هل كانَت السيّدةُ نرجس (عليها السلام) تشعرُ بحملِها؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،إنَّ السيّدةَ نرجس (عليها السلام) كانَت تعلمُ أنّها ستلدُ المولودَ الذي سيملكُ الدّنيا ويملأ الأرضَ قِسطاً وعدلاً، ففي الروايةِ أنّها عندَما دخلَت على الإمامِ عليٍّ الهادي (عليهِ السلام) قالَ لها: « فإنّي أريدُ أن أكرِمك، فأيّما أحبُّ إليك: عشرةُ آلافِ درهم، أم بُشرى لكِ فيها شرفُ الأبد؟ قالت: بل البُشرى، قالَ (عليهِ السلام): فأبشري بولدٍ يُملَّكُ الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرضَ قِسطاً وعدلاً كما مُلئَت ظُلماً وجوراً »، ثمّ قالَ الإمامُ (عليهِ السلام): « يا كافور، ادعُ لي أختي حكيمة، فلمّا دخلَت عليه قالَ (عليهِ السلام) لها: ها هيه، فاعتنقَتها طويلاً، وسُرَّت بها كثيراً، فقالَ لها مولانا: يا بنتَ رسولِ الله، أخرجيها إلى منزلِك، وعلّميها الفرائضَ والسّنن، فإنّها زوجةُ أبي محمّدٍ وأمّ القائم (عليهِ السلام) ». [كمالُ الدينِ ص423، الغيبةُ للطوسي ص214، دلائلُ الإمامة ص495]. وهيَ واضحةٌ في أنّ الإمامَ (عليهِ السلام) بشّرَ السيّدةَ نرجس (عليها السلام) بأنّها ستلدُ المولودَ المُنتظر الذي سيُحقّقُ العدلَ الإلهيّ في الأرض، فهيَ كانَت تعلمُ ذلكَ منذُ دخولِها بيتَ الإمامِ (عليهِ السلام). وقد كانَت الظروفُ الأمنيّةُ إذ ذاكَ في غايةِ الحساسيّةِ والخطورة، كما كانَت عندَ ولادةِ النبيّ موسى (عليهِ السلام)، فإنّ فرعون كانَ يعلمُ بأنّه سيلدُ مولوداً تكونُ خاتمةُ مُلكِه وفرعنتِه على يديه، لهذا سخّرَ كاملَ قوّتِه وبطشِه وجواسيسِه للتفتيشِ عن ذاكَ المولود، وفعلَ ما فعلَ منَ الشنائعِ لإخمادِ نورِه، إلّا أنّهم يمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين، وهكذا كانَ الحالُ في زمانِ الإمامينِ الهادي والعسكريّ (عليهما السلام)، فإنّ السلطةَ العباسيّةَ كانَت تعلمُ أنّه سيولدُ مِن هذا البيتِ ذاكَ المولودُ الذي سيملكُ الأرضَ شرقاً وغرباً، وسيقضي على كلِّ ظُلمٍ وجور، فجعلَت الإمامَ الهادي (عليهِ السلام) تحتَ الإقامةِ الجبريّةِ في سامرّاء الذي يُعدُّ معقلاً للعسكر، وجعلَت عليهم العيونَ والجواسيس، وراقبَت تحرّكاتِ أهلِ بيتِه وأصحابِه وأعوانه، وهكذا حالُ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام)، في تلكَ الظروفِ الأمنيّةِ الحسّاسةِ كانَت ولادةُ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه)، معَ أنّ السلطةَ دخلَت غيرَ مرّةٍ على بيتِ الإمامِ وفتّشَته وجاءَت بالقوابلِ لتفحّصِ النساءِ مِن أهلِ بيتِه طلباً للولد، فشاءَت المشيئةُ الإلهيّةُ أن يخفى أثرُ الحملِ عن السيّدةِ الجليلةِ نرجس (عليها السلام)، فلا يظهرُ عليها الآثارُ التي ينبغي ظهورُها على المرأةِ الحامل. روى الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص424] بالإسنادِ عن السيّدةِ حكيمة (عليها السلام) قالت: « بعثَ إليّ أبو محمّدٍ الحسنُ بنُ عليّ (عليهما السلام)، فقال: يا عمّة، اجعلي إفطارَك هذهِ الليلةَ عندَنا، فإنّها ليلةُ النصفِ مِن شعبان، فإنّ اللهَ تباركَ وتعالى سيُظهرُ في هذهِ الليلةِ الحُجّة، وهوَ حُجّتُه في أرضِه، قالت: فقلتُ له: ومَن أمُّه؟ قالَ لي: نرجس، قلتُ له: جعلَني اللهُ فداك، ما بها أثرٌ، فقالَ: هوَ ما أقولُ لك، قالت: فجئتُ، فلمّا سلّمتُ وجلستُ جاءَت تنزعُ خفّي، وقالت لي: يا سيّدتي وسيّدةَ أهلي، كيفَ أمسيت؟ فقلتُ: بل أنتِ سيّدتي وسيّدةُ أهلي، قالت: فأنكرَت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟ قالت: فقلتُ لها: يا بُنيّة، إنّ اللهَ تعالى سيهبُ لكِ في ليلتِك هذهِ غُلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلَت واستحيَت ». وهذهِ الروايةُ ظاهرةٌ في أمرين: الأوّلُ: أنّ أثرَ الحملِ لم يكُن ظاهراً على السيّدةِ نرجس (عليها السلام)، ولكنَّ هذا لا يلازمُ شعورَها ومعرفتَها بالحمل، فإنّها إذ ذاكَ كانَت حاملةً لنورِ بقيّةِ اللهِ الأعظم، ولا شكَّ أنّ هذا النورَ كانَ له أثرٌ كبيرٌ على روحِها ونفسِها وكيانها، غايةُ الأمرِ أنّ اللهَ تعالى أخفى الأثرَ الظاهريّ للحملِ عن أعينِ الناس، والآخرُ: أنّها كانَت تعلمُ أنّها حاملٌ بسيّدِ أهلِ الأرض، ولهذا عندَما قالت لها السيّدةُ حكيمة: « يا بنيّة، إنّ اللهَ تعالى سيهبُ لكِ في ليلتِك هذه غُلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة » نجدُها « خجلَت واستحيت »، فلم تُنكِر أو تتفاجأ مِن ذلكَ لو كانَت لم تشعُر أو لم تعلَم بحملِها.وروى الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص427] عن السيّدةِ حكيمة (عليها السلام)، أنّ الإمامَ العسكريّ (عليهِ السلام) قالَ لها: « يا عمّتا، بيتي الليلةَ عندَنا، فإنّه سيولدُ الليلةَ المولودُ الكريمُ على اللهِ (عزّ وجلّ)، الذي يُحيي اللهُ (عزّ وجلّ) به الأرضَ بعدَ موتِها، فقلت: ممَّن يا سيّدي، ولستُ أرى بنرجسَ شيئاً مِن أثرِ الحبل؟ فقالَ: مِن نرجسَ لا مِن غيرِها، قالت: فوثبتُ إليها، فقلبتُها ظهراً لبطن، فلم أرَ بها أثرَ حبل، فعدتُ إليه (عليهِ السلام) فأخبرتُه بما فعلتُ فتبسّم، ثمّ قالَ لي: إذا كانَ وقتُ الفجرِ يظهرُ لكِ بها الحبل، لأنّ مثلها مثلُ أمّ موسى (عليهِ السلام)، لم يظهَر بها الحبل، ولم يعلَم بها أحدٌ إلى وقتِ ولادتِها، لأنّ فرعونَ كانَ يشقُّ بطونَ الحبالى في طلبِ موسى (عليهِ السلام)، وهذا نظيرُ موسى (عليهِ السلام)، قالت حكيمة: فعدتُ إليها فأخبرتُها بما قال، وسألتُها عن حالِها، فقالت: يا مولاتي، ما أرى بي شيئاً مِن هذا ».وهذهِ الروايةُ ظاهرةٌ في أنّ الحملَ لم يكُ ظاهراً على السيّدةِ نرجس (عليها السلام)، كما كانَ شأنُ أمّ موسى (عليهِ السلام)، فإنّ السلطةَ العباسيّةَ كانَت تفعلُ حينَها في طلبِ الحُجّةِ (عليهِ السلام) كما كانَ يفعلُ فرعون في طلبِ النبيّ موسى (عليهِ السلام)، وقولُ السيّدةِ نرجسَ (عليها السلام): « ما أرى بي شيئاً مِن هذا » يعني مِن آثارِ الحملِ وقُربِ الولادةِ منَ الانتفاخِ والآلامِ ونحوِها ممّا يجدنَها النساءُ حينَ اقترابِ موعدِ الولادة.
اترك تعليق