هل رفعَ اللهَ تعالى النبي عيسى (عليه السّلام) إلى السّماء؟
671ـ ما تفسيرُ قوله تعالى: {إِذ قالَ اللَّه يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إِلَيَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَومِ القِيامَةِ}؟ وهل معنى الآيةِ الكريمةِ أنّ اللهَ تعالى رفعَ عيسى (عليه السّلام) إلى السّماء؟ وهل هيَ صورةٌ أخرى مِن صورِ غيبةِ المعصوم، فتنطبقُ على غيبةِ إمامِنا المهدي (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه)؟
السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه،
معنى الآيةِ الكريمةِ هوَ أخذُ النبيّ عيسى (عليه السّلام) مِن عالمِ الأرضِ ومِن بينِ الناسِ، وحِفظه عن مكرِ اليهود، مِن دونِ أن ينالوا منهُ شيئاً حتّى زمانِ عودتِه إلى الأرض، ورفعِه عالياً ـ وهوَ أعمُّ منَ العلوّ المعنويّ كشرفِ المنزلةِ والفضيلة، والعلوِّ المحسوسِ الظاهريّ إلى السماءِ كما في الأجسامِ الخارجيّة ِإذا أُعليَت عَن مقرِّها ـ، وتطهيرُه مِن رجسِ الكافرينَ وكفرِهم، وابتعادِه عن مُخالطتِهم ومكائدِهم وعن مجتمعٍ استولت عليهِ كلُّ رذيلةٍ وكُفرٍ وجحود، ووعدُه وتبشيرُه وتبشيرُ أتباعِه الذينَ آمنوا به واهتدوا بهديهِ بالخيرِ والتفوّقِ على الذينَ كفروا. [ينظر: مواهبُ الرّحمن ج5 ص387ـ392].
ومنَ الواضحِ أنّ صعودَ النبيّ عيسى (عليه السّلام) إلى السماءِ حيّاً هوَ الغيبةُ بعينِها، فإنّ رفعَه يعني أنّ عيسى (عليهِ السّلام) حيٌّ محجوبٌ عن الناسِ كما هو الحالُ في غيبةِ إمامِنا الحُجّةِ المُنتظر (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف).. غايةُ الأمر، أنّ غيبةَ النبيّ عيسى (عليه السّلام) بأخذِه للسّماءِ وانقطاعِه عن الناس، بينما غيبةُ وليّنا المُنتظر (سلامُ اللهِ عليه) هيَ غيبةُ العنوانِ لا غيبةُ الشخص، فهوَ موجودٌ بينَ الناسِ لكنّهم لا يعرفونَ أنّه الإمامُ (عليهِ السلّام)، وفي دعاءِ الندبة: « بِنَفسِي أَنتَ مِن مُغَيَّبٍ لَم يَخلُ مِنّا, بِنَفسِي أَنتَ مِن نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا ».
ثمّ هناكَ جهةٌ أخرى في حياةِ النبيّ عيسى (عليهِ السّلام) مرتبطةٌ بالغيبة، وهي سياحتُه في الأرض، وقد نبّهَ عليها الشيخُ الصّدوقُ في [كمالِ الدينِ ص160] بقوله: (وكانَت للمسيحِ (عليه السّلام) غيباتٌ يسيحُ فيها في الأرضِ، فلا يعرفُ قومُه وشيعتُه خبرَه، ثمّ ظهرَ فأوصى إلى شمعونَ بنِ حمون (عليهِ السّلام)، فلمّا مضى شمعونُ غابَت الحُججُ بعدَه واشتدَّت الطلب، وعظمَت البلوى، ودرسَ الدينُ، وضُيّعَت الحقوق، وأميتَت الفروضُ والسُّنن، وذهبَ الناسُ يميناً وشمالاً لا يعرفونَ أيّاً مِن أي، فكانَت الغيبةُ مائتينِ و خمسينَ سنة)، انتهى.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق