَ الله تعالى، ولا يبقى في مقدورِ العقلِ إلّا إثباتُ تلكَ الصّفاتِ بمعنى نفي ما يقعُ ضدّها، وعليهِ ليسَ المقصودُ مِن نسبةِ الصّفاتِ إلى اللهِ هو فهمُ كُنهِ وحقيقةِ الذّاتِ الإلهيّة؛ لأنّ هذا الفهمَ غيرُ ممكنٍ، بل المقصودُ مِن نسبةِ الصّفاتِ إلى اللهِ فهمُ هذه الحقيقةِ بأنّهُ تعالى منزّهٌ عنِ الإتّصافِ بضدِّ هذه الصّفات، فإذا قيلَ: ما هوَ معنى كُنهِ وحقيقةِ (العلم) الذي تصفونَ بهِ الله؟ فالجوابُ الصّحيح: المقصودُ منَ (العلم) في هذا المقامِ (نفيُ الضدّ) أي نفيُ الجهل.
وعندما نعودُ إلى تفسيرِ أهلِ البيت (عليهم السّلام) لمعنى السّميعِ والبصير نجدُ أنّها أكّدَت على أنَّ اللهَ لا يغيبُ عنهُ شيءٌ منَ المسموعاتِ أو المُبصراتِ ولم تقدِّم مفهوماً متصوّراً للسّمعِ والبصر، قالَ الإمامُ جعفرٌ بنُ محمّدٍ الصّادق (عليه السّلام): إنّما يُسمّى تباركَ وتعالى بهذهِ الأسماءِ؛ لأنّه لا تخفى عليهِ خافيةٌ، ولا شيءَ ممّا أدركَتهُ الأسماعُ والأبصارُ (بحارُ الأنوار ج3 ص194). وعن الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرّضا (عليه السّلام): وسمّى ربّنا سميعاً… أخبرَ أنّه لا يخفى عليهِ الأصواتُ… اللهُ بصيرٌ لا يجهلُ شخصاً منظوراً إليه (توحيدُ الصّدوق ص 383) وبهذا الشّكلِ نخرجُ منَ التّعطيلِ والتّشبيه.
اترك تعليق