روي أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوج تسعة نساء والقرآن حدد أربع؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ممّا لا يخفى أنَّ اللهَ خصَّ النّبيَّ بتكاليفَ وأحكامٍ خاصّةٍ لا تشملُ غيرَه، وقد اصطلحُوا عليها في الفقهِ الإسلاميّ بخصائصِ النّبيّ، ويُشيرونَ بذلكَ إلى الأحكامِ التي تُميّزُ النّبيَّ عَن سائرِ المُسلمينَ، وألّفوا في ذلكَ مجموعةً منَ الكُتبِ مثلَ كتابِ خصائصِ النّبيّ لأحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ دؤل القُمّيّ (ت: 350 هـ)، والخصائصِ الكُبرى لجلالِ الدّينِ السّيوطيّ (ت 911 هـ) وغيرِ ذلكَ منَ الكُتبِ، وقد حدّدوا هذهِ الخصائصَ في أربعةِ عناوينَ وهيَ: المُباحاتُ مثلَ دخولِه إلى مكّةَ مِن غيرِ إحرامٍ، وجوازِ صومِ الوصالِ. والمُحرّماتُ مثلَ أخذِ الزّكاةِ والصّدقةِ، والزّواجِ منَ الإماءِ وأهلِ الكتابِ. والواجباتُ مثلَ صلاةِ اللّيلِ، وقضاءِ دينِ الميتِ. والكراماتُ مثلَ تسميةِ زوجاتِه بأمّهاتِ المؤمنينَ، وعدمِ الزّواجِ بزوجاتِه بعدَ وفاتِه، وغيرِ ذلكَ.
وممّا حرّمَ اللهُ على نبيّهِ هوَ عدمُ إستبدالِ أزواجِه أو الزّيادةِ عليهنَّ، لقولِه تعالى: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِن أزوَاجٍ وَلَو أعجَبَكَ حُسنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَت يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ رَقِيبًا) فحرّمَتِ الآيةُ على النّبيّ أن يتزوّجَ على نسائه أو يستبدلَ زوجاً مكانَ زوجٍ بسببِ الموتِ أو الطّلاقِ، وعندَما حرّمَ اللهُ التّعدّدَ المُطلقَ في الزّوجاتِ وجعلَ ذلكَ في حدوِد الأربعةِ فقَط، أمرَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أصحابَه بأن يُطلّقَ كلُّ واحدٍ منهُم ما زادَ على الأربعةِ من زوجاتِه، حيثُ جعلَت الآيةُ لكُلِّ رجلٍ الحقَّ في الإمساكِ بأربعةٍ وفي نفسِ الوقتِ لم تُحرِّم عليهم الزّواجَ مِن أُخرياتٍ في حالِ الطّلاقِ أو الموتِ، وهذا الأمرُ غيرُ مُتيسّرٍ للنّبيّ حتّى لو ماتَت جميعُ زوجاتِه فلا يمكنُه الزّواجُ منَ النّساءِ بحُكمِ الآيةِ التي سبقَ ذكرُها، وفي الجهةِ الأُخرىِ نجدُ أنَّ زوجاتِ النّبيّ لا يحلُّ لهُنَّ الزّواجُ مِن زوجٍ آخرَ في حالِ طلاقِ الرّسولِ لهُنَّ أو وفاتِه، وذلكَ قولُه تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أزوَاجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُم كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا)، فثبُتَ مِن ذلكَ أنَّ رسولَ اللهِ مأمورٌ بإمساكِ زوجاتِه لعدمِ تمكُّنِه منَ الزّواجِ مِن غيرهنَّ، وعدمِ قُدرةِ زوجاتِه منَ الزّواجِ مِن غيرِه، فاتّضحَ مِن ذلكَ أنَّ رسولَ اللهِ لم يُخالِف القُرآنَ في عدمِ تطليقِه لِما زادَ على الأربعةِ منَ النّساءِ، وذلكَ لوجودِ حُكمٍ سابقٍ يُحرّمُ على الرّسولِ الزّواجَ على زوجاتِه ويُحرّمُ على زوجاتِه الزّواجَ بعدَ رسولِ الله.
اترك تعليق