أُخوّةُ النبيِّ (ص) وعمِّه حمزة بنِ عبدِ المُطّلب (ره) منَ الرّضاعة
علي و أخوة النبي و حمزة كتاب الكافي الجزء 5 صفحة 437 باب الرضاع 9891 - 4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبان بن عثمان، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله ابنة حمزة فقال: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاع؟. 9892 - 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) في ابنة الأخ من الرضاع لا آمربه أحدا ولا أنهي عنه وإنما أنهي عنه نفسي وولدي وقال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتزوج ابنة حمزة فأبى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: هي ابنة أخي من الرضاع. هل جهل علي بأخوة النبي وحمزة
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله اعلَم أخي السائل أنّ الروايتين اللتينَ أوردتَهما عن الشيخِ الكلينيّ في كتابِه الكافي، واستندتَ إليهما في طرحِ سؤالِك، يُجابُ عنهما بما يلي: أمّا الروايةُ الأولى: فهيَ ما رواها الكُلينيّ في الكافي (5/437) عن الحسينِ بنِ محمّدٍ عن معلّى بنِ محمّد عنِ الحسنِ بنِ عليّ عن أبان بنِ عثمان عمّن حدّثه عن أبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) قالَ : قالَ أميرُ المؤمنين ( عليهِ السلام ): عُرضَت على رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ابنةُ حمزة فقالَ: أما علمتَ أنّها ابنةُ أخي منَ الرّضاع؟ وهذه الروايةُ ضعيفةٌ جدّاً لعلّتين: إحداهُما جهالةُ شيخِ أبان بِن عثمان، والعلّةُ الأخرى: أنّ المُعلّى بنِ محمّد قالَ فيه النجاشيّ: مضطربُ الحديثِ والمذهب. [رجالُ النجاشيّ 418/1117]. وأمّا الروايةُ الثانية، فهيَ ما رواها الكُلينيّ عن عليٍّ بنِ إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابنِ أبي عمير ، عن حمّادَ عن الحلبي ، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ : قالَ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السلام ) في ابنةِ الأخِ منَ الرّضاعِ لا آمرُ به أحداً ولا أنهى عنهُ وإنّما أنهى عنهُ نفسي وولدي وقالَ: عُرضَ على رسولِ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) أن يتزوّجَ ابنةَ حمزةَ فأبى رسولُ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وقالَ : هي ابنةُ أخي منَ الرّضاع . وهذه الروايةُ صحيحةُ السندِ ولا إشكالَ فيها، وهي صريحةٌ في أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) يقولُ فيها: عُرِضَ على رسولِ الله (ص) بصيغةِ المبنيّ للمجهول. أي أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) يتحدّثُ بلسانِ الغائبِ الذي عرضَ ابنةَ حمزةَ على النبيّ (ص)، فأجابَه النبيُّ (ص) بأنّها ابنةُ أخيهِ منَ الرضاعةِ، وهذا لا يعني أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) لم يكُن يعلمُ بذلك، وإنّما أرادَ بذلكَ أن يُبيّنَ الحُكمَ لمَن كانَ يريدُ أن يعرفَ السببَ في أنّ النبيّ (ص) كانَ يطلبُ الزواجَ مِن قبائلَ معروفةٍ في قريش، وفي الوقتِ نفسِه كانَت لديهِ (ص) ابنةُ عمِّه حمزة التي توصفُ بالجمالِ وبقيّةِ الأمورِ التي يرغبُ فيها الرجال، والحالةُ الطبيعيّةُ والاجتماعيّةُ كانَت ولا تزالُ أن يكونَ ابنُ العمِّ هو مَن يطلبُ ابنةَ عمِّه للزواجِ مع توفّرِ الشروطِ في المرأةِ المطلوبة، فهذهِ الحالةُ هي التي جعلَت غيرَ واحدٍ منَ الصّحابةِ يثيرُ سؤالاً في هذا المقامِ، ليعرفَ السببَ في عدمِ طلبِ ابنةِ حمزةَ للزّواج. وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) لم يكُن هوَ فقط مَن تحدّثَ بقضيّةِ ابنةِ حمزة، وإنّما روى ذلكَ جمهورُ العامّةِ عن ابنِ عبّاس وأمّ سلمةَ وعائشة كما هيَ مرويّةٌ عن أميرِ المؤمنينَ (ع)، وإليكَ بعضاً من هذهِ الرواياتِ، لتكُن على بيّنةٍ مِن ذلك، فأمّا روايةُ ابنِ عبّاس فقد رواها البُخاري في صحيحِه برقمِ (5100)، إذ قالَ: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَن شُعبَةَ، عَن قَتَادَةَ، عَن جَابِرِ بنِ زَيدٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ تَتَزَوَّجُ ابنَةَ حَمزَةَ؟ قَالَ: «إِنَّهَا ابنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» وَقَالَ بِشرُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ، سَمِعتُ قَتَادَةَ، سَمِعتُ جَابِرَ بنَ زَيدٍ، مِثلَهُ. وأمّا روايةُ أمِّ سلمةَ فقد رواها مسلمٌ في الصحيحِ (2/1072)، بإسنادِه إلى مُحَمَّدَ بنَ مُسلِمٍ، يَقُولُ: سَمِعتُ حُمَيدَ بنَ عَبدِ الرحمن سمعت أُمَّ سَلَمَةَ، زَوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَينَ أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ عَنِ ابنَةِ حَمزَةَ - أَو قِيلَ: أَلَا تَخطُبُ بِنتَ حَمزَةَ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ؟ - قَالَ: «إِنَّ حَمزَةَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. وأمّا روايةُ عائشةَ، فقد رواها الشافعيّ في مُسندِه (ص306): قال: أخبَرَنَا الدَّرَاوَردِيُّ عَن هِشَامِ بنِ عُروَةَ، عَن أَبِيهِ، عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي ابنَةِ حَمزَةَ :((يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَل لَكَ فِي بِنتِ عَمِّكَ بِنتِ حَمزَةَ؛ فَإِنَّهَا أَجمَلُ فَتَاةٍ فِي قُرَيشٍ، فَقَالَ: «أَمَا عَلِمتَ أَنَّ حَمزَةَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ».وعليهِ تكونُ الروايةُ الثانيةُ من رواياتِ الكافي هي المُقدَّمةُ على الروايةِ الأولى، ولو تنزّلنا وقُلنا بصحّةِ الروايةِ الأولى فلا مانعَ مِن حملِها على معنى الروايةِ الثانية، وذلكَ بأن نقرأها أيضاً بصيغةِ المبنيّ للمجهول. وحينئذٍ: فلا يصحُّ أن يُقال: إنّ الإمامَ عليّاً جهلَ هذه المسألةَ، خصوصاً أنّه كانَ أقربَ الناسِ إلى رسولِ الله (ص)، وكانَ يسألُه عن كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ كما هو المعروفُ من سيرتِه (عليهِ السلام)، وهوَ أعرفُ الناسِ به وبكلِّ ما كانَ يخصُّه (ص)، فهوَ القائلُ سلامُ اللهِ تعالى عليه: كُنتُ إِذَا سَكَتُّ ابتُدِيتُ، وَإِذَا سَأَلتُ أُعطِيتُ، وَإِنَّ بَينَ الذَّقنَينِ لَعِلمًا جَمًّا.