هل صحيحٌ أنّ الإمامَ عليّاً (ع) سمّى أولادَه بأسماءِ الخُلفاءِ أبي بكرٍ وعُمر وعثمان ؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،الجوابُ عن هذا السؤالِ المُتكرّرِ مِن وجوه: أحدُها: أنّ هذهِ الأسماءَ ليسَت حِكراً على هؤلاء، إذ تبيّنَ لنا مِن خلالِ التاريخِ الذي وصلَ إلينا أنّ هناكَ عدداً منَ الصّحابةِ يحملونَ الأسماءَ نفسَها كما في كتابِ الاستيعابِ لابنِ عبدِ البرّ، وأُسدِ الغابةِ لابنِ الأثير، والإصابةِ لابنِ حجرٍ العسقلانيّ وغيرِها منَ الكتبِ التي عرضَت لذلك، وقد كانَ فيهم مَن يُحبّهم الإمامُ عليّ (عليهِ السلام)، ويهتمُّ بهم مثلَ عُمر بنِ أبي سلمة ربيبِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، الذي شهدَ معَ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام)، حربَ الجملِ واستعملهُ (عليهِ السلام) على البحرين، وعلى فارس. والثاني: إنّ المعروفَ بينَ أهلِ العلم أنّ الإمامَ عليّاً عليهِ السلام قد سمّى أحدَ أولادِه باسمِ (عُثمان)، وقد بيّنَ السّببَ في تسميتِه بهذا الاسمِ قائلاً : إنّما سمّيتُه باسمِ أخي عثمانَ بنِ مظعون. (ينظر: قاموسُ الرجالِ للتستريّ ج6 ص287 عن أبي الفرج). والثالثُ: لم يثبُت أنّ الإمامَ عليّاً عليهِ السلام قد سمّى أولادَه على أسماءِ الخلفاءِ الثلاثةِ وخصوصاً أبي بكرٍ وعُمر؛ وإلّا لو كانَ الأمرُ كذلك، فلماذا رفضَ أن يسيرَ بسيرةِ الخليفتين أبي بكرٍ وعُمر في الحادثةِ المشهورةِ التي رواها أربابُ السيرِ والتاريخ؟ فعلى سبيلِ المثال: وردَ في كتابِ البدءِ والتاريخ (ج5/ص192) للمُطهّرِ بنِ طاهر المقدسيّ (المتوفّى: نحوَ 355هـ)، قالَ:[لـمّا] اجتمعَ الناسُ في المسجد، صعدَ عبدُ الرحمنِ بنُ عوف المنبرَ ودعى عليّاً، وقالَ أنا أبايعُك على كتابِ اللهِ وسنّةِ رسولِه وسيرةِ الخليفتينِ أبي بكرٍ وعُمر، فقالَ عليٌّ أمّا كتابُ اللهِ وسنّةُ رسولِه فنعم، فإنّهما يأتيانِ على كلّ شيءٍ ثُمَّ اجتهدُ في نفسي، ثمَّ دعا عثمانَ وقالَ مثلَ قوله الأوّلِ فقالَ عُثمان نعم. فرفعَ عبدُ الرحمنِ رأسَه فقالَ اللَّهُمّ اشهد فبايعَه فتبادرَ الناسُ يبايعونَه هذا المذكورُ في كتبِ التاريخ. والرابعُ: في خصوصِ اسمِ أبي بكر ، فإنّ الإمامَ عليّاً عليهِ السلام لم يسمِّ ولدَه بهذا الاسم ، بل كانَت هذهِ كُنيةٌ لمحمّدٍ الأصغر، وليسَ ثمّةَ ما يدلُّ على أنَّ الإمامَ عليّاً (عليهِ السلام)، هوَ الذي كنّاهُ بها. وأمّا التسميةُ بعُمر، فلعلّها كانَت لأجلِ عُمرَ بنِ أبي سلمةَ أو غيرِه كما أشَرنا إلى ذلك آنفاً. والخامسُ: أنّ كثيراً منَ النساءِ اللواتي يُرزقنَ أولاداً يرغبنَ في تسميةِ أبنائهنَّ باسمِ بعضِ مَن يعزُّ عليهنَّ ، كالأبِ أو الأخِ أو الجدّ أو ما إلى ذلك، فلعلّ تسميةَ بعضِ أولادِه (عليهِ السلام)، قد جاءَت استجابةً لرغبةِ بعضِ نسائِه. وفي نهايةِ المطافِ نقول: إنّ محاولةَ تسويقِ مثلِ هذه الأمورِ وفرضِها مِن خلالِ الإعلامِ المُضلّلِ والمُزيّفِ لإثباتِ واقعٍ لا وجودَ له، تُعَـدُّ محاولةً فاشلة، والإصرارُ على طرحِها وتكرارِها بينَ الحينِ والحين لا يغيّرُ مِن أحداثِ التأريخِ الصحيحِ وما جرى مِن أحداثٍ مؤلمةٍ على أهلِ بيتِ المُصطفى صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق