ما مدى صحّة حرمان الأنصار وأقارب النبيّ ص من تولي أيّ منصبٍ في زمن الخلفاء الثلاثة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

معَ أنَّ التاريخَ مليءٌ بالمظالمِ التي وقعَت على أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) وشيعتِهم، إلّا أنّهم لم يكونوا بالأرقام التي يسهلُ تجاوزُها وإهمالها بالكليّة، ولذا نجدُ أنَّ الخلفاءَ الثلاثةَ لم يستغنوا عن مشورةِ الإمامِ عليٍّ (عليه السّلام) والرّجوعِ إليهِ في المُعضلاتِ الفقهيّةِ والسياسيّة، فقد فرضَ الإمامُ عليّ (عليهِ السّلام) بعلمِه مكانتَه في الدولةِ الإسلاميّة، فلم يكُن مجرّدَ موظّفٍ يأتمرُ بأمرِ غيرِه وإنّما كانَ السندَ الذي يلجأ إليهِ المُسلمونَ في كلِّ ضائقةٍ، فكانوا يستشيرونَه بوصفِه الأعلمَ والأكثرَ معرفةً في أمورِ الحُكمِ والأحكام، وفي نفسِ الوقتِ كانَ حرصُ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) على أمنِ الرّسالةِ ومُستقبلِها ممّا جعله لا يعزلُ نفسَه عن همومِ الأمّة، حيثُ كانَ يقومُ ببعضِ الأعمالِ التي لا يجدُ بينَ المُسلمينَ مَن هوَ قادرٌ على أدائِها، فكانَ يملأ الفراغاتَ في الحُكمِ أينَما وجدَها سواءٌ بالفتوى في الأمورِ الشرعيّة أو التوجيهِ في المسائلِ الإداريّة أو حتّى تولّي زمامِ الأمورِ في المدينةِ عاصمةِ الدّولةِ في حالِ رحيلِ الخليفةِ للحفاظِ على أرواحِ المُسلمينَ وأموالِهم، وكذلكَ نجدُه لم يمنَع أصحابَه مِن تولّي مناصبَ حكوميّةٍ هامّة في الدولةِ الإسلاميّة، فنجدُ مثلاً الخليفةَ عُمرَ بنَ الخطّابِ استعانَ ببعضِ أصحابِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) فكما جاءَ في تاريخِ اليعقوبي أنّه عيّنَ عثمانَ بنَ حنيفٍ وحذيفةَ بنَ اليمانِ لمسحِ بلادِ السّوادِ وجمعِ خراجها بعدَ أن تمَّ تحريرُها في معركةِ القادسيّة (تاريخُ اليعقوبي 2/ 152)، وفي تاريخِ المسعودي نجدُ أنَّ عُمرَ استخدمَ سلمانَ الفارسي على المدائنِ بعدَ سقوطِ الدولةِ الساسانيّة لأنّهُ كانَ مِن فارس (المسعوديّ مروجُ الذّهب 2/314)، وقد نقلَ لنا التاريخُ قصّةَ تعيينِ عمّارَ بنَ ياسرٍ والياً على الكوفةِ في عهدِ عُمر وعزلِه منها، فقد كانَ وجهاءُ الكوفةِ كعطارد وسعدٍ بنِ مسعود مَن كانَ يريدُ لعمّار أن يكونَ مجرّدَ آلةٍ بأيديهم فلم يُفسِح عمّارٌ لهم المجالَ فتحايلوا على التخلّصِ منه فأرسلوا الوفودِ إلى عُمرَ بنِ الخطاب طالبينَ تنحيتَه منَ الولايةِ فاستجابَ عُمر لدعواتِهم فعزله وعيّنَ محلَّه أبا موسى الأشعري وعندَما التقيا قالَ عُمر لعمّار: أساءكَ العزلُ؟ فأجابَه: ما سرّني حينَ استُعمِلت، ولا ساءني حينَ عُزلت (الكاملُ لابنِ الأثير 2/ 32). أمّا مالكٌ الأشتر فكانَ مُستشاراً في الكوفةِ حيثُ أرسله الخليفةُ عُمر ليكونَ أحدَ الأفرادِ الذينَ يستعينُ بهم والي الكوفة فكانَ بالإضافةِ إلى مالكٍ أبي خشّةَ الغفاري وجندبَ بنَ عبدِ الله وجثامةَ بنَ صعبٍ بنِ جثامة، فصاروا عليهِ كما جاءَ في الكاملِ لابنِ الأثير. (الكاملُ في التاريخ 3/8).  

إلّا أنَّ هذا الدورَ تقلّصَ بشكلٍ واضحٍ في عهدِ الخليفةِ الثالثِ عُثمانَ بنِ عفان، وذلكَ لاعتمادِه على بني أميّة في تولّي المناصبِ الهامّة في الدولة، وما وقعَ منهم مِن مظالمَ ومفاسدَ حرّكَ موجةً منَ المُعارضةِ على عثمان وكانَ على رأسِهم شيعةُ الإمامِ عليّ (عليهِ السّلام)، فحتّى العناصرُ التي كانَت تتعاونُ معَ أجهزةِ الدولةِ في مُستهلِّ خلافةِ عُثمانَ بنِ عفان، أخذَت تراجعُ نفسَها وتتّخذُ مواقفَ تتّسمُ بالنقدِ

والمُعارضة.  

وفي المُحصّلةِ هناكَ نماذجُ مُتعدّدةٌ في التاريخِ لتولّي أنصارِ الإمامِ عليٍّ (عليه السّلام) مناصبَ في دولةِ الخلفاء، وكانَ الدّافعُ لذلكَ حاجةَ الدولةِ لكوادرَ مؤهّلةٍ كما هوَ حالُ أصحابِ الإمامِ عليٍّ (عليه السّلام)، ومِن جهةٍ أخرى كانَ حرصُ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلام) على مُستقبلِ الدّعوةِ الإسلاميّةِ يمنعُه منَ الابتعادِ عن السّاحة.