هل الحزنَ والهمَّ والمرضَ سببُها "الذنوب" ؟
نسمعُ مِن خطباءِ المنابرِ وبعضِ رجالِ الدينِ أنَّ الحزنَ والهمَّ والمرضَ والكثيرَ منَ المواقفِ الصعبةِ سببُها "الذنوبُ" في عقوبةٍ مُعجّلة.. لماذا يعيشُ الكافرُ الغارقُ في ذنبِه إذَن في رخاءٍ دائمٍ وحياةٍ مليئةٍ بالاستقرار؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : تقومُ الحياةُ على تداخلٍ بينَ السننِ والأسباب، والإحاطةُ بها أمرٌ لا يمكنُ تحصيلهُ، وكلُّ ما يمكنُ أن نعرفَه أنَّ الحياةَ لم تكُن حالةً عبثيّةً وإنّما لها حكمةٌ ووراءَها غايةٌ، وقد جاءَت رسالاتُ اللهِ لتُبيّنَ للإنسانِ تلكَ الحكمة وتشرحَ لهُ تلكَ الغاية، فما هوَ معلومٌ بالضرورةِ أنَّ الإنسانَ لم يُخلَق للدّنيا وإنّما جُعلَت الدنيا معبراً لدارِ الآخرة، فأرادَ اللهُ للإنسانِ أن يعيشَ في الدنيا بالشكلِ الذي يؤهّلهُ للعيشِ في عالمِ الآخرة، فإمّا أن يكونَ مُنعّماً في جنّةٍ عرضُها السّماواتُ والأرض وإمّا أن يكونَ مُعذّباً في نارِ جهنّم، وعليه فالمبدأ العامُّ الذي يشملُ جميعَ البشر هوَ كونُ الحياةِ دارَ امتحانٍ وابتلاء، وقد أكّدَت كثيرٌ من آياتِ القرآنِ هذه الحقيقةَ فمِنها قولهُ تعالى: (الَّذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ)، وقالَ تعالى: (كلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ ۗ وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً ۖ وَإِلَينَا تُرجَعُونَ)، وقالَ تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ)، وقالَ تعالى: (وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِّنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِّنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) فالمؤمنُ والكافرُ كلاهما مُعرّضانِ لهذهِ الابتلاءات، والفرقُ أنَّ المؤمنَ يجتازُها بنجاحٍ بينَما يفشلُ الكافرُ فيها، ولا يمنعُ أن يكونَ هناكَ آثارٌ مُترتّبةٌ على طبيعةِ الحياةِ التي يعيشُها المؤمنُ في الدّنيا والتي يعيشُها الكافر، وليسَ بإمكانِ الإنسانِ الوقوفُ على طبيعةِ القوانينِ التي تحكمُ طبيعةَ تلكَ الحياة، فقد تجدُ الكافرَ يعيشُ في ضنكٍ منَ العيشِ في حينِ يعيشُ المؤمنُ في رغدٍ منَ الحياة، بعكسِ ما تصوّرَ السائلُ، وبالتالي لا يمتلكُ الإنسانُ القدرةَ التي تمكّنُه منَ الوقوفِ على معادلاتِ الحياةِ أو التحكّم فيها، وعليهِ فقولُ السّائلِ أنَّ حياةَ الكافرِ والمُذنبِ دائماً في رخاءٍ ليسَ صحيحاً حتّى على مُستوى الرّخاءِ الظاهري والإمكاناتِ الماديّة. وفي نفسِ الوقتِ لا ننفي أن يكونَ للذنوبِ آثارٌ وضعيّةٌ أو قد يعجّلُ اللهُ عقوبتَها في الدنيا قبلَ الآخرة، إلّا أنّنا لا نعرفُ المُعادلةَ التي تحكمُ ذلك، ففي الروايةِ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيراً عجّلَ عقوبتَه في الدنيا، وإذا أرادَ بعبدٍ سوءاً أمسكَ عليه ذنوبَه حتّى يوافيَ بها يومَ القيامة)، فنحنُ نعلمُ بحصولِ ذلك، ولكنّنا لا نعلمُ كيفَ ومتى ولمَن يكونُ ذلك؟ فمثلاً كيفَ لنا أن نعرفَ أنَّ هذا البلاءَ كانَ خيراً للعبد؟ أو أنَّ الرخاءَ الذي هوَ فيه كانَ بسببِ عدمِ الذنبِ أو بسببِ الذنبِ الذي تمَّ تأخيرُ عقوبتِه؟ وعليهِ كلُّ ما نفهمُه منَ الرواياتِ أنَّ الابتلاءات التي تصيبُ المؤمنَ هيَ كفّارةٌ لذنوبِه حتّى يلقى اللهَ وهوَ طاهرٌ مُطهّر، فعن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (إنَّ المؤمنَ إذا قارفَ الذنوبَ ابتليَ بها بالفقر، فإن كانَ في ذلكَ كفّارةٌ لذنوبِه وإلّا ابتليَ بالمرضِ، فإن كانَ ذلكَ كفّارةً لذنوبِه وإلّا ابتليَ بالخوفِ منَ السلطانِ يطلبُه، فإن كانَ ذلكَ كفّارةً لذنوبِه وإلّا ضيّقَ عليه عندَ خروجِ نفسِه، حتّى يلقى اللهَ حينَ يلقاه وما لهُ مِن ذنبٍ يدعيه عليهِ فيأمرَ بهِ إلى الجنّة).
اترك تعليق