أحتاجُ إلى بعضِ الأحاديثِ الصحيحةِ عن أهلِ البيتِ عليهم السلام في عقوبةِ تاركِ الصلاةِ معَ ذكرِ المصدرِ والصفحة؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،أقولُ في بادئِ الأمر: لا بُدَّ منَ التأكيدِ على أنّ الصّلاةَ في الدينِ الإسلاميّ لها منزلةٌ عظيمة، ومكانةٌ رفيعة، فهيَ عمودُ الدينِ الذي لا يقومُ إلّا به؛ وهيَ أيضاً شريعةٌ للأنبياءِ والمُرسلينَ عليهم الصّلاةُ والسلام، التي أوحى اللهُ سُبحانَه وتعالى بها إليهم، قالَ اللهُ سبحانَه وتعالى: ((وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ))، فهيَ - إذن - ذاتُ أهمّيّةٍ كبيرةٍ، وذاتُ قدرٍ عظيم، ثُمَّ إنّ الصّلاةَ تُعِينُ العبدَ على ما يصيبُه مِن مصائبَ وشدائد في حياتِه، قالَ اللهُ سبحانَه وتعالى: ((وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلَاةِ)). والصّلاةُ وسيلةٌ في حفظِ الأمنِ في المُجتمع، والقضاءِ على الجريمةِ فيه، وتربيةِ أفرادِه على الفضيلةِ والعفّة، قالَ اللهُ سبحانَه وتعالى: ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ)). ولذا كانَت إقامتُها والمحافظةُ عليها واجباً على كُلِّ مكلّف، قالَ سُبحانَه وتعالى: ((وَأَن أَقِيمُوا الصَّلاةَ))، وقالَ تعالى: ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسطَى)).ولأهمّيّةِ الصّلاةِ فإنّ الشارعَ المُقدّسَ حذّرَ الذينَ غرّتهم الحياةُ الدّنيا وشهواتُها، فأضاعوا الصّلاةَ مُبيّناً لهُم عاقبةَ أمرِهم في ذلك، قالَ تعالى: ((فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا ))، وقالَ تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشرِكِينَ()، وقالَ تعالى: ((ما سَلَكَكُم في سَقَر، قالوا لم نكُ منَ المصلّين، ولم نكُ نطعمُ المِسكين، وكنّا نخوضُ معَ الخائضين)). إلى غيرِ ذلكَ منَ الآياتِ الكريمةِ في هذا الصّدد. ثُمَّ إنَّ السنّةَ الشريفةَ هيَ كذلكَ قد أكّدَت على أهمّيّةِ الصّلاةِ وحذّرَت منَ الاستخفافِ بها أو تركِها، وقد جاءَت الأحاديثُ صريحةً في أنّ تاركَ الصّلاةِ مِن غيرِ سببٍ يُعَـدُّ كافراً، وإليكَ بعضاً مِـمّا انتقيناهُ لكَ منَ الأحاديثِ الصحيحةِ التي تُثبتُ ذلك، فمِنها ما رواهُ الشيخُ الجليلُ أحمد بنُ محمّدٍ بنِ خالدٍ البُرقيّ في كتابِه المحاسن (1/ص79): عن أبيهِ ، عن الحسنِ بنِ عليّ بن فضّال ، عن عبدِ اللهِ بنِ بكير ، عن عُبيدٍ بنِ زُرارة ، قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام عن قولِ اللهِ عزّ وجلّ: ومَن يكفُر بالإيمانِ فقد حبطَ عمله؟ قالَ: تركُ الصلاةِ الذي أقرَّ به، قلتُ: فما موضعُ تركِ العملِ حينَ يدعُه أجمع ؟ قالَ: منهُ الذي يدعُ الصّلاةَ مُتعمّداً، لا مِن سُكرٍ، ولا مِن علّة. وقد أوردَه ثقةُ الإسلامِ الشيخُ الكُلينيّ في الكافي (ج2/ص384) بإسنادِه إلى زُرارةَ قالَ سألتُ أبا عبدِ الله ( عليهِ السلام ) عن قولِ اللهِ عزَّ وجل : " ومَن يكفُر بالإيمانِ فقد حبطَ عمله؟ " قالَ : تركُ العملِ الذي أقرَّ به ، مِن ذلكَ أن يتركَ الصّلاةَ مِن غيرِ سُقمٍ ولا شُغل. وروى أيضاً ثقةُ الإسلامِ الكُلينيّ في كتابِه الكافي (ج2/ص278) : عن عليٍّ بنِ إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابنِ أبي عُمير ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ الحجّاجِ عن عبيدٍ بنِ زرارة قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله ( عليهِ السلام ) عن الكبائر ، فقالَ : هُنَّ في كتابِ عليٍّ (عليهِ السلام ) سبعٌ: الكفرُ بالله ، وقتلُ النفسِ ، وعقوقُ الوالدين ، وأكلُ الرّبا بعدَ البيّنة، وأكلُ مالِ اليتيم ظُلماً ، والفرارُ منَ الزحفِ ، والتعرّبُ بعدَ الهجرة ، قالَ: فقلتُ: فهذا أكبرُ المعاصي؟ قالَ: نعم، قلتُ: فأكلُ درهمٍ مِن مالِ اليتيمِ ظُلماً أكبر أم تركُ الصّلاة ؟ قالَ: تركُ الصّلاةِ، قلتُ: فما عددتَ تركَ الصّلاةِ في الكبائر؟ فقالَ : أيُّ شيءٍ أوّلُ ما قلتُ لك؟ قالَ: قلتَ الكفرَ، قالَ: فإنّ تاركَ الصّلاةِ كافرٌ. يعني مِن غيرِ علّة.وفي حديثٍ آخر للكُلينيّ (ج2/ص285) قالَ: عدّةٌ مِن أصحابِنا، عن أحمدَ بن محمّدٍ بنِ خالد، عن عبدِ العظيمِ بنِ عبدِ اللهِ الحسنيّ قالَ : حدّثني أبو جعفرٍ (صلواتُ اللهِ عليه ) قالَ : سمعتُ أبي يقول : سمعتُ أبي موسى بنَ جعفرٍ (عليهم السلام) يقولُ: دخلَ عمرو بنُ عبيدٍ على أبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) فلـمّا سلّمَ وجلسَ، تلا هذهِ الآية : (الذينَ يجتنبونَ كبائرَ الإثمِ والفواحش )، ثُمَّ أمسَك. فقالَ له أبو عبدِ الله ( عليهِ السلام ) : ما أَسكَتَكَ ؟ قالَ : أحبُّ أن أعرفَ الكبائرَ مِن كتابِ اللهِ عزّ وجلّ ، فقالَ: نعم يا عمرو، أكبرُ الكبائر: الإشراكُ بالله ، يقولُ الله : (( ومَن يُشرِك باللهِ فقد حرّمَ اللهُ عليهِ الجنّة ))، وبعدَه الإياسُ مِن روحِ الله ، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقول : ((إنّه لا ييأسُ مِن روحِ اللهِ إلّا القومُ الكافرون ))، ثُمَّ الأمنُ لمكرِ الله ، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقول: ((فلا يأمَن مكرَ اللهِ إلّا القومُ الخاسرون ))، ومِنها عقوقُ الوالدين، لأنّ اللهَ سبحانَه جعلَ العاقَّ جبّاراً شقيّاً، وقتلُ النفسِ التي حرّمَ اللهُ إلّا بالحقّ ، لأنَّ اللهَ عزّ وجلّ يقولُ : ((فجزاؤه جهنّمَ خالداً فيها . . .إلى آخرِ الآية))، وقذفُ المُحصنة ، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقولُ : ((لُعنوا في الدّنيا والآخرة، ولهُم عذابٌ عظيم))، وأكلُ مالِ اليتيم ، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقولُ : ((إنّما يأكلونَ في بطونِهم ناراً وسيصلونَ سعيراً))، والفرارُ منَ الزحف، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقولُ : ((ومَن يولّهم يومئذٍ دُبرَه إلّا مُتحرّفاً لقتالٍ أو مُتحيّزاً إلى فئةٍ، فقد باءَ بغضبٍ منَ الله ومأواهُ جهنّم وبئسَ المصير))، وأكلُ الرّبا، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقول : ((الذينَ يأكلونَ الرّبا لا يقومونَ إلّا كما يقومُ الذي يتخبّطُه الشيطانُ منَ المسّ))، والسحرُ ، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقول : ((ولقد علموا لمَن اشتراهُ ما لهُ في الآخرةِ مِن خلاقٍ))، والزّنا ، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقول : ((ومَن يفعَل ذلكَ يلقَ أثاماً ، يضاعَف لهُ العذابُ يومَ القيامةِ ويخلدُ فيهِ مُهاناً))، واليمينُ الغَموسُ الفاجرة، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقولُ : ((الذينَ يشترونَ بعهدِ اللهِ وأيمانِهم ثمناً قليلاً أولئكَ لا خلاقَ لهُم في الآخرة ))، والغلولُ لأنّ اللهَ عزّ وجلّ يقولُ : ((ومَن يغلُل يأتِ بما غلَّ يومَ القيامة))، ومنعُ الزكاةِ المفروضةِ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول : ((فتُكوى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم ))، وشهادةُ الزورِ ، وكتمانُ الشهادةِ، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلّ يقول : ((ومَن يكتُمها فإنّه آثمٌ قلبُه))، وشربُ الخَمر، لأنّ اللهَ عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادةِ الأوثان، وتركُ الصّلاةِ مُتعمّداً ، أو شيئاً مِـمّا فرضَ الله، لأنّ رسولَ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) قالَ : مَن تركَ الصّلاةَ مُتعمّداً فقد برئَ مِن ذمّةِ الله وذمّةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله )، ونقضِ العهدِ وقطيعةِ الرحمِ، لأنَّ اللهَ عزّ وجلّ يقول : ((أولئكَ لهُم اللعنةُ ولهُم سوءُ الدار))، قالَ : فخرجَ عمرو ، وله صراخٌ مِن بكائِه وهوَ يقول: هلكَ مَن قالَ برأيه، ونازعَكم في الفضلِ والعِلم. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق