لماذا لا توجدُ أحاديثُ مرويّةٌ عن الإمامِ المهديّ (عليهِ السلام)؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،في بادئِ الأمرِ لا بدّ أن يعرفَ السائلُ أنّ ما وردَ في منطوقِ سؤالِه بعدمِ وجودِ أحاديث مرويّةٍ عن الإمامِ الحُجّة (عج) على نحوِ القضيّةِ السالبةِ الكلّيّة، ليسَ صحيحاً، وذلكَ لأنّ الواقعَ هوَ بخلافِ ما طُرحَ في هذا السؤال، إذ هناكَ أحاديثُ مرويّةٌ حقّاً عن الإمامِ المهديّ (عج)، وهيَ وإن كانَت قليلةً بالقياسِ إلى ما وردَ عن آبائِه الطاهرين، نظراً للظروفِ الصعبةِ والقاسيّةِ التي أحاطَت بالإمامِ الحُجّةِ (عج) كما يعرفُ ذلكَ مَن بحثَ في مسألةِ الإمامِ الحُجّة (عج)، إذ جعلت منهُ تلكَ الظروفُ الصعبةُ يلتقي فقَط بالخُلّصِ مِن أصحابِه الأتقياءِ في الغيبةِ الصُغرى في أماكنَ خاصّةٍ وأزمنةٍ معيّنة، ومعَ هذا كلِّه فهناكَ أحاديثُ مرويّةٌ عنه (سلامُ اللهِ عليه) تُسمّى بالتوقيعاتِ الشريفة، وهيَ معروفةٌ بينَ الطائفةِ المُحقّةِ جيلاً مِن بعدِ جيل، نذكرُ بعضاً منها، لتكونَ على بيّنةٍ مِن هذا الأمر. الأوّلُ : ما جاءَ في كتابِ الغيبةِ للشيخِ الطوسيّ (ره) (ص313)، وفي كتابِ الاحتجاجِ للشيخِ الطبرسيّ (ج2/ص277) وغيرِهما عن الشيخِ الموثوقِ أبي عمرو العمري رض قالَ: تشاجرَ ابنُ أبي غانمٍ القزويني وجماعةٌ منَ الشيعةِ في الخلفِ، فذكرَ ابنُ أبي غانمٍ أنّ أبا محمّدٍ ع مضى ولا خلفَ له، ثمَّ إنّهم كتبوا في ذلكَ كتاباً وأنفذوه إلى الناحيةِ وأعلموهُ بما تشاجروا فيه، فوردَ جوابُ كتابِهم بخطِّه صلّى اللهُ عليهِ وعلى آبائِه (بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيمِ عافانا اللهُ وإيّاكم منَ الفتن، ووهبَ لنا ولكُم روحَ اليقين، وأجارَنا وإيّاكُم مِن سوءِ المُنقلب، إنّه أُنهي إليّ ارتيـابُ جماعــةٍ منـــكُم في الدينِ وما دخلَهم منَ الشكِّ والحيـرةِ في ولاةِ أمرِهم، فغمّنا ذلكَ لكُم لا لنا، وساءَنا فيكُم لا فينا، لأنّ اللهَ معنا فلا فاقةَ بنا إلى غيرِه، والحقُّ معنا فلن يوحشَنا مَن قعدَ عنّا، ونحنُ صنائعُ ربّنا والخلقُ بعدُ صنائعُنا، يا هؤلاءِ ما لكُم في الريبِ تتردّدونَ وفي الحيرةِ تنعكسون، أوما سمعتُم اللهِ يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمرِ مِنكُم) أو ما علمتُم ما جاءَت به الآثارُ ممّا يكونُ ويحدثُ في أئمّتِكم على الماضينَ والباقينَ منهم عليهم السلام؟ أوما رأيتُم كيفَ جعل اللهُ لكم معاقلَ تأوونَ إليها وأعلاماً تهتدونَ بها مِن لدنِ آدمَ عليهِ السلام إلى أن ظهرَ الماضي عليهِ السلام، كلّما غابَ علمٌ بدا علم، وإذا أفلَ نجمٌ طلعَ نجم، فلمّا قبضَه اللهُ إليهِ ظننتُم أنّ اللهَ أبطلَ دينَه وقطعَ السببَ بينَه وبينَ خلقِه، كلّا ما كانَ ذلكَ ولا يكونُ حتّى تقومَ الساعةُ ويَظهرَ أمرُ اللهِ وهم كارهونَ، وإنّ الماضيَ عليهِ السلام مضى سعيداً فقيداً على منهاجِ آبائِه عليهم السلام حذوَ النعلِ بالنعل، وفينا وصيّتُه وعِلمه، ومنهُ خلفُه ومَن يسدُّ مسدَّه، ولا ينازعنا موضعَه إلاّ ظالمٌ آثم، ولا يدّعيهِ دونَنا إلاّ كافرٌ جاحد، ولولا أنّ أمرَ اللهِ لا يُغلبُ وسرَّه لا يظهرُ ولا يُعلنُ لظهرَ لكم منِ حقّنا ما تبتزُّ منه عقولُكم ويزيلُ شكوكَكم، ولكنّه ما شاءَ اللهُ كان، ولكلِّ أجلٍ كتاب، فاتّقوا اللهَ وسلِّموا لنا ورُدّوا الأمرَ إلينا، فعلينا الإصدارُ كما كانَ منّا الإيراد، ولا تحاولوا كشفَ ما غُطّيَ عنكم، ولا تميلوا عن اليمينِ وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدَكم إلينا بالمودّةِ على السنّةِ الواضحة، فقد نصحتُ لكُم واللهُ شاهدٌ عليّ وعليكم، ولولا ما عندَنا مِن محبّةِ صاحبِكم ورحمتِكم والإشفاقِ عليكم لكنّا عَن مخاطبتِكم في شُغلٍ ممّا قد امتُحنّا به من مُنازعةِ الظالمِ العتلِّ الضالِّ المُتتابعِ في غيّه، المُضادِّ لربِّه، المُدّعي ما ليسَ له، الجاحدِ حقَّ مَن افترضَ اللهُ طاعتَه، الظالمِ الغاصِب، وفي ابنةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم لي أسوةٌ حسنة، وسيتردي الجاهلُ رداءَ عملِه، وسيعلمُ الكافرُ لمَن عُقبى الدار، عصمَنا اللهُ وإيّاكم منَ المهالكِ والأسواءِ والآفاتِ والعاهاتِ كلّها برحمتِه، إنّه وليُّ ذلكَ والقادرُ على ما يشاء، وكانَ لنا ولكُم وليّاً وحافظاً، والسلامُ على جميعِ الأوصياءِ والأولياءِ والمؤمنينَ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وصلّى اللهُ على النبيّ محمّدٍ وآله وسلّمَ تسليماً. الثاني: وفي كتابِ الاحتجاجِ (ج2/ص279)، وفي البحارِ للمجلسيّ (ج25/ص183) وغيرُهما عن سعدٍ بن عبدِ اللهِ الأشعري عن الشيخِ الصدوقِ أحمدَ إسحاق بنِ سعدٍ الأشعري، أنّه جاءَ بعضُ أصحابِنا يعلمُه أنّ جعفراً بنَ عليٍّ كتبَ إليه كتاباً يعرّفُه نفسَه ويُعلمُه أنّه القيّمُ بعدَ أخيه، وأنّ عندَه مِن علمِ الحلالِ والحرامِ ما يحتاجُ إليه وغيرُ ذلكَ منَ العلومِ كلّها.قالَ أحمدُ بنُ إسحاق فلمّا قرأتُ الكتابَ كتبتُ إلى صاحبِ الزمانِ عليهِ السلام وصيّرتُ كتابَ جعفرٍ في دُرجِه، فخرجَ إليّ الجوابُ في ذلكَ (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم أتاني كتابُك أبقاكَ اللهُ والكتابُ الذي أنفذتَ درجَه وأحاطَت معرفتِي بجميعِ ما تضمّنَه على اختلافِ ألفاظِه وتكرّرِ الخطأ فيه، ولو تدبّرتَه لوقفتَ على بعضِ ما وقفتُ عليه منه، والحمدُ للهِ ربّ العالمينَ حمداً لا شريكَ له على إحسانِه إلينا وفضلِه علينا، أبى اللهُ عزّ وجلَّ للحقِّ إلاّ إتماماً، وللباطلِ إلاّ زهوقاً، وهو شاهدٌ عليّ بما أذكرُه، ولي عليكُم بما أقوله إذا اجتمَعنا لليومِ الذي لا ريبَ فيه ويسألنا عمّا نحنُ فيه مُختلفون، وإنّه لم يجعَل لصاحبِ الكتابِ على المكتوبِ إليه ولا عليكَ ولا على أحدٍ منَ الخلقِ جميعاً إمامةٌ مُفترضةٌ ولا طاعةٌ ولا ذمّــةٌ وسأبيّنُ لكـم جملةً تكتفونَ بها إن شاءَ الله، يا هذا يرحمُــكَ اللهُ إنّ اللهَ تعالى لم يخلِق الخلقَ عبثاً ولا أهملَهم سُدىً، بل خلقَهم بقُدرتِه وجعلَ لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً، ثمَّ بعثَ النبيّينَ عليهم السلام مُبشّرينَ ومُنذرينَ، يأمرونَهم بطاعتِه وينهونَهم عن معصيتِه ويعرّفونَهم ما جهلوهُ مِن أمرِ خالقِهم ودينِهم، وأنزلَ عليهم كتاباً وبعثَ إليهم ملائكةً، وباينَ بينَهم وبينَ مَن بعثَهم إليهم بالفضلِ الذي جعلَه لهم عليهم وما آتاهُم اللهُ منَ الدلائلِ الظاهرة والبراهينِ الباهرة والآياتِ الغالبة، فمِنهم مَن جعلَ النارَ عليهِ برداً وسلاماً واتّخذَه خليلاً، ومنهُم مَن كلّمَه تكليماً وجعلَ عصاهُ ثُعباناً مُبيناً، ومنهُم مَن أحيا الموتى بإذنِ الله، وأبرأ الأكمهَ والأبرصَ بإذنِ الله ومنهُم مَن علّمَه منطقَ الطيرِ وأوتيَ مِن كلِّ شيءٍ، ثمّ بعثَ محمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم رحمةً للعالمين وتمّمَ بهِ نعمتَه وختمَ به أنبياءَه وأرسلَه إلى الناسِ كافّةً، وأظهرَ مِن صدقِه ما أظهرَ، وبيّنَ مِن آياتِه وعلاماتِه ما بيّن، ثمّ قبضَه صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم حميداً فقيداً سعيداً، وجعلَ الأمرَ مِن بعدِه إلى أخيهِ وابنِ عمِّه ووصيّهِ ووارثِه عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام ثمَّ إلى الأوصياءِ مِن ولدِه واحِداً بعدَ واحد، أحيا بهم دينَه وأتمّ بهِم نورَه وجعلَ بينَهم وبينَ إخوتِهم وبني عمِّهم والأدنينَ فالأدنينَ مِن ذوي أرحامِهم فَرقاً بيّناً تُعرَفُ بهِ الحُجّةُ منَ المحجوجِ والإمامُ منَ المأموم، بأن عصمَهم منَ الذنوبِ وبرّأهُم منَ العيوب وطهّرَهم منَ الدنسِ ونزّهَهم منَ اللبس، وجعلَهم خزّانَ علمِه ومستودعَ حكمتِه وموضعَ سرّه، وأيّدهم