هل تيمورلنك شيعيٌّ أم لا؟
السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته،
المُستفادُ مِن بعضِ الرواياتِ التاريخيّة أنَّ تيمورلنك كانَ مُحبّاً لأميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) ولأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ـ الذينَ تجبُ مودّتُهم ومحبّتُهم بنصِّ القرآنِ الكريم ـ، وكانَ مُبغِضاً لمعاويةَ بنِ أبي سفيان وابنِه يزيد لحربِهما ونصبِهما العداءَ لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، ونحوِ ذلكَ من الاعتقاداتِ التي قد تُسمّى تشيّعاً بالمعنى الأعم.
ولكن لا يخفى أنَّ هذا المقدارَ من الاعتقاداتِ لا يدلُّ على كونِه إماميّاً اثني عشريّاً، بمعنى: الاعتقادِ بالإمامةِ الإلهيّةِ للأئمّةِ الاثني عشر (عليهم السلام) وخلافتِهم للنبي (صلى اللهُ عليه وآله)، والاعتقادِ بوجوبِ طاعتِهم ومتابعتِهم، والاعتقادِ بعصمتِهم، والتبرّي مِن ظالميهم وأعدائِهم، ونحوِ ذلكَ من الاعتقاداتِ التي تميّزُ الإماميّ عَن غيره.
ولم نعثر على ما يدلّ على كونِ تيمورلنك يعتقدُ بهذه العقائد، وقولهُ بمحبّةِ أهلِ البيت (عليهم السلام) والتبرّي مِن معاويةَ ويزيدَ ليسَ كافياً للقولِ بتشيّعهِ بالمعنى الأخصّ كما هوَ واضح.
وقد جاءَ في كتابِ [كيفَ ردَّ الشيعةُ غزوَ المغول ص280]: أنّ تيمورلنك وغيرَه منَ المغول ـ عدا جماعةٍ منهم كالسّلطانِ قازان ومحمّد خدابنده والشيخِ أويس وأولادِه ـ كان تشيّعُهم سياسيّاً نظريّاً، ولم يكُن عقائديّاً بأيّ درجةٍ مقبولة، وممّا يشهدُ على ضعفِ تشيّعِهم: أنّ تيمور غزا دولةَ السبداريّينَ الشيعةِ وغدرَ بمُلكِهم، كما غزا دولةَ المغولِ الإيلخانيّينَ الشيعةِ في بغداد.
وجاءَ فيهِ أيضاً: أنّ المغولَ ككلّ يحترمونَ الدينَ أيُّ دينٍ كما يُفهمُ مِن صحيفةِ شريعتِهم (الياسة)، لكنّهم لا ينظرونَ إلى الدينِ كما ينظرُ المؤمنونَ الصّادقونَ منَ الشعوبِ الأخرى، فالمغوليُّ الصّادقُ في تديّنِه خارجٌ عن القاعدةِ السائدةِ عندَهم وعن القيمِ العميقةِ التي ينشؤونَ عليها في عوائلِهم ومجتمعِهم، وهيَ المادّيّةُ والعنفُ والغرورُ القومي، ولهذا لم يتحسَّن سلوكُهم وتصرّفُهم بدخولِهم في الإسلامِ إلّا قليلاً.
وقد ذكرَ السيّدُ الأمينُ في [أعيانِ الشيعةِ ج3 ص649]: أنّه بالغَ جلُّ مَن ذكرَ تيمور منَ المؤرّخين َخصوصاً ابنُ عربشاه والقرمانيُّ في سبِّه وشتمِه ولعنِه، ووصفِه بأقبحِ الصّفاتِ، ونعتِه بأبشعِ النعّوت... ولا شكَّ أنَّ للنّحلةِ والمذهِب في ذلكَ دخلاً، فقد وقعَ في تاريخِ الإسلامِ ما هوَ مثلُ أفعالِ تيمور وأفظعُ وأشنع، ولم نرَ هؤلاءِ المؤرّخينَ تناولوا فاعليها ببعضِ ما تناولوا به هذا الرّجلَ، وأيُّ مُلكٍ تغلّبَ على بلادٍ لم يكُن تغلّبُه عليها بالقهرِ والقتلِ وسفكِ الدّماء وهتكِ الأعراضِ ونهبِ الأموالِ إلّا ما شذ.
واستشهدَ السيّدُ الأمينُ بما صنعَه السلاجقةُ لمّا تغلّبوا على بلادِ الموصل، وما حصلَ يومَ الجملِ في البصرةِ مِن قتلِ عشرةِ آلافٍ أو خمسةَ عشرَ ألفاً منَ المُسلمين، وقتلِ سبعينَ رجلاً صبراً مِن عبدِ القيسِ في وقتِ الهُدنة، ونتفِ لحيةِ عثمانَ بنِ حنيفٍ الأنصاري وحاجبيه وأشفارِ عينيه بعدَ الأمان، وقتلِ بسرٍ بنِ أرطأة الصّحابي ألوفاً منَ المُسلمينَ على غيرِ ذنبٍ وذبحِ ابني عُبيدِ الله بنِ العبّاسِ وهُما طفلانِ صغيرانِ تحتَ ذيلِ أمّهما فذهبَ عقلها، وإرسالِ معاوية بعضَ أصحابِ حجرٍ بنِ عدي إلى زيادٍ بنِ سُميّة وأمرِه بدفنِه حيّاً، وقتلِ المسلمينَ لسيّدِ الشهداءِ (عليه السّلام) وأهلِ بيتِه وأصحابِه في كربلاء، والتمثيلِ بهم والسّير برؤوسِهم وسبيّ نسائِهم مِن بلدٍ إلى بلد، ومحاصرةِ المدينةِ يومَ الحرّةِ وقتلِ أهلِها قتلاً عامّاً وإباحتِها للجيشِ ثلاثةَ أيّام، وتسليطِ عبدِ الملكِ بنِ مروان الحجّاجَ على المُسلمين يقتلُ وينهبُ ويسلبُ ويعاقبُ بأفظعِ العقوباتِ حتّى غزا مكّةَ وضربَ البيتَ الحرامَ بالمنجنيق، وغير ذلك.
ثمّ قال: وإنَّ الأفعالَ المارَّ ذكرُها فرّقَت كلمةَ المُسلمين وأوقعَت بينَهم العداوةَ والضغائنَ إلى اليوم، فكانَت مِن هذهِ الجهةِ أشدَّ مِن محنةِ تيمور ، هل قالَ أحدٌ أنّها مِن أشدِّ المِحنِ والبلايا على هذهِ الأمّة؟! بل نرى اليومَ مَن يشيدُ بذكرِ مَن قتلَ الحُسينَ ومَن سلّط الحجّاجَ وأشباهَه على هذهِ الأمّةِ على المنابرِ ويذكرُ ميّزاتِه ومناقبَه ويلومُ مَن لا يتابعُه على ذلك!
نحنُ لا نقولُ أنَّ تيمور لم يكُن ظالماً فهو طاغيةٌ ظالمٌ كغيرِه منَ الظلمةِ المُتغلّبين، ولكنّنا نسألُ هؤلاءِ المؤرّخينَ لماذا إذا مرّوا بذكرِ غيرِه منَ الظلمةِ ممَّن هوَ مثله أو أكثرُ منهُ ظلماً أو أقل، وكانَت مفاسدُ ظُلمِه أضرُّ على هذه الأمّة لم يتناولوه بسبٍّ ولا شتمٍ وربّما التمسوا له العذرَ أو قالوا إنّهُ مأجورٌ وإذا مرّوا بذكرِ تيمور تناولوه بالشتمِ واللعنِ كلّما ذُكر؟! ولا شكَّ أنَّ للعصبيّةِ المذهبيّةِ دخلاً في ذلكَ، انتهى.
وزبدةُ القول: إنّ تيمورلنك كانَ طاغيةً ظالماً كغيره
منَ الظلمةِ المُتغلّبين، وانحازَ مؤرّخو العامّةِ فوصفوهُ بأبشعِ الصفاتِ وسبّوهُ ولعنوهُ لأنّه أظهرَ محبّةَ آلِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ـ التي هيَ فرضٌ إلهيٌّ بنصِّ الذكرِ الحكيم ـ، بينَما نجدُهم يتسترونَ أو يتغافلونَ أو يلتمسونَ الأعذارَ للجرائمِ التي صدرَت عن القادةِ السنيّينَ معَ أنّ جملةً منها أفظعُ وأشنعُ ممّا صدرَ عن تيمور، وأمّا تشيّعهُ بمعنى كونِه إماميّاً فلم يثبُت بطريقٍ واضحٍ.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق