ما هيَ وصايا الزهراءِ (عليها السلام) العقائديّةُ والأخلاقيّةُ والدينيّةُ والتربويّةُ قبلَ وفاتِها ؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،روى الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج7 ص48] بإسنادِه عن عاصمٍ بنِ حميد الحنّاط، عن أبي بصيرٍ، قالَ: « قالَ أبو جعفرٍ (عليهِ السلام): ألا أقرؤكَ وصيّةَ فاطمة (عليها السلام)؟ قالَ: قلتُ: بلى، قالَ: فأخرجَ حُقّاً أو سفطاً، فأخرجَ منهُ كتاباً فقرأه: (بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم، هذا ما أوصَت به فاطمةُ بنتُ مُحمّدٍ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): أوصَت بحوائطِها السبعة: العوافِ، والدلالِ، والبرقةِ، والميثب، والحُسنى، والصافيةِ، وما لأمّ إبراهيمَ إلى عليٍّ بنِ أبي طالب (عليه السلام)، فإن مضى عليٌّ فإلى الحسنِ، فإن مضى الحسنُ فإلى الحُسين، فإن مضى الحُسينُ فإلى الأكبرِ مِن ولدي. شهدَ اللهُ على ذلك، والمقدادُ بنُ الأسودِ، والزبيرُ بنُ العوّام، وكتبَ عليٌّ بنُ أبي طالب) ». وأخرجَه الشيخُ الصدوقُ في [الفقيهِ ج4 ص244]، والشيخُ الطوسيّ في [التهذيبِ ج9 ص144]. ونقلَ العلّامةُ المجلسيّ في [بحارِ الأنوارِ ج43 ص214] عن ابنِ عبّاس أنّه بعدَ شهادةِ الزهراء (عليها السلام) « كشفَ عليٌّ عن وجهِها، فإذا برُقعةٍ عندَ رأسِها، فنظرَ فيها، فإذا فيها: (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، هذا ما أوصَت به فاطمةُ بنتُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): أوصَت وهيَ تشهدُ أن لا إلهَ إلّا الله، وأنّ محمّداً عبدُه ورسوله، وأنّ الجنّةَ حقٌّ والنارَ حقٌّ، وأنَّ الساعةَ آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنّ اللهَ يبعثُ مَن في القبور، يا عليُّ أنا فاطمةُ بنتُ محمّد، زوّجني اللهُ منكَ لأكونَ لكَ في الدّنيا والآخرة، أنتَ أولى بي مِن غيري، حنّطنِي وغسّلني وكفّني بالليل، وصلِّ عليّ، وادفني بالليل، ولا تُعلِم أحداً، وأستودعُكَ اللهَ، واقرأ على ولدي السلام إلى يومِ القيامة ». وروى الفتّالُ النيسابوريّ في [روضةِ الواعظين ص151]: أنّها (عليها السلام) « لمّا نُعيَت إليها نفسُها دعت أمَّ أيمن وأسماءَ بنتَ عميس، ووجّهت خلفَ عليٍّ وأحضرَته، فقالت: يا ابنَ عمّ، إنّه قد نُعيَت إليَّ نفسي لأرى ما بي، لا أشكُّ إلّا أنّني لاحقةٌ بأبي ساعةً بعدَ ساعة، وأنا أوصيكَ بأشياءَ في قلبي، قالَ لها عليٌّ (عليهِ السلام): أوصيني بما أحببتِ يا بنتَ رسولِ الله. فجلسَ عندَ رأسِها، وأخرجَ مَن كانَ في البيت، ثمَّ قالت: يا ابن عمّ، ما عهدتني كاذبةً، ولا خائنةً، ولا خالفتُك منذُ عاشرتَني، فقالَ (عليه السلام): معاذَ الله، أنتِ أعلمُ بالله ِوأبرُّ وأتقى وأكرم، وأشدُّ خوفاً منَ الله أن أوبّخَك غداً بمُخالفتي، فقد عزّ عليَّ بمُفارقتِك وبفقدِك، إلّا أنّه أمرٌ لابدّ منه، واللهِ جدّدت عليَّ مصيبة رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وقد عظُمت وفاتُك وفقدُك، فإنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون مِن مُصيبةٍ ما أفجعَها وآلمَها وأمضَّها وأحزنَها، هذهِ واللهِ مصيبةٌ لا عزاءَ عنها، ورزيّةٌ لا خلفَ لها، ثمّ بكيا جميعاً ساعةً، وأخذَ على رأسِها وضمّها إلى صدرِه، ثمّ قالَ: أوصيني بما شئتِ، فإنّك تجديني وفيّاً، أمضي كلّ ما أمرتني به، وأختارُ أمرَك على أمري، ثمّ قالت: جزاكَ اللهُ عنّي خيرَ الجزاء، يا ابنَ عم، أوصيكَ أوّلاً أن تتزوّجَ بعدي بابنةِ [أختي] أمامة، فإنّها تكونُ لولدي مثلي، فإنّ الرجالَ لابدّ لهم منَ النساء، قالَ: فمِن أجلِ ذلكَ قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام): أربعةٌ ليسَ إلى فراقهنَّ سبيل: بنتُ [أبي العاص] أمامة، أوصتني بها فاطمة، ثمّ قالت: أوصيكَ ـ يا بنَ عم ـ أن تتّخذَ لي نعشاً، فقد رأيتُ الملائكةَ صوّروا صورتَه، فقالَ لها: صفيه إليّ، فوصفَته، فاتّخذَه لها، فأوّلُ نعشٍ عُمل في وجهِ الأرضِ ذلك، وما رأى أحدٌ قبله ولا عملَ أحد، ثمَّ قالت: أوصيكَ أن لا يشهدَ أحدٌ جنازتي مِن هؤلاءِ الذينَ ظلموني، وأخذوا حقّي، فإنّهم أعدائي وأعداءُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وأن لا يُصلّي عليَّ أحدٌ منهم، ولا مِن أتباعِهم، وادفنّي في الليلِ إذا هدأت العيونُ ونامَت الأبصار. ثمَّ توفّيَت (صلواتُ اللهِ عليها وعلى أبيها) ». ونقلَ العلّامةُ المجلسيّ في [بحارِ الأنوار ج79 ص27] عن كتابِ مصباحِ الأنوار: « عن أبي عبدِ الله، عن آبائِه (عليهم السّلام)، قالَ: إنّ فاطمةَ (عليها السلام) لمّا احتضرَت أوصَت عليّاً (عليهِ السلام)، فقالت: إذا أنا متُّ فتولَّ أنتَ غُسلي، وجهّزني، وصلِّ عليّ، وأنزلني قبري، وألحِدني، وسوِّ الترابَ عليّ، واجلُس عندَ رأسي قبالةَ وجهي، فأكثِر مِن تلاوةِ القرآنِ والدعاءِ، فإنّها ساعةٌ يحتاجُ الميّتُ فيها إلى أنسِ الأحياء، وأنا أستودعُك اللهَ تعالى، وأوصيكَ في ولدي خيراً، ثمّ ضمَّت إليها أمّ كلثوم فقالت له: إذا بلغَت فلها ما في المنزل، ثمّ اللهُ لها.هذه جملةٌ منَ الرواياتِ الواردةِ في وصايا السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) قبلَ وفاتها، وهيَ موجّهةٌ لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وتتضمّنُ أشياء منَ التغسيلِ والتحنيطِ والتكفينِ والصلاةِ والتشييعِ واتّخاذِ النعشِ والدفنِ ليلاً وتلاوةِ القرآن والدعاءِ عندَ قبرِها، وتوليةِ حوائطِها السبعة، والزواجِ مِن ابنةِ أختِها أمامة، ورعايةِ أولادِها والسلامِ عليهم، ونحوِ ذلك.».وهذهِ الأشياءُ التي أوصَت بها (سلامُ اللهِ عليها) وإن كانَت خاصّةً، ولكنّ بعضَها تحملُ بُعداً عقائديّاً، كتوصيتِها بأن لا يُصلّي عليها أحدٌ منَ الظالمينَ لها، ولا يشيّيعوها، ولا يحضروا جنازتَها، وبعضُها تحملُ بُعداً تربويّاً وأخلاقيّا، كتوصيتِها برعايةِ أولادِها والتلطّفِ بهم والزواجِ مِن ابنةِ أختِها أمامة ونحوِ ذلك، وبعضُها تحملُ بُعداً سياسيّاً واقتصاديّاً، كتوليةِ حوائطِها السبعةِ وغيرِها. ثمّ إنّ كثيراً مِن أحاديثِها الشريفةِ (عليها السلام) يُستفادُ منها إرشاداتٌ عامّة وإن لم ترِد مُصدَّرةً بلفظِ (أوصي) ونحوِها، كما في [المناقبِ ج3 ص341]: « قالَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لفاطمة (عليها السّلام): أيُّ شيءٍ خيرٌ للمرأة؟ قالت: ألّا ترى رجلاً ولا يراها رجل، فضمّها إليه وقالَ: ذُريّةٌ بعضُها مِن بعض »، وفي [بحارِ الأنوار ج43 ص92] عن الإمامِ الكاظمِ (عليهِ السلام) عن آبائِه (عليهم السلام) أنّه « سألَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أصحابَه عن المرأةِ ما هي؟ قالوا: عورةٌ، قال: فمتى تكونُ أدنى مِن ربّها؟ فلم يدروا، فلمّا سمعَت فاطمةُ (عليها السّلام) ذلكَ قالت: أدنى ما تكونُ مِن ربّها أن تلزمَ قعرَ بيتِها، فقالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): إنّ فاطمةَ بضعةٌ منّي »، وفي [العوالم ج2 ص867]: « قالت فاطمةُ (عليها السلام) لبعضِ النساء: ارضي أبوي دينِك محمّداً وعليّاً بسخطِ أبوي نسبِك، ولا تُرضي أبوي نسبِك بسخطِ أبوي دينك، فإنّ أبوي نسبِك إن سخطا أرضاهُما محمّدٌ وعليّ بثوابِ جُزءٍ مِن ألفِ ألفِ جزءٍ مِن ساعةِ طاعاتِهما، وإنّ أبوي دينِك محمّداً وعليّاً إن سخطا لم يقدر أبوا نسبِك أن يُرضياهما، لأنّ ثوابَ طاعاتِ أهلِ الدنيا كلّهم لا تفي بسخطِهما »، وغيرُها الكثير. ويمكنُ مراجعةُ الكتبِ التي جمعَت أحاديثَ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام)، مِن أمثال: مُسندِ فاطمة الزهراء (عليها السلام) للشيخِ عزيزِ الله العطارديّ، كلمةُ فاطمة الزهراء (عليها السلام) للسيّدِ حسن الشيرازيّ، مسندُ فاطمة الزهراء (عليها السلام) للسيّدِ حُسين التويسركانيّ، وغيرها.
اترك تعليق