ما معنى قولِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) (الشركُ في أُمّتي) ؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، 

إنَّ نصَّ الحديثِ كما وردَ في بعضِ طرقِ الحديثِ: ( الشركَ أخفى في هذهِ الأمّةِ مِن دبيبِ النملةِ السّوداءِ على الصّخرةِ الصمّاءِ في الليلةِ الظلماء) [ينظر: الوافي، ج ٨، الفيضُ الكاشاني، ص ٤٧٢].  

فقد عرضَ علماؤنا لهذهِ المسألةِ في كتابِ الإيمانِ والكفر، فبيّنوا أنَّ الشركَ قسمانٍ شركُ عبادةٍ، وهوَ أن يعبدَ غيرَ اللهِ مِن صنمٍ أو كوكبٍ أو إنسانٍ أو غيرِ ذلكَ وهوَ الشركُ الجليُّ. وشركُ طاعةٍ وهوَ أن يُطاعَ غيرُ اللهِ فيما لا يرضى اللهُ مِن إنسانٍ أو شيطانٍ أو هوىً أو غير ذلكَ وهوَ الشركُ الخفيُّ، وقلّما يخلو مؤمنٌ مِن هذا النوعِ منَ الشرك. (وما يؤمنُ أكثرُهم باللهِ إلّا وهُم مُشركون).  

ومِن مواردِ الشركِ الخفيّ التي أشارَ إليها أئمّةُ أهلِ البيتِ عليهم السّلام والتي ينبغي للمؤمنِ الالتفاتُ إليها والحذرُ منها في عباداتِه ومُعاملاتِه هيَ ما رواهُ علماءُ مدرسةِ أهلِ البيتِ (ع) في كتبِهم، والتي مِنها:

  أوّلاً: عن يونسَ، عن داود بن فرقد، عن حسّان الجمّال، عن عميرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعتهُ يقول: أمِرَ النّاسُ بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا، ثم قال:

وإن صاموا وصلوا وشهدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا إلينا كانوا بذلكَ مشركين.

(ينظر الكافي للكليني ج٢ ص ٣٩٨)

 

ثانياً :  في كتابِ وسائلِ الشيعةِ ( آلِ البيت ) : 16 / 254 : نقلاً عن تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم عن أبيه ، عن مسعدةَ بنِ صدقة ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قالَ : سُئلَ عن قولِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله : إنّ الشركَ أخفى مِن دبيبِ النملِ على صفاةٍ سوداء في ليلةٍ ظلماء ؟ قالَ : كانَ المؤمنونَ يسبّونَ ما يعبدُ المشركونَ مِن دونِ اللهِ ، وكانَ المُشركونَ يسبّونَ ما يعبدُ المؤمنونَ، فنهى اللهُ عن سبِّ آلهتِهم، لكي لا يسبَّ الكفّارُ إلهَ المؤمنين ، فيكونُ المؤمنونَ قد أشركوا باللهِ مِن حيثُ لا يعملونَ فقالَ : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدواً بِغَيرِ عِلمٍ . ( سورةُ الأنعام : 108 )  

وثالثاً: في الخصالِ للشيخِ الصّدوق (ره) (ص 136): ( حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ الوليدِ رضيَ اللهُ عنه ، قالَ حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار ، عن الحسنِ بنِ موسى الخشّاب ، عن يزيدٍ بنِ إسحاقَ شعر ، عن عبّاسٍ بنِ يزيد ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قالَ قلتُ : إنَّ هؤلاءِ العوامَّ يزعمونَ أنَّ الشركَ أخفى مِن دبيبِ النملِ في الليلةِ الظلماءِ على المِسحِ الأسود ؟ فقالَ : لا يكونُ العبدُ مُشركاً حتّى يُصلّي لغيرِ اللهِ ، أو يذبحَ لغيرِ الله ، أو يدعو لغيرِ اللهِ عزّ وجلّ.  

ورابعاً: في كتابِ معاني الأخبارِ للصّدوق (ص 379 ): ( حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ الوليدِ رضيَ اللهُ عنه قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار ، عن يعقوبَ بنِ يزيد ، عن محمّدٍ بنِ أبي عُمير ، عن عبدِ الحميدِ بنِ أبي العلاءِ قالَ : قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السّلام : إنَّ الشركَ أخفى من دبيبِ النملِ . وقالَ : منهُ تحويلُ الخاتمِ ليذكرَ الحاجةَ ، وشبهُ هذا !.  

فإذا عرفتَ ذلكَ، فهذهِ الأحاديثُ تنبّهُ العبدَ على ضرورةِ الإخلاصِ في العملِ وتطهيرِه عن ملاحظةِ غيرِ وجهِ اللهِ تعالى ورضاه، حتّى عن الرجاءِ بالثوابِ والخوفِ منَ العقابِ فضلاً عن الرياءِ والسُّمعةِ وحبِّ الجاهِ وأمثالِ ذلك، فإنَّ ذلكَ شركٌ خفيٌّ قلَّ مَن نجا منهُ لخفاءِ طُرقِه ، وهوَ يكونُ مانعاً للسّالكِ عن الوصولِ إلى الحقِّ والقربِ منه. قالَ اللهُ تعالى ( فمَن كانَ يرجو لقاءَ ربِّه فليعمَل عملاً صالحاً ولا يُشرِك بعبادةِ ربِّه أحداً »، وإذا ارتفعَ ذلكَ سهُلَ للسّالكِ الوصولُ إليه ، كما يرشدُ إليه ما رويَ « مَن أخلصَ للهِ أربعينَ صباحاً ظهرَت ينابيعُ الحكمةِ مِن قلبِه على لسانه ». [ينظر: شرحُ أصولِ الكافي، ج ٨، مولى محمّد صالِح المازندرانيّ، ص ٤٩]. ودمتُم سالِمين.