بالدلائلِ، ولولا ذلكَ لكانَ الناسُ على سواءٍ، ولادّعى أمرَ اللهِ عزّ وجلّ كلُّ أحد، ولما عُرفَ الحقُّ منَ الباطل ولا العلمُ منَ الجهل، وقد ادّعى هذا المُبطلُ المُدّعي على اللهِ الكذبَ بما ادّعاه، فلا أدري بأيّةِ حالةٍ هيَ له رجا أن يتمّ دعواه، بفقهٍ في دينِ اللهِ فواللهِ ما يعرفُ حلالاً مِن حرام، ولا يفرّقُ بينَ خطأٍ وصواب، أم بعلمٍ فما يعلمُ حقّاً مِن باطل، ولا مُحكماً مِن مُتشابه، ولا يعرفُ حدَّ الصلاةِ ووقتَها، أم بورعٍ فاللهُ شهيدٌ على تركِه الصّلاةَ الفرضَ أربعينَ يوماً يزعمُ ذلكَ لطلبِ الشعوذة، ولعلَّ خبرَه تأدّى إليكم، وهاتيكَ ظروفُ مُسكرهِ منصوبة، وآثارُ عصيانِه للهِ عزَّ وجل مشهورةٌ قائمةٌ أم بآيةٍ فليأتِ بها أم بحُجّةٍ فليُقِمها أم بدلالةٍ فليذكُرها قالَ اللهُ عزّ وجل في كتابِه: (بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ حم تَنزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ما خَلَقنَا السَّماواتِ والأرض وما بَينَهُما إِلَّا بِالحقّ وأَجَلٍ مُسَمًّى والَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعرِضُونَ قُل أرأيتم ما تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأَرضِ أَم لَهُم شِركٌ فِي السَّماواتِ إئتوني بِكِتابٍ مِن قَبلِ هذا أَو أَثارَةٍ مِن عِلمٍ إِن كُنتُم صادِقِينَ ومَن أَضَلُّ مِمَّن يَدعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَستَجِيبُ لَهُ إِلى يَومِ القِيامَةِ وهُم عَن دُعائِهِم غافِلُونَ وإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُم أَعداءً وكانُوا بِعِبادَتِهِم كافِرِينَ). فالتمِس ـ تولّى اللهُ توفيقَك ـ مِن هذا الظالمِ ما ذكرتُ لكَ وامتحِنه واسأله عن آيةٍ مِن كتابِ اللهِ يفسّرُها، أو صلاةٍ يبيّنُ حدودَها وما يجبُ فيها، لتعلمَ حالَه ومقدارَه، ويظهرَ لكَ عوارُه ونقصانُه، واللهُ حسيبُه، حفظَ اللهُ الحقَّ على أهلِه، وأقرَّه في مُستقرّه، وأبى اللهُ عزّ وجل أن تكونَ الإمامةُ في الأخوينِ إلاّ في الحسنِ والحُسين، وإذا أذنَ اللهُ لنا في القولِ ظهرَ الحقُّ واضمحلَّ الباطلُ وانحسرَ عنكم، وإلى اللهِ أرغبُ في الكفايةِ وجميلِ الصُّنعِ والولاية، وحسبُنا اللهُ ونعمَ الوكيل وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّد).الثالثُ : وفي كتابِ الاحتجاجِ للطبرسيّ (ج2/ص282)، وفي كتابِ (إثباتِ الهُداةِ للحرِّ العامليّ (ص387) وغيرِهما عن محمّدٍ بنِ يعقوب الكُليني عن إسحاقَ بنِ يعقوب قالَ: سألتُ محمّداً بنَ عثمانَ العُمري رحمَه اللهُ أن يُوصلَ لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائلَ أشكلَت عليّ، فوردَ التوقيعُ بخطِّ مولانا صاحبِ الزمانِ عليهِ السلام (أمّا ما سألتَ عنهُ أرشدكَ اللهُ وثبّتَك ووقاكَ مِن أمرِ المُنكرينَ لي مِن أهلِ بيتِنا وبني عمّنا، فاعلَم أنّه ليسَ بينَ اللهِ عزّ وجلَ وبينَ أحدٍ قرابةٌ، ومَن أنكرَني فليسَ منّي، وسبيلُه سبيلُ ابنِ نوح، وأمّا سبيلُ ابنِ عمّي جعفرٍ وولدِه فسبيلُ إخوةِ يوسفَ عليهِ السلام، وأمّا الفقاعُ فشربُه حرام، ولا بأسَ بالشلماب، وأمّا أموالُكم فلا نقبلُها إلّا لتطهروا فمَن شاءَ فليصِل ومَن شاءَ فليقطع، وما آتانا اللهُ خيرٌ ممّا آتاكم، وأمّا ظهورُ الفرجِ فإنّه إلى اللهِ وكذبَ الوقّاتون، وأمّا قولُ مَن زعمَ أنّ الحُسينَ لم يُقتَل فكُفرٌ وتكذيبٌ وضلال، وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثِنا فإنّهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّةُ الله، وأمّا محمّدٌ بنُ عثمانَ العمري فرضيَ اللهُ عنه وعَن أبيه مِن قبل، فإنّه ثِقتي وكتابُه كتابي، وأمّا محمّدٌ بنُ عليّ بنِ مهزيار الأهوازيّ فسيصلحُ اللهُ قلبَه ويزيلُ عنهُ شكّه، وأمّا ما وصلَنا بهِ فلا قبولَ عندَنا إلاّ لِما طابَ وطهُر، وثمنُ المُغنّيةِ حرام، وأمّا محمّدٌ بنُ شاذانَ بنِ نعيم فإنّه رجلٌ مِن شيعتِنا أهلَ البيت، وأمّا أبو الخطّابِ محمّدٌ بنُ أبي زينبَ الأجدع ملعونٌ وأصحابُه ملعونونَ، فلا تجالِس أهلَ مقالتِهم فإنّي منهُم بريءٌ وآبائي عليهم السلام مِنهم براء، وأمّا المتلبّسونَ بأموالِنا فمَن استحلّ منها شيئاً فأكلَه فإنّما يأكلُ النيران، وأمّا الخُمسُ فقد أُبيحَ لشيعتِنا وجُعلوا منهُ في حلٍّ إلى وقتِ ظهورِ أمرِنا لتطيبَ ولادتُهم ولا تخبُث، وأمّا ندامةُ قومٍ شكّوا في دينِ الله على ما وصلونا به فقد أقَلنا مَن استقالَ فلا حاجةَ إلى صلةِ الشاكّين، وأمّا علّةُ ما وقعَ منَ الغيبةِ فإنَّ اللهَ عزّ وجل يقولُ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تسألوا عَن أَشياءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم) إنّه لم يكُن أحدٌ مِن آبائي إلاّ وقد وقعَت في عُنقِه بيعةٌ لطاغيةِ زمانِه، وإنّي أخرجُ حينَ أخرُج ولا بيعةَ لأحدٍ منَ الطواغيتِ في عُنقي وأمّا وجهُ الانتفاعِ بي في غيبتِي فكالانتفاعِ بالشمسِ إذا غيّبَها عن الأبصارِ السحاب، وإنّي لأمانٌ لأهلِ الأرضِ كما أنّ النجومَ أمانٌ لأهلِ السماء، فأغلِقوا أبوابَ السؤالِ عمّا لا يعنيكم ولا تتكلّفوا عِلمَ ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاءَ بتعجيلِ الفرجِ فإنّ ذلكَ فرجُكم، والسلامُ عليكَ يا إسحاقَ بنَ يعقوب وعلى مَن اتّبعَ الهُدى. الرابعُ: وفي كتابِ الاحتجاجِ للطبرسيّ (ج2/ص284)، وفي كتابِ إثباتِ الهُداة للحرِّ العامليّ (ص394) وغيرِهما عن أبي الحسنِ عليٍّ بنِ أحمد الدلّالِ القُمّي قالَ: اختلفَ جماعةٌ منَ الشيعةِ في أنَّ اللهَ عزّ وجلّ فوّضَ إلى الأئمّةِ ص أن يخلقوا ويرزقوا، فقالَ قومٌ: هذا محالٌ لا يجوزُ على اللهِ تعالى لأنّ الأجسامَ لا يقدرُ على خلقِها غيرُ اللهِ عزّ وجلّ، وقالَ آخرون: بل اللهُ أقدرَ الأئمّةَ على ذلكَ وفوّضَ إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلكَ نزاعاً شديداً فقالَ قائلٌ: ما بالُكم لا ترجعونَ إلى أبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عثمان فتسألوهُ عن ذلكَ ليوضّحَ لكُم الحقَّ فيه، فإنّه الطريقُ إلى صاحبِ الأمرِ، فرضيَت الجماعةُ بأبي جعفرٍ وسلّمَت وأجابَت إلى قولِه، فكتبوا المسألةَ وأنفذوها إليه، فخرجَ إليهم مِن جهتِه توقيعٌ نُسختُه (إنَّ اللهَ تعالى هوَ الذي خلقَ الأجسامَ وقسمَ الأرزاقَ، لأنّه ليسَ بجسمٍ ولا حالٌّ في جسم، ليسَ كمثلِه شيءٌ وهوَ السميعُ البصير، وأمّا الأئمّةُ عليهم السّلام فإنّهم يسألونَ اللهَ تعالى فيخلقُ، ويسألونَه فيرزِق، إيجاباً لمسألتِهم وإعظاماً لحقّهم. الخامسُ: وفي كتابِ الغيبةِ للشيخِ الطوسيّ (ص352)، وفي الاحتجاجِ للطبرسيّ (ج2/ص287) وغيرِهما عن أبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليّ بنِ الحُسين بنِ بابويه القُمّي ره قالَ: حدّثني محمّدٌ بنُ إبراهيم بنِ الاحتجاجِ إسحاق الطالقاني قالَ: كنتُ عندَ الشيخِ أبي القاسمِ الحُسينِ بنِ روح رضيَ اللهُ عنه مع جماعةٍ منهم عليٌّ بنُ عيسى القصري، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ له: أريدُ أن أسألكَ عن شيءٍ، فقالَ له: سَل عمّا بدا لك، فقالَ الرّجل: أخبِرني عن الحُسينِ بنِ عليٍّ عليهِ السلام أهوَ وليُّ الله؟ قالَ: نعم. قالَ: أخبِرني عَن قاتلِه لعنَه اللهُ أهوَ عدوٌّ للهِ؟ قالَ: نعم.قالَ الرّجلُ: فهل يجوزُ أن يُسلّطَ اللهُ عزَّ وجلّ عدوَّه على وليّه؟ فقالَ أبو القاسمِ قدّسَ اللهُ روحَه: اِفهم عنّي ما أقولُ لك، اعلَم أنَّ اللهَ تعالى لا يُخاطِبُ الناسَ بمُشاهدةِ العيان، ولا يشافهُهم بالكلام، ولكنَّه جلَّت عظمتُه يبعثُ إليهم مِن أجناسِهم وأصنافِهم بشراً مثلهم، ولو بعثَ إليهم رُسلاً مِن غيرِ صنفِهم وصورِهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلمّا جاؤوهم وكانوا مِن جنسِهم يأكلونَ الطعامَ ويمشونَ في الأسواقِ قالوا لهم: أنتُم بشرٌ مثلُنا لا نقبلُ منكم حتّى تأتونا بشيءٍ نعجزُ مِن أن نأتي بمثلِه فنعلمُ أنّكم مخصوصونَ دونَنا بما لا نقدرُ عليه، فجعلَ اللهُ عزّ وجل لهُم المُعجزاتِ التي يعجزُ الخلقُ عنها، فمِنهم مَن جاءَ بالطوفانِ بعدَ الإعذارِ والإنذار فغرقَ جميعُ مَن طغى وتمرّد، ومنهُم مَن أُلقيَ في النارِ فكانَت عليهِ برداً وسلاماً، ومِنهم مَن أخرجَ منَ الحجرِ الصلبِ الناقةَ وأجرى مِن ضرعِها لبناً، ومنهم مَن فلقَ لهُ البحرَ وفجّرَ له منَ العيونِ وجعلَ له العصا اليابسةَ ثعباناً تلقفُ ما يأفكون، ومِنهم مَن أبرأ الأكمهَ والأبرصَ وأحيا الموتى بإذنِ الله وأنبأهُم بما يأكلونَ وما يدّخرونَ في بيوتِهم، ومنهم مَن انشقَّ له القمرُ وكلّمَته البهائمُ مثلَ البعيرِ والذئبِ وغيرِ ذلك فلمّا أتوا بمثلِ ذلك، وعجزَ الخلقُ عن أممِهم مِن أن يأتوا بمثلِه، كانَ مِن تقديرِ اللهِ جلَّ جلاله ولُطفه بعبادِه وحكمتِه أن جعلَ أنبياءَه معَ هذهِ المُعجزاتِ في حالٍ غالبينَ وأخرى مغلوبين، وفي حالٍ قاهرينَ وأخرى مقهورين، ولو جعلَهم اللهُ في جميعِ أحوالهم غالبينَ وقاهرينَ ولم يبتلِهم ولم يمتحِنهم لاتّخذَهم الناسُ آلهةً مِن دونِ اللهِ عزّ وجل، ولَما عُرفَ فضلُ صبرِهم على البلاءِ والمحنِ والاختبارِ، ولكنّه جعلَ أحوالَهم في ذلكَ كأحوالِ غيرِهم ليكونوا في حالِ المحنةِ والبلوى صابرينَ، وفي حالِ العافيةِ والظهورِ على الأعداءِ شاكرين، ويكونوا في جميعِ أحوالهم متواضعينَ غيرَ شامخين ولا مُتجبّرين، وليعلمَ العبادُ أنّ لهُم عليهم السلام إلهاً هوَ خالقُهم ومُدبّرُهم فيعبدوهُ ويُطيعوا رسله، وتكونَ حُجّةُ اللهِ ثابتةً على مَن تجاوزَ الحدَّ فيهم وادّعى لهُم الربوبيّةَ أو عاندَ وخالفَ وعصى وجحدَ بما أتَت به الأنبياءُ والرّسلُ، وليهلكَ مَن هلكَ عَن بيّنةٍ ويحيا مَن حييَ عن بيّنةٍ. قالَ محمّدٌ بنُ إبراهيم بنِ إسحاق رض: فعدتُ إلى الشيخِ أبي القاسمِ الحُسينِ بنِ روح ره في الغدِ وأنا أقولُ في نفسي (أتراهُ ذكرَ لنا ما ذكرَ يومَ أمس مِن عندِ نفسِه) فابتدأني وقالَ: يا محمّدُ بنُ إبراهيم لأن أخرَّ منَ السماءِ فتختطفنِي الطيرُ أو تهوي بي الريحُ في مكانٍ سحيقٍ أحبُّ إليَّ مِن أن أقولَ في دينِ اللهِ برأيي ومِن عندِ نفسي، بل ذلكَ عن الأصلِ ومسموعٌ منَ الحُجّةِ صلواتُ اللهِ عليهِ وسلامُه. هذا ما لدينا باختصارٍ عن هذهِ المسألةِ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق