هل الشيطانُ يعرفُ خواطرَ الإنسانِ ونواياه؟
السّلامُ عليكم ورحمة اللهِ وبركاتُه،
لا إشكالَ في أنّ الشيطانَ قريبٌ جدّاً منَ الإنسانِ، وهوَ يجري منهُ مجرى الدّم، كما ثبتَ بطريقٍ مُعتبرٍ في [الكافي ج2 ص440]، فهوَ ملازمٌ للإنسانِ ويوسوسُ له ويُلقي في روعِه الخواطرَ ويدفعُه نحوَ ارتكابِ المعاصي والآثام، كما هوَ واضح.
بل الشيطانُ يُثبّطُ الإنسانَ إذا أرادَ امتثالَ طاعةٍ، كما يشجّعُه إذا أرادَ ارتكابَ معصيةٍ، فقد روى الكلينيّ في [الكافي ج2 ص267] عن أبي عبدِ اللهِ (عليهِ السلام): « إنّ للقلبِ أذنين، فإذا همَّ العبدُ بذنبٍ قالَ له روحُ الإيمان: لا تفعَل، وقاَل لهُ الشيطان: افعل »، وفي بعضِ الأدعيةِ عندَ ذكرِ الشيطان: « إِن هَمَمتُ بِفَاحِشَةٍ شَجَّعَنِي، وَإِن هَمَمتُ بِصَالِحٍ ثَبَّطَنِي » [مصباحُ المُتهجّد ص560]، والهمّ بالشيءِ هو حديثُ النفسِ بفعلِه، فهوَ على نحوِ الخواطرِ والنوايا، فقد يُستفادُ مِن ذلكَ اطّلاعُ الشيطانِ على خواطرِ ونوايا الإنسان؛ لأنَّ تشجيعَهُ على المعاصي وتثبيطهُ عن الطاعاتِ فرعُ اطّلاعِه على إرادةِ الإنسانِ ونيّتِه لارتكابِ المعصيةِ أو الطاعة.
قالَ المُحقّقُ النراقيّ في [جامعِ السّعادات ص113]: « لا ريبَ في أنّ أكثرَ القلوبِ قد فتحَها جنودُ الشياطينِ وملكوها، ويتصرّفونَ فيها بضروبِ الوساوسِ الدّاعية إلى إيثارِ العاجلةِ وإطراحِ الآجلة، والسرُّ فيه: أنّ سلطةَ الشيطانِ ساريةٌ في لحمِ الإنسانِ ودمهِ ومحيطةٌ بمجامعِ قلبِه وبدنِه، كما أنَّ الشهواتِ مُمتزجةٌ بجميعِ ذلك، ومِن هُنا قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « إنَّ الشيطانَ ليجري مِن بني آدمَ مجرى الدّم »، وقالَ اللهُ سُبحانَه حكايةً عن لسانِ اللعين: {لأقعدنَّ لهم صراطَك المُستقيم * ثمَّ لآتينّهم مِن بينِ أيديهم ومِن خلفِهم وعَن أيمانِهم وعَن شمائلِهم} »، وقالَ أيضاً: « فالأبوابُ المفتوحةُ للشيطانِ إلى القلبِ كثيرةٌ ».
وقالَ السيّدُ الطباطبائيّ في [تفسيرِ الميزان ج8 ص44]: « وإنَّ لإبليسَ أعواناً منَ الجنِّ والإنسِ وذرّيّةً مُختلفي الأنواعِ يجرونَ بأمرِه إيّاهم أن يتصرّفوا في جميعِ ما يرتبطُ به الإنسانُ منَ الدّنيا وما فيها بإظهارِ الباطلِ في صورةِ الحق، وتزيينِ القبيحِ في صورةِ الحسنِ الجميل. وهُم يتصرّفونَ في قلبِ الإنسانِ وفي بدنِه وفي سائرِ شؤونِ الحياةِ الدّنيا مِن أموالٍ وبنين وغيرِ ذلكَ بتصرّفاتٍ مُختلفةٍ اجتماعاً وانفراداً، وسرعةً وبطءاً، وبلا واسطةٍ ومعَ الواسطة، والواسطةُ ربّما كانَت خيراً أو شرّاً، وطاعةً أو معصية. ولا يشعرُ الإنسانُ في شيءٍ من ذلكَ بهم ولا أعمالِهم بل لا يشعرُ إلّا بنفسِه، ولا يقعُ بصرُه إلّا بعملِه، فلا أفعالهم مزاحمةٌ لأعمالِ الإنسانِ ولا ذواتُهم وأعيانُهم في عرضِ وجودِ الإنسان، غيرَ أنَّ اللهَ سبحانَه أخبرَنا أنَّ إبليس منَ الجنِّ وأنّهم مخلوقونَ منَ النّار، وكانَ أوّلُ وجودِه وآخرُه مُختلفان ».
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق