قصّةُ أهلِ الكهفِ ونسبتها الى أسطورةِ النيام السّبعة في عصرِ أرسطو ، فما تعريف الأسطورة؟ ولماذا لم ينفِ القرآنُ بآيةٍ صريحةٍ خلوّهُ منَ الأساطير؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قبلَ الوقوفِ على قصّةِ أهلِ الكهفِ وتحديدِ إن كانَت مِن أساطيرِ الأوّلينَ أم لا؟ يجبُ التعرّفُ على مفهومِ الأسطورة، فكثيراً ما يقعُ النزاعُ بسببِ التباينِ في المفاهيم، فمَن يفهمُ الأسطورةَ على أنّها كلُّ أمرٍ خارقٍ للعادة، أو كلُّ قصّةٍ وحكايةٍ مخالفةٍ لِما هوَ معهودٌ في الحياةِ الطبيعيّةِ للناس، سيجدُ نفسَه مُضطرّاً لاتّهامِ القصصِ القرآنيّةِ بالأسطورة؛ وذلكَ لأنَّ العقليّةَ العلمانيّةَ التي لا تعترفُ بما هو خارجٌ عن حدودِ المادّةِ لا يمكنُها التصديقُ بمعاجزِ الأنبياء، وعليهِ منَ الطبيعيّ أن نرى بعضَ الأقلامِ التي تسعى وبشتّى الطرقِ لاتهامِ القصصِ القرآنيّ بالأسطورة، والسببُ في ذلكَ هوَ إثباتُ أنَّ القرآنَ يستخدمُ نفسَ المغزِل الذي نُسجَت به الدياناتُ القديمة، وهوَ بذلكَ لا يختلفُ عمّا في التوراةِ والإنجيلِ مِن أساطير، ومنَ المعروفِ أنَّ مُنكري الأديانِ لا يكفّونَ عن القولِ أنَّ الأديانَ هيَ استجابةٌ لروحِ تلكَ العصورِ وثقافتِها المحليّةِ ولا علاقةَ لها بالسّماء، ومِن هُنا فإنَّ كلمةَ أسطورة في مثلِ تلكَ الكتاباتِ لا تصلحُ أن تكونَ مرجعاً مأموناً لمعرفةِ معنى الأسطورة ومفهومِها الدلالي؛ لأنّها كتاباتٌ تعملُ فقط على توظيفِ الكلمةِ للاستفادةِ مِن ظلالِها السّلبيّةِ لتشويهِ الحقائق.
أمّا مَن يرى أنَّ معيارَ الأسطورةِ ليسَ مُجرّدَ السّردِ القصصي والحكايةِ بما يخالفُ الطبيعة، وإن كانَ مخالفتُها للمألوفِ شرطاً ضروريّاً، إلّا أنّهُ وحدَه ليسَ شرطاً كافياً لجعلِ القصّةِ أسطورةً، فلابدَّ أن يُضافَ إليه استنادُ القصّةِ أو الحكايةِ على الخيالِ المحضِ دونَ أيّ سندٍ عُقلائي أو قرائنَ تؤكّدُ حدوثَها، وهذا ما لا يتوفّرُ في القصصِ القرآني، حيثُ حكمَ العقلُ بصدقِ الرّسولِ وبصدقِ ما جاءَ به منَ اللهِ تعالى، وعليهِ يُعدُّ القرآنُ سنداً عقلانيّاً لحدوثِ القصّة، وعلى أقلِّ التقاديرِ يُعدُّ قرينةً قويّةً منَ الصّعبِ تكذيبُها، ومَن لا يصدّقُ بالقرآنِ بوصفِه كتاباً منَ اللهِ لا يتمُّ مناقشتُه حولَ الأسطورةِ وإنّما يتحوّلُ معهُ النقاشُ إلى إثباتِ القرآنِ بكلّه، فإن ثبتَ له فلا حجّةَ بعدَ ذلكَ للقولِ بالأسطورة، وإن لم يثبُت لهُ لا يكونُ نفيُ الأسطورةِ عن القصصِ القرآنيّ مُجدياً طالما كلُّ القرآنِ عندَه غيرُ ثابت، وهذه الطريقةُ هي ذاتُها التي استخدمَها القرآنُ في ردِّ مَن اتّهمَ القرآنَ بالأسطورة، قالَ تعالى: (وقالوا أساطيرُ الأوّلينَ اكتتبَها فهيَ تُملى عليه بكرةً وأصيلاً قل أنزلهُ الذي يعلمُ سرَّ السّمواتِ والأرض إنّهُ كانَ غفوراً رحيماً) فقد تحدّاهم الرّسولُ مِن قبل أن يأتوا بما يعارضُ القرآنَ عندما اتّهموهُ بأنّهُ يستعينُ بغيرِه، فطالبَهم أن يستعينوا هُم به وأن يأتوا بمثلِ القرآن، قالَ تعالى: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَى أَن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لَا يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيرًا) وعندَما ظهرَ عجزُهم ثبتَ أنّه وحيُ اللهِ وكلامُه ولذا اكتفى في الردِّ عليهم عندما قالوا أساطيرُ الأوّلين بقوله: (قل أنزلَهُ الذي يعلمُ سرَّ السّماواتِ والأرض) فإذا ثبتَ أنَّ القرآنَ نازلٌ منَ اللهِ الذي يعلمُ سرَّ السّماواتِ والأرض علمنا بالضّرورةِ أنَّ ما جاءَ في قصّةِ أهلِ الكهفِ كانَ عينَ الحقيقةِ والواقع.
وعليهِ فإنَّ تفصيلَ القرآنِ لقصّةِ أهلِ الكهفِ يعدُّ دليلاً على أنّها قصّةٌ واقعيّة وليسَت خياليّة، وما جاءَ في المصادرِ السريانيّةِ مِن قصّةِ السّبعةِ النيامِ يعدُّ قرينةً أخرى على واقعيّةِ القصّة، فقد تناقلتها الأجيالُ وشاعَ ذكرُها بينَ الشعوبِ والحضارات ووثّقَ لها المؤرّخونَ والكُتّاب، أمّا ما في تلكَ المصادرِ مِن زيادةٍ أو نقصان فيعودُ إلى النسّاخِ والكتّابِ الذينَ أرخوا لمُخيّلتِهم العنان، إلّا أنَّ التحقيقَ التاريخيَّ كفيلٌ ببيانِ الأصيلِ منَ القصّة وما هوَ مضافٌ فيها، ومنَ المصادرِ القديمةِ التي تناولَت القصّةَ ما كتبَه زكريّا الفصيح (536) ويوحنّا الأفسسي (587) وكلاهُما منَ المؤرّخينَ الثقات، وهُما قريبا العهدِ مِن زمنِ الحادثة، وقد أجمعَ المؤرّخونَ السّريان، على أنَّ رقادَ أهلِ الكهفِ كانَ على عهدِ الملكِ داقيوس (249 ـ 251 م) أمّا استيقاظهم فكانَ على عهدِ الملكِ ثيودوسيوس الصّغير (450) ويمكنُ في ذلكَ مراجعةُ تاريخِ زكريّا الفصيح ـ طبعةُ لوفان 1953 ج1 ص107 ـ 114. فالقصّةُ في مصادرِها السّريانيّةِ لا تحسبُ مجرّدَ أسطورةٍ خياليّة وإنّما تحكي المصادرُ عَن حادثةٍ وقعَت بالفعل.
أمّا أنَّ القرآنَ قد سرقَ هذهِ القصّةَ مِن تلكَ الكتبِ السريانيّة، فهوَ قولٌ يعتمدُ فقط على التشابهِ بينَ القصّتين، وهذا ليسَ كافياً لإثباتِ ذلك، وبخاصّةٍ أنَّ الظروفَ الخاصّةَ بتاريخِ النبيّ وحياتِه قبلَ الرّسالةِ لا تساعدُ على مثلِ هذا المُدّعى، بل إنَّ هذا التشابهَ يؤكّدُ أوّلاً مصداقيّةَ القصّة، وثانياً يؤكّدُ على أنَّ القرآنَ وحيٌ منَ الله، فما جاءَ في سورةِ الكهفِ مِن تفاصيل لتلكَ القصّةِ وما فيها من ضبطٍ وإتقانٍ لكلِّ كلمةٍ مِن كلماتِها يجعلُنا نجزمُ بأنّها ليسَت مِن رواياتِ البشرِ وأقاصيصِهم.
اترك تعليق