الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الشِّيعَةِ الإثْنَيْ عَشَرِيَّةِ هِيَ الفِرْقَةَ الصَّادِقَةَ فِي نَهْجِهَا عَنْ بَقِيَّةِ الفِرَقِ!

كَرْبَلَاءُ هَوِيَّتِي/: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. مَا هِيَ الأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِ نَهْجِ الشِّيعَةِ الإِثْنَيْ عَشَرَيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الطَّوَائِفِ الإِسْلَامِيَّةِ وَبَاقِي فِرَقِ الشِّيعَةِ؟

: اللجنة العلمية

     السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

     الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الشِّيعَةِ الإثْنَيْ عَشَرَيَّةِ هِيَ الفِرْقَةُ الصَّادِقَةُ فِي نَهْجِهَا عَنْ بَقِيَّةِ الفِرَقِ وَالطَّوَائِفِ الإِسْلَامِيَّةِ وَمِنْهَا فِرَقُ الشِّيعَةِ الأُخْرَى كَالإِسْمَاعِيليَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ، هُوَ مَا تَظَافَرَ بَلْ تَوَاتَرَ نَقْلُهُ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الَّتِي لَا تَنْطَبِقُ سِوَى عَلَى الشِّيعَةِ الإمَامِيَّةِ الإِثْنَيْ عَشَرِيَّةِ، وَإِلَيْكَ البَيَانُ:

     تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لُزُومُ التَّمَسُّكِ بِأَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) فِي الحَدِيثِ المَعْرُوفِ بِحَدِيثِ الثَّقَلَيْنِ، وَالَّذِي جَاءَ فِي أَحَدِ نُصُوصِهِ الصَّحِيحَةِ: (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونَني فِيهِمَا)(1).

 وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَوَاتُرِ الحَدِيثِ المَذْكُورِ - حَدِيثِ الثَّقَلَيْنِ - ابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ فِي "الصَّوَاعِقِ المُحْرِقَةِ" حَيْثُ قَالَ: "ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِحَدِيثِ التَّمَسُّكِ بِذَلِكَ طُرُقًا كَثِيرَةً وَرَدَتْ عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا وَمَرَّ لَهُ طُرُقٌ مَبْسُوطَةٌ فِي حَادِي عَشَرَ الشُّبْهَةِ، وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الطُّرُقِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ بِعَرَفَةَ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ قَالَهُ بِالمَدِينَةِ فِي مَرَضِهِ وَقَدْ امْتَلَأَتْ الحُجْرَةُ بِأَصْحَابِهِ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِغَدِيرِ خُمٍّ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا قَامَ خَطِيبًا بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الطَّائِفِ كَمَا مَرَّ، وَلَا تَنَافِي إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ كَرَّرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي تِلْكَ المَوَاطِنِ وَغَيْرِهَا إهْتِمَامًا بِشَأْنِ الكِتَابِ العَزِيزِ وَالعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ" (2) انْتَهَى.

 وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ بَعْضِ هَذِهِ الطُّرُقِ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ، الجُزْءِ الرَّابِعِ، حَيْثُ يُورِدُهُ عَنْ العَدِيدِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ صِحَابِيٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَنَّ الحَدِيثَ يَكُونُ مُتَوَاتِرًا إِذَا رَوَاهُ عَشَرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَطْ، كَمَا يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ (3)، فَمَا بَالُكَ بِحَدِيثٍ يَكُونُ رُوَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا؟!

 وَإِذَا سَأَلْنَا هُنَا وَقُلْنَا: هَلْ ثَمَّةَ طَائِفَةٌ أَوْ جَمَاعَةٌ مُحَدَّدَةٌ تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا مُوَاصَفَاتُ الوَلَاءِ وَالإِقْتِدَاءِ بِأَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) بِمُقْتَضَى حَدِيثِ الثَّقَلَيْنِ المُتَقَدِّمِ؟!

 يَأْتِي الجَوَابُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمُؤَرِّخِيهِمْ وَكُتَّابِ الفِرَقِ وَالمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَنْفُسِهِمْ، مِنْهُمْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ القَيِّمِ وَالشَّهْرِسْتَانيُّ حَيْثُ قَالُوا بِأَنَّ الشِّيعَةَ هُمُ الَّذِينَ يُوَالُونَ أَهْلَ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وَيَأْخُذُونَ دِينَهُمْ عَنْهُمْ (4) وَحَتَّى صَارَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الآلِ شِعَارًا لِلشِّيعَةِ دُونَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ الشَّيْخُ صَالِحٌ آلُ الشَّيْخِ فِي كِتَابِهِ (اللَّآلِئُ البَهِيَّةُ) (5).

 وَلِنَذْكُرَ هُنَا جَانِبًا مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ:

 1- قَالَ الشَّهْرِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ (المَلَلُ وَالنِّحَلُ): الشِّيعَةُ هُمْ الَّذِينَ شَايَعُوا عَلِيًّا (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) عَلَى الخُصُوصِ، وَقَالُوا بإمَامَتِهِ وَخِلَافَتِهِ نَصًّا وَوَصِيَّةً، إِمَّا جَلِيًّا وَإِمَّا خَفِيًّا، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الإِمَامَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَوْلَادِهِ (6).

 2- وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي لِسَانِ العَرَبِ، والفَيرُوز أَبَادِي فِي القَامُوسِ المُحِيطِ، وَالزُّبَيْدِيُّ فِي تَاجِ العَرُوسِ: وَقَدْ غَلَبَ هَذَا الإِسْمُ (أَيْ الشِّيعَةُ) عَلَى مَنْ يَتَوَالَى عَلِيًّا وَأَهْلَ بَيْتِهِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، حَتَّى صَارَ لَهُمْ اسْمًا خَاصًّا، فَإِذَا قِيلَ: (فُلَانٌ مِنْ الشِّيعَةِ) عُرِفَ أَنَّهُ مِنْهُمْ (7).

 3- وَقَالَ الزُّهْرِيُ: وَالشِّيعَةُ قَوْمٌ يَهْوَوْنَ هَوَى عِتْرَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَيُوَالُونَهُمْ (8).

 4- وَقَالَ ابْنُ خَلْدُون: اعْلَمْ أَنَّ الشِّيعَةَ لُغَةً: الصَّحْبُ وَالأَتْبَاعُ، وَيُطْلَقُ فِي عُرْفِ الفُقَهَاءِ وَالمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الخَلَفِ وَالسَّلَفِ عَلَى أَتْبَاعِ عَلِيٍّ وَبَنِيهِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) (9).

 5- وَجَاءَ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ بَعْضِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِيهَا، قَالَ: "وَمِمَّنْ وَافَقَهُ كَابْنِ حَزْمٍ مِنْ السُّنَّةِ، وَكَالمُفِيدِ وَالطُّوسِيِّ وَالمُوسَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ، وَهُمْ يَنْقُلُونَ ذَلِكَ عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ البَيْتِ، إِلَى أَنْ يَقُولَ عَنْ الشِّيعَةِ: لَكِنَّ جُمْهُورَ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ الشَّرِيعَةِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ جُمْهُورِ المُسْلِمِينَ، فِيهِ مَا هُوَ مِنْ مَوَاقِعِ الإِجْمَاعِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَلَيْسَ الغَالِبُ فِيمَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الشَّرْعِ الكَذِبَ، بَلْ الغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ" (10). انْتَهَى.

 6- وَجَاءَ عَنْ ابْنِ القَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الصَّوَاعِقِ المُرْسَلَةِ: "الوَجْهُ التَّاسِعُ: إِنَّ فُقَهَاءَ الإمَامِيَّةِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ يَنْقُلُونَ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ المَحْلُوفُ بِهِ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عِنْدَهُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، وَهَبْ أَنَّ مُكَابِرًا كَذَّبَهُمْ كُلَّهُمْ وَقَالَ قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى الكَذِبِ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ، فَفِي القَوْمِ فُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ عِلْمٍ وَنَظَرٍ فِي اجْتِهَادٍ وَإِنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ مُبْتَدِعِينَ فِي أَمْرِ الصَّحَابَةِ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الحُكْمُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِالكَذِبِ وَالجَهْلِ، وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ الصَّحِيحِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشِّيعَةِ وَحَمَلُوا حَدِيثَهُمْ وَاحْتَجَّ بِهِ المُسْلِمُونَ) (11) انْتَهَى.

 7- وَعَنْ عَامِر عَبْدِ اللهِ فَالِحٍ، مِنْ كُتَّابِ السَّلَفِيَّةِ المُعَاصِرِينَ، فِي كِتَابِهِ (مُعْجَمُ أَلْفَاظِ العَقِيدَةِ) الَّذِي قَالَ فِي مُقَدِّمَتِهِ: (اخْتَرْتُ أَوْثَقَ الأَقْوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ المَسَائِلِ لِعُلَمَاءَ مُتَقَدِّمِينَ وَمُتَأَخِّرِينَ وَمُعَاصِرِينَ). قَالَ مُعَرِّفًا بِالشِّيعَةِ:  "الشِّيعَةُ: هُمْ الَّذِينَ شَايَعُوا عَلِيًّا عَلَى الخُصُوصِ، وَقَالُوا بإمَامَتِهِ وَخِلَافَتِهِ نَصًّا وَوِصَايَةً إِمَّا جَلِيًّا وَإِمَّا خَفِيًّا، وَقَالُوا: إِنَّ الإمَامَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ خَرَجَتْ فَبِظُلْمٍ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بِتَقِيَّةٍ مِنْ عِنْدِهِ" (12) انْتَهَى.

  النَّتِيجَةُ: إنَّ الشِّيعَةَ وَبِاعْتِرَافِ مُؤَرِّخِي الفِرَقِ وَالمَذَاهِبِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا، هِيَ الفِرْقَةُ الوَحِيدَةُ الَّتِي تُوَالِي أَهْلَ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) وَتَأْخُذُ دِينَهَا عَنْهُمْ، فِقْهًا وَعَقَائِدًا.

 وَهُنَا قَدْ تَسْأَلُ بِأَنَّ الشِّيعَةَ فِرَقٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا الإمَامِيَّةُ، وَمِنْهَا الزَّيْدِيَّةُ، وَمِنْهَا الإِسْمَاعِيلِيَّةُ.. فَكَيْفَ نَعْرِفُ بِأَنَّ حَدِيثَ الثَّقَلَيْنِ يَنْطَبِقُ عَلَى الشِّيعَةِ الإثْنَيْ عَشَرِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ فِرَقِ الشِّيعَةِ؟!

  الجَوَابُ:

  إِذَا رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ الثَّقلَيْنِ المُتَقَدِّمِ نَفْسِهِ وَجَدْنَاهُ يَقُولُ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ فِي إِحْدَى طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ: (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ) (13)، فَمَاذَا يُسْتَفَادُ مِنْ الحَدِيثِ المَذْكُورِ؟

  يُسْتَفَادُ مِنْهُ دِلَالَاتٌ أَرْبَعٌ:

  الأُوْلَى: إنَّ العِتْرَةَ هُمُ الخُلَفَاءُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ).

  الثَّانِيَةُ: إنَّ العِتْرَةَ تَكُونُ هَادِيَةً مَهْدِيَّةً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الإِفْتِرَاقِ عَنْ القُرْآنِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ عِنْدَ شَرْحِهِمْ لِلحَدِيثِ المَذْكُورِ (14).

  الثَّالِثَةُ: إسْتِمْرَارُ خِلَافَةِ العِتْرَةِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ شَرْحِهِمْ لِهَذَا الحَدِيثِ (15).

  الرَّابِعَةُ: كَوْنُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ; لِأَنَّ العِتْرَةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنُو هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ.

  أَقُولُ: فَإِذَا لَاحَظْنَا هَذَا الحَدِيثَ المُبَارَكَ بِمَا فِيهِ مِنْ دِلَالَاتٍ أَرْبَعٍ، وَلَاحَظْنَا حَدِيثًا آخَرَ مُتَضَافِرًا رَوَتْهُ صِحَاحُ المُسْلِمِينَ وَمَسَانِيدُهُمْ، وَهُوَ حَدِيثُ (الخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ) نَنْتَهِي إِلَى نَتِيجَةٍ وَاضِحَةٍ وُضُوحَ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ.

  فَحَدِيثُ (الخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ) يُشِيرُ إِلَى اسْتِمْرَارِ خِلَافَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، حَيْثُ جَاءَ فِيهِ: (لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) (16).

  يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ: "قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَؤُلَاءِ المُبَشَّرُ بِهِمْ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمْرَةَ، وَقُرِّرَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُفَرَّقِينَ فِي الأُمَّةِ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُوجَدُوا"(17) انْتَهَى.

  وَعَنْ السُّيُوطِيِّ فِي تَارِيخِهِ: "وُجُودُ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الإِسْلَامِ إِلَى القِيَامَةِ يَعْمَلُونَ بِالْحَقِّ وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَوْا" (18)، وَعَنْ ابْنِ حَجَرٍ فِي فَتْحِ البَارِي: "وَلَابُدَّ مِنْ تَمَامِ العِدَّةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ" (19) انْتَهَى.

 وَأَيْضًا يُشِيرُ هَذَا الحَدِيثُ إِلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الخُلَفَاءَ هُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ: (لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ صَالِحًا) (20).. يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: "وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ البِشَارَةُ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً صَالِحًا يُقِيمُ الحَقَّ وَيَعْدِلُ فِيهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَوَالِيهِمْ وَتَتَابُعُ أَيَّامِهِمْ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ وِلَايَتُهُمْ لَا مَحَالَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُمْ المَهْدِيَّ المُبَشَّرَ بِهِ فِي الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ بِذِكْرِهِ" (21) انْتَهَى.

 فَحَدِيثُ (الخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ) فِيهِ دِلَالَاتٌ أَرْبَعٌ:

 الصَّلَاحُ، النَّصُّ عَلَى خِلَافَتِهِمْ، اسْتِمْرَارُ هَذِهِ الخِلَافَةِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهِيَ نَفْسُهَا دِلَالَاتُ حَدِيثِ الثَّقَليْنِ المُتَقَدِّمَةِ مِنْ دُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقِيصَةٍ.. وَبِمُقْتَضَى الجَمْعِ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ (الثَّقَلَيْنِ وَالخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ) نَنْتَهِي إِلَى نَتِيجَةٍ وَاضِحَةٍ جِدًّا وُضُوحَ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ، حَاصِلُهَا: أَنَّ الخُلَفَاءَ الإِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ تَسْتَمِرُّ خِلَافَتُهُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ هُمْ مِنْ عِتْرَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَا غَيْرَ.

 وَلَمْ يُصَرِّحْ جَمَاعَةٌ أَوْ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا بِمُوَالَاةِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً أَوْ إِمَامًا مِنْ العِتْرَةِ سِوَى الشِّيعَةِ الإمَامِيَّةِ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ أَنَّ الشِّيعَةَ الإمَامِيَّةَ هِيَ الفِرْقَةُ الوَحِيدَةُ الَّتِي تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَحَادِيثُ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) المُتَوَاتِرَةُ وَالصَّحِيحَةُ دُونَ الفِرَقِ الأُخْرَى مِنْ فِرَقِ المُسْلِمِينَ.

 وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.

____________________________________

 (1) مُخْتَصَرُ صَحِيحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ للسُّيُوطيِّ وَالأَلْبَانِيِّ، رَقْمُ الحَدِيثِ 1726 2458. وَصَحِيحُ سُنَنِ التِّرْمِذِي 3: 543 بِرَقْم: 3788.. وَالحَدِيثُ المَذْكُورُ صَحَّحَهُ عَلَى اخْتِلَافِ طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ الكَثِيرُ مِنْ جَهَابِذَةِ الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمْثَالُ ابْنِ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيُّ والهَيْتَمِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ والطَّحاوِيِّ وَالحَاكِمِ والبُوصيرِيِّ وَشُعَيْبٍ الأَرْنؤُوط. انْظُرْ عَلَى التَّرْتِيبِ: المَطَالِبَ العَالِيَةَ 4: 65 بِرَقْم 3972،  الصَّوَاعِقَ المُحْرِقَةَ 2: 439، تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 12:272، شَرْحَ مُشكل الآثَارِ 5: 18، المُسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ 3:148، إِتْحَافَ الخيرَةِ المُهْرَةِ 9: 279، مُسْنَدَ أَحْمَدَ - تَصْحِيح الأَرْنؤُوطِ - حَدِيثُ رَقْم 11104.

 (2) الصَّواعِق المُحْرقَة 2: 439 .

 (3) انْظُر: شرْحَ المًهذَّب للنَّوَوي 19: 232. 

 (4) انْظُر: تأرِيخَ ابْنِ خَلْدُون 1: 196، النِّهايَةُ في غَرِيبِ الحَدِيثِ لابْنِ الأثيرِ 2: 519، المِلَلَ والنِّحلَ للشَّهرِسْتَاني 1: 146، التَّعرِيفَاتِ للجُرْجَاني 1: 171، مَسْألَة تَعلِيقِ الطَّلَاقِ لابْنِ تَيمِيَّةَ، ص 697، الصَّواعِقَ المُرسَلةَ لابْنِ القَيِّمِ، ص 616، الفتَاوَى المُهمَّةَ للألْبَاني، ص 154، مُذكَّرة على العَقِيدَةِ الوَاسِطيَّةِ لابْنِ عُثَيْمِينَ، ص 57. 

 (5) اللآلئ البَهِيَّة: 410. 

 (6) الملَل والنِّحَل 1: 146. 

 (7) لسَان العَرَبِ 8: 189. القَامُوس المُحِيط 3: 49. تَاج العَرُوسِ 21: 303. 

 (8) لِسَان العَرَبِ 8: 189. تَاج العَرُوسِ 21: 303. 

 (9) مُقدِّمَة ابْنِ خَلدُون: 196.

 (10) مَسألَة تَعلِيقِ الطَّلَاقِ: 697، 698.  

 (11) الصَّوَاعِق المُرسَلَة 1: 616، 617. 

 (12) مُعْجَم ألفَاظِ العَقِيدَةِ: 247. 

 (13) صَحِيح الجَامِعِ الصَّغِيرِ للألْبَاني 1: 482. 

 (14) انْظُر: فَيضَ القَدِيرِ في شَرحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ ـ للمَنَّاوِي ـ 3: 20، شَرحَ المقَاصِدِ للتَّفتَازَاني3: 529. 

 (15) انْظُر: فَيضَ القَدِيرِ 3: 19، الصَّواعِقَ المُحْرقَةَ 2: 442. 

 (16) رَواهُ مُسلِمٌ في صَحِيحِه 6: 4 كِتَابُ الإمَارَةِ عن جَابرِ بْنِ سَمْرةَ. 

 (17) تَارِيخ ابْنِ كَثِيرِ 6: 249 ـ 250. 

 (18) تَارِيخ الخُلَفاءِ ـ للسُّيُوطِي ـ: 12. 

 (19) فَتْح البَارِي 13: 211.

 (20) انْظُر: مُسْندَ أحْمَدَ 5: 97، 107. 

 (21) تَفْسِير ابْنِ كَثِيرٍ 33 ـ 34.