اذا كان "الزنى"دين فتكونُ التبعاتُ على زوجته او بنته؟ فما هوَ ذنبهن اذا كان هو مُنحرِفاً ؟
ما هيَ صحّةُ الحديثِ القائلِ بأنَّ الزنا دَينٌ، وما هوَ ذنبُ البنتِ أو الأختِ إذا كانَ الأبُ أو الأخُ مُنحرِفاً فتكونُ التبعاتُ على زوجتِه أو ابنتِه أو أختِه؟ يُرجى بيانُ ذلكَ ودمتُم موفّقين
السلامُ عليكُم ورحمة الله وبركاتُه، هناكَ بعضُ الرواياتِ التي تشيرُ إلى المضمونِ الذي قصدَه السّائلُ، مثلَ روايةِ الكافي التي جاءَ فيها: (عَن شَرِيفِ بنِ سَابِقٍ أَو رَجُلٍ عَن شَرِيفٍ عَنِ الفَضلِ بنِ أَبِي قُرَّةَ عَن أَبِي عَبدِ اللَّه (ع) قَالَ: لَمَّا أَقَامَ العَالِمُ الجِدَارَ أَوحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى إلى مُوسَى (ع) أَنِّي مُجَازِي الأَبنَاء بِسَعيِ الآبَاءِ إِن خَيراً فَخَيرٌ وإِن شَرّاً فَشَرٌّ، لَا تَزنُوا فَتَزنِيَ نِسَاؤُكُم ومَن وَطِئَ فِرَاشَ امرِئٍ مُسلِمٍ وُطِئَ فِرَاشُه كَمَا تَدِينُ تُدَانُ) وقد ضُعّفَت هذهِ الروايةُ لعدمِ وثاقةِ شريفِ بنِ سابق، كما أنَّ الروايةَ فيها تردّدٌ بينَ شريفٍ بنِ سابق، وبينَ كونِها عن رجلٍ عن شريفٍ بنِ سابق ولذلكَ فهيَ بحُكمِ المُرسلة، وكذلكَ ضُعّفت مِن جهةِ الفضلِ بنِ أبي قرّة الذي روى الروايةَ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) حيثُ لم تثبُت روايتُه عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام). وجاءَ في الكافي أيضاً عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ: (تَزَوَّجُوا إلى آلِ فُلَانٍ فَإِنَّهُم عَفُّوا فَعَفَّت نِسَاؤُهُم، ولَا تَزَوَّجُوا إلى آلِ فُلَانٍ فَإِنَّهُم بَغَوا فَبَغَت نِسَاؤُهُم، وقَالَ: مَكتُوبٌ فِي التَّورَاةِ أَنَا اللَّه قَاتِلُ القَاتِلِينَ ومُفقِرُ الزَّانِينَ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَزنُوا فَتَزنِيَ نِسَاؤُكُم كَمَا تَدِينُ تُدَانُ). وقد ضُعّفَت هذه الروايةُ أيضاً لوجودِ عبدِ اللهِ الدهقان الذي ضعّفَه النجاشي، وهناكَ روايةٌ أخرى في الكافي بنفسِ المضمونِ وهيَ مُرسلة. وقد روى الصّدوقُ في مَن لا يحضرُه الفقيه عن الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلام) أنّه قالَ: (كانَ فيما أوحى اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى موسى: يا موسى بنَ عمران مَن زنى زُنيَ به ولو في العقِبِ مِن بعدِه، يا موسى عِفَّ يعفَّ أهلُك، يا موسى بنَ عمران إن أردتَ أن يكثُر خيرُ أهلِ بيتِك فإيَّاك والزنا، يا بنَ عمران كما تَدينُ تُدان) وقد ضُعّفَت الروايةُ لاشتمالِ السندِ على الحكمِ بنِ مسكين وهوَ مجهول. وعليهِ فإنَّ هذهِ الروايات مِن حيثُ السندِ فيها إشكالٌ ونقاش، أمّا مِن حيثُ المتنُ والدلالة، فإنَّ المُلاحظةَ الأوليّة تقودُنا إلى ما ذهبَ إليه السائلُ إذ كيفَ يؤخذُ البريءُ بجريرةِ غيرِه؟ فإن كانَ الرجلُ هو الذي قامَ بفعلِ الزنا، فما شأنُ أرحامِه منَ النساء؟ ومِن هُنا إذا كانَ معنى الروايةِ مُنحصراً في ترتيبِ أثرِ الذنبِ على مَن لم يصدُر عنهُ الذنبُ فلا يمكنُ قبولها لمُخالفةِ ذلكَ لصريحِ القرآن، حيثُ قالَ تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إلى حِملِهَا لَا يُحمَل مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربَى)، وقولُه تعالى: (وَلَا تَكسِبُ كُلُّ نَفسٍ إِلَّا عَلَيهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى)، حيثُ تحصرُ الآياتُ تبعاتِ الذنبِ في مَن ارتكبَ الذنبَ دونَ سواه، فكلُّ نفسٍ لها ما كسبَت مِن عملٍ إن خيراً فخيرٌ وإن شرّاً فشر، قالَ تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا لَهَا مَا كَسَبَت وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَت)، ومِن هُنا إذا أمكنَ تأويلُ الروايةِ وحملُها على المعنى الذي لا يتصادمُ معَ القرآنِ وصحيحِ العقلِ فبها وإلّا فوجبَ علينا إيكالُ علمِها لأهلِ البيت (عليهم السلام) حيثُ لا يجوزُ ردُّها وتكذيبُها. ويجبُ في تأويلِ هذه الرواياتِ الالتفاتُ إلى أنّها لا تعملُ على إلغاءِ حُريّةِ الإنسانِ واختيارِه، فالإشكالُ الذي يجعلنا نتوقّفُ في قبولِ المعنى الظاهري، هو كونُ هذا المعنى يوحي بمصادرةِ حريّةِ الإنسانِ واختياره، فكأنّما زنا الزاني هوَ الذي يوجبُ وقوعَ الزنا في نساءِ أهلِ بيتِه مِن دون اختيارٍ منهنَّ، أي أنَّ زنا الزاني هوَ العلّةُ التامّة في حدوثِ ذلك، وهذا لا يمكنُ قبولُه، أمّا إذا كانَ زنا الزاني هوَ الذي يهيءُ الأجواءَ التي تساعدُ على شيوعِ الزنا في أسرتِه وأهلِ بيتِه، فحينَها لا إشكالَ مُترتّبٌ على هذا المعنى، بل يصبحُ وقوعُ الزنا في أهلِ بيتِه نتاجاً طبيعيّاً ومتوقّعاً، فمثلاً لو أنَّ هناكَ إنساناً يلاحقُ أعراضَ الناسِ ويشيعُ أجواءَ الفسادِ والانحرافِ ولا يحسنُ تربيةَ بناتِه لكونِه نموذجاً غيرَ مؤهّلٍ لذلك، فلو قُلنا أنَّ مثلَ هذا الإنسانِ سوفَ يجلبُ الزنا إلى نسائِه وأهلِ بيتِه لا نكونُ مُخطئين بذلكَ، وعليهِ عندَما يشيعُ الزّنا في مُجتمعٍ منَ المُجتمعات فإنّه قد يشملُ الجميع، ولذلكَ حذّرَت الرواياتُ منَ الزنا لكونِه منَ الظواهرِ السلبيّة التي لا تقفُ عندَ حدٍّ مُعيّنٍ وإنّما تشملُ الجميعَ بما فيهم أسرةُ الزاني نفسِه.وعليهِ يمكنُ فهمُ هذه الرواياتِ على أنّها تردعُ منَ الزنا بشكلٍ مُشدّد، فجريمةُ الزنا لا تقفُ عندَ حدِّ الزناةِ فقط، وإنّما تتمدّدُ لتُصبحَ ظاهرةً في المُجتمع، فالزاني والزانيةُ يعملانِ في العادةِ على توسيعِ دائرةِ المتورّطينَ في الزنا، وهكذا يتّسعُ الزّنا حتّى يصبحَ ظاهرةً اجتماعيّة وحينَها يصعبُ على الزاني أن يحمي أسرتَه وأهلَ بيتِه، ولذا ختمَت الرواياتُ بقولِها كما تدينُ تُدان.وكذلكَ يمكنُ فهمُ هذه الرواياِت إذا نظرنا لها منَ الزاويةِ المُعاكسة وهيَ أنَّ الذي يعملُ على حفظِ أعراضِ الناسِ سيوفّقُه اللهُ لحفظِ أعراضِه، وإذا صدقَ هذا وهوَ أمرٌ مُسلّمٌ به عندَ كلِّ مؤمنٍ يصدقُ العكسُ أيضاً، وعليهِ فإنَّ الرواياتِ تؤكّدُ على ضرورةِ إشاعةِ المعروفِ والنهي عن المُنكرِ لأنَّ الخيرَ والشرَّ يعمُّ، فإذا أشيعَ المُنكرُ فإنَّ أضرارَه سوفَ تشملُ الجميعَ. واللهُ العالم.
اترك تعليق