هل هناكَ قولٌ للمعصوم: (ليسَ لي عملٌ استحقُّ به الجنّة)؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،لم نعثُر على هذهِ العبارةِ في المدوّناتِ الحديثيّةِ والروائيّةِ ولا غيرِها منَ المُصنّفاتِ المُهتمّةِ بنقلِ كلماتِ المعصومينَ (عليهم السلام). نعم، وردَ في الدعاءِ الشريفِ المعروفِ بـ(دعاءِ العديلة): « اللَّهُمَّ فَضلُكَ رَجائِي، وَكَرَمُكَ وَرَحمَتُكَ أَمَلِي، لا عَمَلَ لِي أَستَحِقُّ بِهِ الجَنَّةَ، وَلا طَاعةَ لِي أَستَوجِبُ بِها الرِّضوانَ، إَلَّا أَنِّي اعتَقَدتُ تَوحِيدَك وَعَدلَكَ.. إلخ ». وهذا الدعاءُ منَ الأدعيةِ المعروفةِ والمشهورة، ووجهُ تسميتِها بالعديلةِ أنّه بمواظبةِ قراءتِه باللسانِ وإحضارِ مضامينِه في الجنانِ يسلمُ القارئُ عن العديلةِ عندَ الموت، أي عن العدولِ عن الحقِّ إلى الباطلِ بوساوسِ الشيطانِ الحاضرِ عندَ نزعِ روحِ الإنسان. وقد صرّحَ جملةٌ منَ العلماءِ بأنّ هذا الدعاءَ ليسَ مأثوراً عن المعصومينَ (عليهم السلام)، وإنّما هوَ مِن إنشاءِ بعضِ العلماء، وقد ضمّنَها أشياء وردَت في أدعيةٍ مأثورةٍ عن المعصومينَ (عليهم السلام)، وهذهِ بعضُ كلماتِهم: قالَ النقّادُ المُحدّثُ الميرزا النوريّ في حاشيةِ [مُستدركِ الوسائل ج1 ص93]: « وأمّا دعاءُ العديلةِ المعروفة، فهوَ مِن مؤلّفاتِ بعضِ أهلِ العلم، ليسَ بمأثورٍ، ولا موجودٍ في كتبِ حملةِ الأحاديثِ ونقّادها ». وقالَ العلّامةُ المُتتّبعُ الآقا بزرُك الطهرانيّ في [الذريعةِ ج8 ص193]: « دعاءُ العديلة.. هوَ مِن إنشاءِ بعضِ العلماءِ، قد شرحَ فيه العقائدَ الحقّةَ مع الإقرارِ بها والتصديقِ بمضامينِها، وفصّلَ فيه ما أُجملَ ذكرُه في دعاءِ الوصيّةِ والعهد.. وضمّنَه بعضَ فقراتِ دعاءِ الاعتقاد.. فدعاءُ العديلةِ المشهور لم يكُن بعينِ هذهِ الألفاظِ المُركّبةِ المرتّبةِ كذلكَ مأثوراً، ولا في كتبِ حملةِ الأحاديثِ على هذا النهجِ مسطوراً، ولكنَّ فقراته مأخوذةٌ منَ الأدعية ». وقالَ المُحدّثُ الجليلُ الشيخُ عبّاس القميّ في [مفاتيحِ الجنان ص165]: « وأمّا هذا الدعاءُ فهل هوَ منَ المعصومِ (عليهِ السلام) أم هوَ إنشاءٌ مِن بعضِ العلماء؟ يقولُ في ذلكَ خرّيتُ صناعةِ الحديث وجامعُ أخبارِ الأئمّةِ (عليهم السلام)، العالمُ المُتبحّرُ الخبير، والمحدّثُ الناقدُ البصير، مولانا الحاجُّ حُسين النوريّ (نوّرَ اللهُ مرقدَه): وأمّا دعاءُ العديلةِ المعروفُ فهوَ مِن مؤلّفاتِ بعضِ أهلِ العلم، ليسَ بمأثورٍ ولا موجودٍ في كُتبِ حملةِ الأحاديثِ ونقّادها ». وقالَ الفقيهُ الشيخُ مُحمّد تقي الآمليّ في [مصباحِ الهُدى ج5 ص359]: « وأمّا نفسُ هذا الدعاءِ فهيَ بهذهِ العبارةِ غيرُ مأثورة، بل هيَ مِن تأليفِ بعضِ العلماء ». الحاصلُ: لم ترِد هذهِ العبارةُ في كلماتِ المعصومينَ (عليهم السلام) فيما وصلنا مِن أحاديثِهم وأدعيتِهم وزياراتِهم وتراثهم، وإنّما وردَ في دعاءِ العديلةِ التي هيَ مِن إنشاءِ بعضِ أهلِ العلم، ولو فرضنا ورودَ هذهِ الفقرةِ على لسانِ المعصومينَ (عليهم السلام) فشأنُها شأنُ غيرِها منَ العباراتِ الواردةِ في الأدعية، فهيَ مِن بابِ التعليمِ أو تصغيرِ الذاتِ قبالَ ربِّ الأربابِ أو غيرِها منَ الوجوه؛ لأنّهم معصومونَ مُطهّرونَ كاملونَ كما دلّت الأدلّةُ القطعيّة. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق