هل خلق النبي محمد (ص) من نورٌ منَ الله؟

في ليلةِ الإسراءِ والمِعراج قالَ جبرئيلُ (ع) تقدّم يا محمّد، فإن أنا تقدّمتُ احترَقت، كيفَ نردُّ على مَن يقولُ أنَّ النبيَّ (ص) نورٌ منَ الله؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

إنّ مَن يغوصُ في الكتبِ الحديثيّةِ ويسبرُ الرواياتِ ويدقّقُ في كلماتِ أهلِ العلم، سيذعنُ في نهايةِ المطافِ إلى حقيقةِ كونِ النبيّ (ص) يتّصفُ بجنبةٍ نورانيّةٍ أفاضَها اللهُ تعالى عليه، وأنّه ليسَ صحيحاً أن ننكرَ ذلكَ كما يفعلُ أصحابُ المذهبِ الوهابيّ بادّعاءِ أنّ ذلكَ يخالفُ قوله تعالى: ((قُل إنّما أنا بشرٌ مثلُكم يوحى إليَّ إنّما إلهُكم إلهٌ واحد)) (الكهفُ: الآية 110)، ما دامَ هناكَ توجيهٌ صحيحٌ مقبولٌ يُبيّن حقيقةَ هذا الأمرِ، إذ المستندُ في ذلكَ وجودُ طائفةٍ منَ الرواياتِ أشارَت إلى ذلك، فمِنها:

1- ما رواهُ الشيخُ الصدوقُ (ره) في كتابيه عيونُ أخبارِ الرّضا (ع )، (ج١/ص238)، وكتابِه الآخر عللُ الشرائع، (ج ١/ ص ٤٣) في بابِ 7 - العلّة التي مِن أجلِها صارَت الأنبياءُ والرسلُ والحُججُ صلواتُ اللهِ عليهم أفضلَ منَ الملائكة، إذ أوردَ بإسنادِه إلى المحدّثِ الثقةِ عبدِ السلام بنِ صالحٍ الهروي عن عليٍّ بنِ موسى الرّضا عن أبيهِ موسى بنِ جعفر عن أبيهِ جعفرٍ بنِ محمّد عن أبيهِ محمّدٍ بنِ عليّ عن أبيهِ عليٍّ بنِ الحُسين عن أبيه الحُسينِ بنِ عليّ عن أبيه عليٍّ ابنِ أبي طالب عليهم السّلام قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ما خلقَ اللهُ خلقاً أفضلَ منّي ولا أكرم عليهِ منّي ، قالَ عليٌّ عليهِ السلام فقلتُ: يا رسولَ الله فأنتَ أفضلُ أم جبرئيلُ فقالَ يا عليّ، إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى فضّلَ أنبياءَه المُرسلينَ على ملائكتِه المُقرّبين وفضّلني على جميعِ النبيّينَ والمُرسلين ، والفضلُ بعدي لكَ يا علي وللأئمّةِ مِن بعدِك ، وإنّ الملائكةَ لخُدّامنا وخدّامُ مُحبّينا . يا عليّ ، الذينَ يحملونَ العرشَ ومِن حولِه يُسبّحونَ بحمدِ ربّهم ويستغفرونَ للذينَ آمنوا بولايتِنا ، يا عليّ لولا نحنُ ما خلقَ اللهُ آدمَ ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض ، فكيفَ لا تكونُ أفضلَ منَ الملائكة ، وقد سبقناهُم إلى معرفةِ ربّنا وتسبيحِه وتهليلِه وتقديسِه، لأنَّ أوّلَ ما خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ خلقَ أرواحَنا فأنطقَنا بتوحيدِه وتحميدِه ، ثمَّ خلقَ الملائكةَ فلمّا شاهدوا أرواحَنا نوراً واحداً استعظموا أمرَنا فسبّحنا لتعلمَ الملائكةُ أنّا خلقٌ مَخلوقون ، وأنّه مُنزّهٌ عن صفاتِنا ، فسبّحَتِ الملائكةُ بتسبيحِنا ونزّهَته عن صفاتِنا، فلمّا شاهدوا عظمَ شأنِنا هلّلنا ، لتعلمَ الملائكةُ أن لا إلهَ إلّا الله وأنّا عبيدٌ ولسنا بآلهةٍ يجبُ أن نُعبدَ معَه أو دونه ، فقالوا : لا إلهَ إلّا الله ، إلى أن قالَ جبرئيل: تقدَّم يا محمّد وتخلّف عنّي، فقلتُ له : يا جبرئيلُ في مثلِ هذا الموضعِ تُفارقُني ؟ !

فقالَ: يا محمّدُ انتهاءُ حدّي الذي وضعَني اللهُ عزَّ وجلَّ فيه إلى هذا المكانِ فإن تجاوزتُه احترقَت أجنحَتي بتعدّي حدودِ ربّي جلَّ جلاله، فزخَّ بي النورُ زخّةً حتّى انتهيتُ إلى ما شاءَ الله عزَّ وجل مِن علوِّ مكانِه فنُوديتُ فقلتُ : لبيكَ ربّي وسعديك تباركتَ وتعاليت فنوديتُ : يا مُحمّد أنتَ عبدٌ وأنا ربّك، فإيّاي فأعبُد، وعليَّ فتوكّل، فإنّكَ نوري في عبادي ورسولي إلى خلقِي وحُجّتي على بريّتي لكَ ولمَن تبعكَ خلقتُ جنّتي ولمَن خالفكَ خلقتُ ناري ولأوصيائِك أوجبتُ كرامَتي ولشيعتِهم أوجبتُ ثوابي فقلتُ : يا ربِّ ومَن أوصيائي ؟ فنوديتُ : يا مُحمّد أوصياؤكَ المكتوبونَ على ساقِ عرشي فنظرتُ وأنا بينَ يدي ربّي جلَّ جلاله إلى ساقِ العرشِ فرأيتُ إثنا عشرَ نوراً في كلِّ نورٍ سطرٌ أخضرٌ عليهِ اسمُ وصيٍّ مِن أوصيائي أوّلُهم عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام وآخرُهم مهديُّ أمّتي فقلتُ : يا ربِّ هؤلاءِ أوصيائي بعدي ؟ فنوديتُ : يا محمّدُ هؤلاءِ أوصيائي وأحبّائي وأصفيائي وحُججي بعدَك على بريّتي وهُم أوصياؤك وخُلفاؤك وخيرُ خلقي بعدَك وعزّتي وجلالي لأظهرنَّ بهم ديني ولأعلينَّ بهم كلمَتي ولأطهرنَّ الأرضَ بآخرِهم مِن أعدائي ولأملّكنَّه مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ولأسخّرنَّ له الرياحَ ولأذلّلنَّ له السّحابَ الصّعابَ ولأرقينَّه في الأسبابِ ولأنصرنَّه بجُندي ولأمدنّه بملائكتِي حتّى يُعلنَ دعوتي ويجمعَ الخلقَ على توحيدي ثمَّ لأديمنَّ مُلكَه ولأداولنَّ الأيّامَ بينَ أوليائي إلى يومِ القيامة.

فهذا الحديثُ هو موردُ عنايةِ علماءِ أهلِ البيت عليهم السلام قديماً وحديثاً يتناقلونَه في كتبِهم ومصنّفاتِهم بغيرِ نكير، وقد وردَ في نصِّ الحديثِ صريحاً أنَّ اللهَ عزّ وجلّ خاطبَ النبيَّ (ص) بقولِه له: إنّك نوري في عبادِي ورسولي إلى خلقي ...الحديث.

2- روى ابنُ مردويه في (المناقبِ) عن عليٍّ (ع): أنَّ النبيَّ (ص) قال: (كنتُ أنا وعليٌّ نوراً بينَ يدي اللهِ تعالى قبلَ أن يخلقَ آدمَ بأربعةَ عشرَ ألف عام ، فلمّا خلقَ اللهُ آدمَ قسّمَ ذلكَ النورَ جُزأين ، فجُزءٌ أنا وجُزءٌ علي). 

3- وروى بسندٍ آخرٍ عن الإمامِ الباقرِ عن أبيهِ عن جدّه (عليهم السلام) عن رسولِ الله (ص) قريباً منه. (المناقبُ ص286). وأيضاً رواهُ أحمد في (المُسند 5: 143 وفي الفضائلِ 2: 64).

4- وروى القاضي عيّاض في (الشفاء 1: 83): عن ابنِ عبّاس: (إنَّ النبيَّ (ص) كانَت روحُه نوراً بينَ يدي اللهِ تعالى قبلَ أن يخلقَ آدم بألفي عام، وتسبّحُ الملائكةُ بتسبيحِه، فلمّا خلقَ اللهُ آدم ألقى ذلكَ النورَ في صُلبِه)). (وانظر أيضاً: السيرةُ الحلبيّة 1: 49، تذكرةُ خواصِّ الأمّة: 46).

الرياضُ النضرة 2: 217). وغيرُها منَ المصادرِ التي أشارَت إلى ذلك. وتوجيهُ هذه الأحاديثِ الشريفةِ المُتضافرةِ هيَ أنّها تشيرُ إلى حقيقةٍ مفادُها أنَّ النبيَّ (ص) قد خلقَه اللهُ ومنحَه جنبتين، جنبةً نورانيّة، وجنبةً ماديّة، والجنبةُ النورانيّة هيَ التي يستطيعُ مِن خلالِها أن يتّصلَ بعالمِ الملكوت، والجنبةُ الماديّةُ هيَ التي يتّصلُ مِن خلالِها بعالمِ الملك. فكانَ (ص) هو الواسطةَ بينَ السّماءِ والأرض، ينقلُ كلامَ السّماءِ وتعاليمِها إلى أهلِ الأرضِ بمُقتضى الرسالةِ التي أناطَه اللهُ بتبليغِها إلى العبادِ. ومَن أرادَ التفصيلَ في هذهِ المسألةِ فليرجِع إلى كتابِ (النبيّ الأعظمِ (ص) ووجودِه النوريّ) للشيخِ مُسلمٍ الداوريّ. ودمتُم سالِمين.