ما صحة الروايات الواردة في ذم الأكراد ؟

ما صحة الروايات الواردة في ذم الأكراد، و كراهة أو حرمة التعامل معهم تجاريا و كذلك مصاهرتهم، و انهم حي من الجن كشف عنهم الغطاء ، و نسلهم ينحدر من اماء وطئت من قبل الجن ارسلت إلى الجبال، و هناك ولدن أيام مملكة نبي الله سليمان عليه السلام، و هذا اصل طائفة الكرد ، و هناك من يزعم وجود روايات تؤكد هذا الكلام ، فما صحة ذلك ؟! اجيبونا و اوضحوا لنا جزاكم الله خيرا .

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،في بادئِ الأمر لا بُدَّ أن نعرفَ مُسبقاً ونستيقنَ بقاعدةٍ عامّةٍ مُستفادةٍ منَ النصِّ القرآنيّ تبيّنُ لنا أنّ الإنسانَ مُكرّمٌ بشكلٍ مُطلق في مضمونِه الإنسانيّ بقطعِ النظرِ عن لونِه وجنسِه وقبيلتِه وقوميّتِه. قالَ تعالى: {وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلًا} [الإسراء: 70]،  فإنّها تدلُّ على مفهومِ (تكريمِ الإنسان). أضِف إلى ذلكَ، لا بدَّ مِن اعتبارِ القرآنِ ـ في مفهومِه الفكريّ ـ حاكماً على الأحاديثِ في مدلولِها، أي لابدَّ أن يكونَ موافِقاً للمفهومِ القرآني على مُستوى القيمةِ، أو الفكرةِ، فإذا وجدَ خبرٌ ما، ولم يكُن مُنسجماً معَ طبيعةِ تشريعاتِ القرآنِ ومزاجِ أحكامِه العامّة لم يكُن حُجّة، فمثلاً لو وردَت روايةٌ في ذمّ طائفةٍ منَ الناسِ وبيانِ خسّتِهم في الخلقِ أو أنّهم قسمٌ منَ الجن، قلنا: إنّ هذا مُخالفٌ مع الكتابِ الصّريحِ في وحدةِ البشريّةِ جنساً وحسباً ومساواتِهم في الإنسانيّة ومسؤوليّاتِها مهما اختلفَت أصنافُهم وألوانهم، فإنَّ تكريمَ اللهِ لبني آدم لا يتناسبُ مع هذا المضمونِ السّلبي، كما يذهبُ إلى ذلكَ طائفةٌ من أهلِ العلمِ كالسيّدِ الشهيدِ مُحمّد باقر الصّدر (قدس) وآخرون. فإذا تبيّنَ ذلكَ فاعلَم أنّ الرواياتِ الواردةَ في ذمِّ الأكرادِ قد تمَّ مناقشتُها مِن قبلِ علمائِنا الأعلامِ من جهتيّ السندِ والمتن، فأمّا مِن جهةِ السندِ فالرواياتُ ضعيفةٌ ولا اعتبارَ لها، وذلكَ لأنّها تضمّنَت الإرسالَ والجهالةَ في بعضِ رواتِها كأبي الربيعِ الشامي، وفيما يلي بيانُ تلكَ الروايات:  1- عن محمّدٍ بن يحيى وغيره، عن أحمدَ بنِ محمّد، عن عليٍّ بنِ الحكم، عمَّن حدّثه، عن أبي الربيعِ الشامي، قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله (ع) فقلتُ: إنَّ عندنا قوماً منَ الأكرادِ وإنّهم لا يزالونَ يجيئونَ بالبيعِ فنخالطُهم ونبايعُهم؟ فقالَ: «يا أبا الربيع، لا تخالطوهم فإنَّ الأكرادَ حيٌّ مِن أحياءِ الجنِّ كشفَ اللهُ عنهم الغطاءَ، فلا تخالطوهم» 2-لأبي الربيعِ الشامي عن الصادقِ (ع) أنّه قال: «ولا تنكحوا منَ الأكرادِ أحداً فإنّهم مِن جنسِ الجنِّ كُشفَ عنهم الغطاء». وكما ترى، فإنّ الروايةَ الأولى في سندِها جهالةُ مَن حدّثَ عليّاً بنَ الحكم، وكذلكَ فإنّ أبا الربيعِ الشاميّ وهوَ خليدٌ بنُ أوفى،  لم يرِد فيهِ جرحٌ ولا تعديل، وأمّا الروايةُ الثانيةُ فهيَ مُشتملةٌ على الإرسالِ وكذلكَ هيَ عن أبي الربيعِ الشاميّ نفسِه. وأمّا مِن جهةِ المتنِ ، فلو تنزّلنا وقُلنا بصحّةِ مثلِ هذهِ الرواياتِ، فالظاهرُ أنّها تتحدّثُ عن طائفةٍ بعينِها منَ الكُرد في ذلكَ الزمان، باعتبارِ انتشارِ السّرقةِ فيهم وعدمِ التبصّرِ في الأمورِ الشرعيّة عندَهم في ذلكَ الزمنِ بحيثُ اشتهرَ بينَهم في ذلكَ العصرِ قطّاعُ الطرقِ واللصوصُ وكثرةُ الحيلِ الشيطانيّةِ، وفي بعضِ النصوصِ التاريخيّةِ مؤيّداتٌ لذلك، فمِنها قصّةُ قيامِ بعضِ قطّاعِ الطرقِ الأكرادِ بسلبِ دعبلٍ الخزاعي بعدَ سفرِه للإمامِ الرّضا عليهِ السلام.   ومِن هُنا يكونُ الوصفُ الموجودُ في هذه الرواياتِ لطائفةٍ منَ الكردِ هو نظيرَ ما جاءَ في القرآنِ العظيم لـمّا وصفَ طائفةً منَ الأعرابِ بقولِه تعالى: {الأَعرَابُ أَشَدُّ كُفرًا وَنِفَاقًا وَأَجدَرُ أَلَّا يَعلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبةُ : 97]. ومعلومٌ لدى كافّةِ المُفسّرينَ وأهلِ العلم أنّ هذا الخطابَ لا يشملُ كلّ الأعرابِ وإنّما هو خاصٌّ بفئةٍ مُعيّنةٍ منهم، كانوا أقسى وأجفى مِن أهلِ المُدن، وهُم أيضاً أبعدُ عن سماعِ التنزيلِ وإنذارِ الرّسلِ واستماعِ الحُجج ومُشاهدةِ المُعجزات. هذا وقد كانَ كثيرٌ مِن عُلمائنا يحملُ مثلَ هذهِ الأخبارِ على كراهةِ ذلكَ الصّنفِ المقصودِ في الروايات، مُعلّلينَ ذلكَ بأنّه راجعٌ إلى كراهيّةِ مُعاملةِ مَن لا بصيرةَ له فيما يشتريهِ ولا فيما يبيعه، لأنَّ الغالبَ على هذا الجيلِ والقبيلِ قلّةُ البصيرةِ لتركِهم مُخالطةَ الناسِ وأصحابَ البصائر. [ينظر: السرائُر ج2 ص233].ولذا لمّا حملَ العلّامةُ المجلسيّ هذهِ الأخبارَ على كراهةِ مُعاملةِ ذلكَ الصّنفِ منَ الأكراد في كتابِه مرآةُ العقول في شرحِ أخبارِ آلِ الرسول (ج19/ص ١٤٥)، علّلَ ذلكَ بالقول: وربّما يأوّلُ كونُهم منَ الجنِّ بأنّهم لسوءِ أخلاقِهم وكثرةِ حيلِهم أشباهُ الجنّ ، فكأنّهم منهُم كُشفَ عنهم الغطاء. ولبعضِ عُلمائنا تفصيلٌ لطيفٌ عن هذه المسألةِ ننقلهُ لكُم بتمامِه لتكونوا على بيّنةٍ مِن هذا الأمر. قالَ السيّدُ مُحمّد بن المهدي الشيرازي في كتابِه: (موسوعةُ الفقه ج 62 ـ 68 كتابُ النكاح)، برأيي أنَّ الأكراد ـ في هذهِ الرواية ـ هو جمـعُ (كَرَدَ) وهـو مُشتقٌّ مِن كَرَدَ إلى الجَبَل أي ذهبَ إلى الجبلِ (جاءَ في المُنجد: كَرَدَ ـ كرداً … العدوّ ـ طردَه كارد مطاردةً: طاردَه ودافعَه. المنجدُ في اللغة: ص 680).مِن هُنا، فإنّ المقصودَ منَ الأكرادِ فـي الروايةِ ليسَ الطائفةَ الكرديّة بل المقصـودُ كلُّ الناسِ الذينَ يقطنونَ المناطقَ الجبليّة ونحوَهم المنقطعونَ عن الأحكامِ الشرعيّةِ والحضارةِ المدنيّة ككلمةِ (الأعراب): الدالّةِ علـى كلِّ مُبتعدٍ عن الحضارةِ الدينيّة، فالأكرادُ في الروايةِ كلُّ مَن سكنَ الجبلَ سواءٌ كانَ كرديّاً أو غيرَه فقد يكونونَ مـِن أهـلِ فارسَ أو أهلِ إندونيسيا أو أهلِ أفغانستان، فلا يشملُ الحديثُ العُنصرَ الكُرديَ المعروف. والمرادُ (بالجنِّ) هُنا المُستترُ بالجبـل، فـإنَّ (الجنَّ) مُشتقٌّ مِن مادّةِ الجنينِ والجنّة، وهوَ لا يعني أنّهم منَ الجنِّ في قِبالِ الإنسِ (ولو كانَ المـرادُ أنّهم حقيقةٌ مِن أصلِ الجنِّ لزمَ أن لا يكونَ تكليفُهم كتكليفِ الإنسِ لوضوحِ الفرقِ بينَ التكليفينِ مع بداهةِ أنَّ الأكرادَ مُكلّفونَ كسائرِ أفرادِ البشر). فهؤلاءِ الناسُ القاطنونَ بالجبالِ والمنقطعونَ عن المُجتمعِ والحضارةِ عندَما يأتونَ إلـى المدنِ يُكرَهُ التعاملُ معَهم وتزويجُهم، باعتبـارِ مكوثِهم فـي الجبالِ وغلبةِ الجهلِ والأميّةِ عليهم وابتعادِهم عن المدنيّةِ والمُعاشرةِ الطبيعيّة. وعليهِ: فمَن كانَ منَ الأكرادِ مُعاشراً لبقيّةِ المُسلمينَ ومُلتزماً بالدينِ الإسلاميّ وحُسنِ المُعاملةِ وكانَ صادقاً في أمورِه فلا تشملهُ مثلُ هذهِ الرّواياتِ. ودمتُم سالمين.