كيف تعاقب حواء بالهبوط الى الارض مع النبي ادم (ع) وهي ليسَت بنبي؟

إذا كانت معصيةُ نبيّ اللهِ آدم عليهِ السلام هيَ تركُ الأولى فعُوقبَ على ذلكَ لأنّهُ نبيٌّ لا ينبغي له أن يترُكَ الأولى، فكيفَ تُعاقبُ حوّاء عليها السلام معَه وهيَ ليسَت بنبيّ ولا تثريبَ عليها إن تركَت الأولى؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  أوّلاً: هناكَ فرقٌ بينَ أن يكونَ أكلُهما منَ الشجرةِ سبباً للخروجِ منَ الجنّة، وبينَ أن يكونَ خروجُهما عقوبةً على الذنب، كما أنَّ هناكَ فرقاً بينَ قبولِ التوبةِ وغفرانِ الذنب، وبينَ بقاءِ الآثار الوضعيّة المُترتّبةِ على ذلكَ الذنب، فمعَ حصولِ التوبةِ تنتفي عقوبةُ الذنب، ولكن تبقى الآثارُ التكوينيّةُ المُترتّبةُ عليه، فمثلاً إذا افترضنا أنَّ أحداً شربَ خمراً، وكانَ لذلكَ الخمر أضرارٌ على صحّتِه، ثمَّ تابَ واستغفرَ لذنبِه، فإذا قبلَ اللهُ توبتَه تُرفعُ عنهُ عقوبةُ شُربِ الخمر، ولكن يبقى الخمرُ سبباً فيما يصيبُ صحّتَه مِن أضرار.  وعليه إذا كانَ اللهُ قد نهاهُم عن الأكلِ منَ الشجرة، وكانَ بقاؤهما في الجنّةِ مُتوقّفٌ على تركِ الأكلِ منها، فحينَها إذا أكلا مِنها يكونانِ قد فقدا شرطَ البقاءِ في الجنّة، والأمرُ الآخرُ يكونانِ أيضاً قد وقعا في المعصيةِ لمُخالفتهما لنهي الله، وبالتالي هناكَ أمران، الأوّلُ: الذنبُ الذي تترتّبُ عليه العقوبةُ وهوَ مخالفةُ أمرِ الله ونهيه، والثاني: هو الأثرُ الوضعي المُترتّبُ على الذنب وهوَ الخروجُ منَ الجنّة، وبهذا المنظورِ لا يكونُ الخروجُ منَ الجنّةِ عقوبةً تشريعيّةً اعتباريّة وإنّما هيَ لازمٌ طبيعيٌّ وقهريّ للأكلِ منَ الشجرة، ولكي يتّضحَ الأمرُ نضربُ مثلاً بإنسانٍ رمى نفسَه منَ الطابقِ العلوي من دونِ مُبرّرٍ لذلك، فهذا الإنسانُ ارتكبَ حراماً يستحقُّ عليه العقوبةَ لأنّه تعمّدَ اضرارَ نفسِه وهوَ محرّمٌ شرعاً، فما يصيبُ هذا الإنسانَ مِن كسورٍ وجروح لا يعدُّ عقوبةً لذلكَ الذنبِ وإنّما الذي أصابَه هوَ الأثرُ الطبيعيُّ للذنبِ أمّا عقوبتُه على فعلِ المُحرّم فهيَ أمرٌ آخر. وإذا اتّضحَ ذلكَ يمكنُنا القولُ أنَّ الأكلَ منَ الشجرةِ هوَ السببُ الطبيعيُّ للخروجِ منَ الجنّةِ وليسَ هوَ العقوبةُ المُترتّبةُ على فعلِ المعصيةِ ومخالفةِ أمرِ الله، قالَ تعالى: (وَقُلنَا يَا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنهَا رَغَدًا حَيثُ شِئتُمَا وَلَا تَقرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) فقد تضمّنَت الآيةُ الإشارةَ إلى شرطِ البقاءِ في الجنّةِ وهوَ عدمُ الأكلِ منَ الشجرة، كما أشارَت أيضاً إلى أنَّ حصولَ ذلكَ يعدُّ معصيةً لأمرِ اللهِ تعالى، (فتكونا منَ الظالمين) ويتّضحُ هذا الأمرُ في آيةٍ أخرى فصلت بوضوحٍ بينَ الأمرين وهوَ قولهُ تعالى: (فَأَكَلَا مِنهَا فَبَدَت لَهُمَا سَوآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) فما بدا لهُم منَ السوءاتِ يمثّلُ الأثرَ الطبيعيّ للأكلِ منَ الشجرة، ولذا حالَما أكلا منها بدأت لهُم سوآتهما وطفقا يخصفاِن عليهما مِن ورقِ الجنّة، أمّا الأمرُ الآخر وهو وقوعُ المعصيةِ بمُخالفتِهما أمرَ الله ففي قوله:(وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) وعليهِ لم تترتّب عقوبةٌ تشريعيّةٌ على آدمَ بأكلِه منَ الشجرة؛ لأنَّ اللهَ قد تابَ عليه ولا عقوبةَ بعدَ تحقّقِ التوبةِ والمغفرة، قالَ تعالى: (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلنَا اهبِطُوا مِنهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ)، فما فائدةُ التوبةِ إذا كانَت العقوبةُ قائمةً وهيَ الهبوطُ منَ الجنّة؟  ثانياً: خلقَ اللهُ آدمَ ليكونَ خليفتَه في الأرض، قالَ تعالى: (وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً)، وما حصلَ له مِن امتحانٍ في الجنّةِ يُعدُّ تجربةً عمليّةً لِما سيحصلُ مِن صراعٍ في الأرضِ مع الشيطان، قالَ تعالى: (إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ) وقد كشفَ اللهُ لآدمَ ما يكونُ عليه الشيطان مِن خُبثٍ مِن خلالِ التجربةِ العمليّة التي حصلَت له، قالَ تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنهَا فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلنَا اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، وبالتالي نزولُ آدمَ وحوّاء إلى الأرضِ هوَ الذي يُحقّقُ تلكَ الخلافةَ ومِن ذريّتِهما يكونُ الأنبياءُ والصالحونُ وبهما تعمرُ الأرضُ ومِن خلالِهما ينتصرُ الحقُّ على الباطل، ومِن هُنا لا يمكنُ أن نتصوّرَ خلافةَ اللهِ في الأرضِ من دونِ وجودِ حوّاء.وقد ذهبَ إلى ذلكَ أيضاً جملةٌ مِن مُفسّري العامّة، حيثُ قال : (إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة.. وإذن فآدمُ مخلوقٌ لهذه الأرض منذُ اللحظةِ الأولى. ففيمَ إذن كانَت تلكَ الشجرةُ المُحرّمة؟ وفيمَ إذن كانَ بلاءُ آدم؟ وفيمَ إذن كانَ الهبوطُ إلى الأرض، وهوَ مخلوقٌ لهذه الأرضِ منذُ اللحظةِ الأولى؟ لعلّني ألمحُ أنَّ هذهِ التجربةَ كانَت تربيةً لهذا الخليفةِ وإعداداً. كانَت إيقاظاً للقوى المذخورةِ في كيانِه. كانَت تدريباً له على تلقّي الغوايةِ، وتذوّقِ العاقبةِ، وتجرّعِ الندامة، ومعرفةِ العدو، والالتجاءِ بعدَ ذلكَ إلى الملاذِ الأمين.إنَّ قصّةَ الشجرةِ المُحرّمة، ووسوسةِ الشيطانِ باللذّة، ونسيان العهدِ بالمعصية، والصّحوة مِن بعدِ السّكرة، والندم وطلبِ المغفرة.. إنّها هيَ تجربةُ البشريّة المُتجدّدة المكرّرة!. لقد اقتضَت رحمةُ اللهِ بهذا المخلوقِ أن يهبطَ إلى مقرِّ خلافتِه، مزوّداً بهذه التجربةِ التي سيتعرّضُ لمثلِها طويلاً، استعداداً للمعركةِ الدائبةِ وموعظةً وتحذيراً..) في ظِلال القرآن ج1 ص 57. وفي المُحصّلة يمكنُنا القولُ أنَّ هبوطَ آدم إلى الأرضِ يُمثّلُ البدايةَ لخلافتِه على الأرض، ولذلكَ قدّرَ اللهُ منذُ البدايةِ أن يكونَ آدمُ وحوّاء بدايةَ الحياةِ البشريّة على الأرض، ولكي يقفَ آدمُ على دورِ الشيطانِ في إضلالِ ذريّتِه كانَ لابدَّ منَ الوقوفِ على ذلكَ بشكلٍ عمليّ، وعليهِ لم يكُن هبوطُهما إلى الأرضِ عقوبةً، بل هوَ المسارُ الطبيعيّ والحتميّ لخلافتِه.