وفي روايةٍ عنه: كنتُ إذا سألتُ رسولَ الله (ص) أعطاني، وإذا سكتُّ ابتدأني. رواهُ الترمذيُّ في سننِه وحسّنه، وفي البصائرِ بإسنادِه عن أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام قالَ: كنتُ إذا سألتُ رسولَ الله (ص) أجابني وإن ذهبَت مسائلي ابتدأني، فما أنزلَت عليهِ آيةٌ في ليلٍ ولا نهار ولا سماءٍ ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ وكتبَها بيدي ، وعلّمني تأويلَها وتفسيرَها ومحكمَها ومتشابهَها وخاصّها وعامّها وكيفَ نزلَت وأينَ نزلَت وفيمَن نزلَت إلى يومِ القيامة ، ودعا اللهَ أن يُعطيني فهماً وحفظاً فما نسيتُ آيةً مِن كتابِ الله، ولا على مَن نزلت. [الأصولُ الأصيلة، الفيضُ الكاشاني، ص ٣٥]. ولذا استحقَّ بجدارةٍ أن يكونَ بابَ مدينةِ علمِ رسولِ الله (ص). فعلى هذا لا يمكنُ أن تغيبَ عنهُ مثلُ هذهِ الجزئيّةِ اليسيرة، فلا بُدَّ مِن حملِها على أنّه تحدّثَ معَ رسولِ الله (ص) في هذهِ القضيّةِ بلسانِ حالِ القومِ الذينَ كانوا يريدونَ أن يعرفوا السببَ في عدمِ تقدّمِه لخطبةِ ابنةِ عمِّه حمزة مع توفّرِ شروطِ الجمالِ والعفّةِ ونحوِ ذلك ممّا ترغبُه الرجالُ في المرأة. ولو تنزّلنا وقُلنا بأنَّ أميرَ المؤمنين عليهِ السلام هوَ مَن بادرَ بسؤالِ رسولِ الله (ص) بهذهِ القضيّة، فحينذٍ لا بُدَّ لنا مِن توجيهِ ذلكَ بما يناسبُ مقامَه السّامي وعلمَه الشامخ، كما هوَ الحالُ مع نبيّ اللهِ موسى (ع) لـمّا سألَ اللهَ تعالى أن ينظرَ إليه، كما في قولِه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُر إِلَيكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُر إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ استَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوفَ تَرَانِي} [الأعرافُ : 143]، إذ مِن غيرِ المعقولِ أن يكونَ نبيٌّ مِن أنبياءِ أولي العزم (عليهم السلام) لا يعرفُ أنّ اللهَ تعالى لا يمكنُ أن يُرى، فيسألهُ ذلكَ السؤال!! ولكنّ العلماءَ بيّنوا أنّ موسى (ع) كانَ يعلمُ بأنّ اللهَ تعالى لا يمكنُ أن يُرى، ولكنّه سأله بلسانِ حالِ قومِه الذينَ كان يلحّونَ عليه في ذلكَ، فأجابَهم إلى طلبهم، ليعرفوا حقيقةَ ذلك. وأزيدُك أمراً آخر، وهوَ ما أخرجَه البخاريّ ومسلمٌ وأبو داود والنسائيّ عن عَائِشَة قَالَت: دخل عَليّ النَّبِيّ (ص) وَعِندِي رجلٌ، فَقَالَ: " يَا عَائِشَة، من هَذَا؟ " قلت: أخي من الرضَاعَة. [ينظر: جامعُ الأصولِ لابنِ الأثيرِ الجزريّ، (ج11/ص478)، رقمُ الحديث (9037)]. وهُنا نسأل: هل كانَ رسولُ الله (ص) يجهلُ ذلكَ الرجلَ الذي دخلَ على عائشة؟ كلّا، بل حاشاهُ مِن ذلك، وإنّما سألها بلسانِ حالِ القومِ الذينَ كانوا يحاولونَ التعرّضَ إلى رسولِ الله (ص) في عرضِه، فعرّفَ القومَ حقيقةَ وجودِه مع عائشة. فإذن: خطاباتُ القرآنِ العظيمِ وكلامُ المعصومينَ يجبُ تأويله وبيانُه بما يناسبُ مقامَهم الشريفَ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق