لماذا لم يُصرَّح بأسماءِ ظالمي أهلِ البيتِ في القرآن؟
هل الشيعة أعلم بأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله؟ فلماذا لم ينزل آية صريحة تذكر أسماءهم كما أنزل آيات تذكر الكثير من أعدء أنبياءه كقوله تعالى (تبت يدا.....) وقوله (إن فرعون لعال فى الأرض......) ؟ وأتحدى شيعة العالم بأن يأتوني بآية تثبت على أن هؤلاء الخلفاء الثلاثة كانوا ظالمين، وأتحداهم ثانيا بأن يثبتوا للناس على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاداهم وقاتلهم...
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،بدايةً ينبغي للسائلِ أن يعلمَ أنّ كلماتِ التحدّي هذهِ ما هيَ إلّا عنتريّاتٌ لا طائلَ مِنها عندَ البحثِ العلميّ، وهذا السؤالُ وإن كانَ مُهلهلاً إلّا أنّهُ خاوٍ في مُحتواه، وأنّه بغايةِ السُّخفِ والسّذاجة، بل ويكشفُ عن إنكارِ السائلِ لضروريّاتِ الدين. ثمّ إنّ هذا السؤالَ ليسَ جديداً، وإنّما هوَ صياغةٌ أخرى لسؤالٍ آخر، بل أسئلةٌ أخرى طُرحَت مِن قبل، وأُجيبَ عنها بأجوبةٍ كثيرة. يقولُ السائلُ: (هل الشيعةُ أعلمُ بأعداءِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم منَ الله؟)، ثمّ يفرّعُ عليهِ بسؤالٍ آخر: (فلماذا لم ينزِل آيةً صريحةً تذكرُ أسماءَهم كما أنزلَ آياتٍ تذكرُ الكثيرَ مِن أعداءِ أنبيائِه؟)، وهُنا كأنّه جاءَ بفتحٍ عظيمٍ بهذا السؤالِ ، فنقولُ: أوّلاً: إنّ هذا السؤالَ ناشئٌ مِن عدمِ الاعترافِ بحُجيّةِ السنّةِ، فإنّ كلامَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كالقرآنِ الكريمِ مِن حيثُ الحُجّيّةِ، فلا يجوزُ الاقتصارُ في التعبّدِ على ما وردَ في القرآنِ الكريم، فإنّ النبيّ معصومٌ، لا ينطقُ إلّا حقّاً، ولا يصدرُ عنهُ إلّا صِدقاً، فلا فرقَ بينَ أن ينصَّ النبيُّ الأكرمُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على اصطفاءِ شخصٍ أو ضلالِ شخصٍ وبينَ أن ينصَّ القرآنُ الكريمُ على ذلك. وأمّا طلبُ الدليلِ منَ القرآنِ فحسب دونَ السنّةِ، هوَ نحو إلغاءٍ لحُجيّةِ السنّة، وكأنَّ السنّةَ الشريفةَ ليسَت حُجّةً حتّى يُقتصَرَ على القرآن. فالسؤالُ في حقيقتِه منطوٍ على إنكارٍ لحُجيّةِ السنّة، التي هيَ مِن ضروريّاتِ الدين، فإنّ الإقرارَ بنبوّةِ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إقرارٌ بحُجيّةِ كلامِه وإخباراتِه، وردُّ السنّةِ ردٌّ على النبيّ، وحكمُه واضحٌ عندَ المُسلمين. وقد عقدَ الخطيبُ البغداديّ في [الكفايةِ في علمِ الرواية ص23] باباً بعنوانِ: « بابُ ما جاءَ في التسويةِ بينَ حُكمِ كتابِ اللهِ تعالى وحُكمِ سنّةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) في وجوبِ العملِ ولزومِ التكليفِ »، ثمّ في [ص28] باباً بعنوانِ: « بابُ تخصيصِ السننِ لعمومِ مُحكمِ القرآن، وذكرَ الحاجةَ في المُجملِ إلى التفسيرِ والبيان »، أوردَ فيه أخباراً كثيرةً، منها: عن أيّوب السختيانيّ قالَ: « إذا حدّثتَ الرجلَ بالسنّةِ فقال: دَعنا مِن هذهِ وحدّثنا منَ القرآن، فاعلَم أنّه ضالٌّ مُضلٌّ »، ومِنها: عن عبدِ الرحمنِ بنِ مهدي قالَ: « الرجلُ إلى الحديثِ أحوجُ منه إلى الأكلِ والشرب »، وقالَ: « الحديثُ تفسيرُ القرآن ». وبهذا يظهرُ: أنّ السؤالَ بهذهِ الصياغةِ غلطٌ، وينطوي على إنكارٍ لحُجيّةِ السنّة، إذ لو كانَ يقرُّ بحُجيّةِ السنّةِ لكانَ ينبغي أن يسأل: هل وردَ في الآياتِ والأحاديثِ أنَّ فلاناً ضالٌّ؟ لا أن يقصرَ السؤالُ على القرآنِ الكريم فقط، ومِن هُنا يظهرُ الخللُ أيضاً في كثيرٍ منَ الأسئلةِ الأخرى، نحوَ: لماذا لم يُصرِّح اللهُ تعالى باسمِ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) في القرآنِ الكريم؟ ثانياً: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى عليمٌ بكلِّ شيءٍ، يعلمُ أولياءهُ ويعلمُ أعداءَه، وقد تقتضي حكمتُه جلَّ جلاله أن يُصرّحَ باسمِ وليّه في القرآنِ الكريمِ وقد تقتضي حكمتُه أن لا يصرّحَ بذلك؛ إذ لم يذكُر اللهُ تعالى أسماءَ كثيرٍ منَ الأنبياءِ والأوصياءِ والمؤمنين، وعدمُ ذكرِه لهُم لا يعني عدمَ معرفتِه والعياذُ بالله، وإنّما اقتضَت حكمتُه أن يذكرَ البعضُ ولا يذكرَ البعضُ الآخر، وهكذا الحالُ بالنسبةِ لأعدائِه، فإنّ حكمتَه اقتضَت أن يذكرَ أسماءَ بعضِهم وأن لا يذكرَ أسماءِ آخرين. يقولُ اللهِ تعالى: {وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ} [سورةُ التوبة: 101]، ويقولُ تعالى: {وَلَو نَشَاءُ لَأَرَينَاكَهُم فَلَعَرَفتَهُم بِسِيمَاهُم وَلَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ} [سورةُ محمّد: 30]، نلاحظُ في هذهِ الآياتِ الكريمةِ وغيرِها أنّ اللهَ تعالى لا يذكرُ أسماءَ هؤلاءِ المُنافقينَ صراحةً في القرآنِ، مع أنّهم بغايةِ الخطورة؛ إذ يمكرونَ بالإسلامِ والمُسلمين منَ الداخل، وإنّما يشيرُ إلى بعضِ صفاتِهم وعلاماتِهم.ثالثاً: إنَّ ذكرَ الأشخاصِ في القرآنِ الكريم قد جرى على أنحاء، فقد يُذكرُ الاسمُ صراحةً، وقد يُذكرُ الوصفُ المُميّزُ له، فإنَّ الدلالةَ لا تقتصرُ على الدلالةِ المُطابقيّةِ فحسب، فالتضمّنُ والالتزامُ نوعانٍ منَ الدلالةِ أيضاً، كما أنّ دلالةَ الاقتضاءِ ودلالةَ الإشارةِ ودلالةَ التنبيهِ منَ الحُججِ أيضاً، وقد ذكرَها علماءُ الأصولِ وعلماءُ البيان، فهل تُقتصرُ حجّيّةُ القرآنِ على دلالةِ المُطابقةِ فقط؟ وأمّا سائرُ الدلالاتِ الأخرى فهيَ غيرُ حُجّةٍ حتّى يُشترطَ ذكرُ الاسمِ حصراً؟! هذا إنكارٌ لحُجيّةِ كثيرٍ مِن ظواهرِ القرآنِ الكريم كما هوَ واضح. رابعاً: إنَّ ذكرَ الاسمِ ليسَ حاسماً للنزاعِ؛ لاشتراكِ الأشخاصِ المُتعدّدينَ في اسمٍ واحد، كما لو افترَضنا أنّ اللهَ تعالى ذمَّ (معاويةَ) في القرآن، فإنّ الأمويّينَ سيقولون: إنّ المقصودَ بـ(معاوية) في الآيةِ ليسَ هوَ معاويةُ بنُ أبي سفيان؛ وإنّما هو معاويةُ آخرُ كانَ قبلَ الإسلام، أو سيأتي لاحقاً، أو سيأتي آخرَ الزمان، أو أنّ المقصودَ به هوَ معاويةُ آخرُ ممَّن كانَ في عهدِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فقد ذكرَ ابنُ حجرٍ العسقلانيّ في [الإصابةِ في معرفةِ الصحابةِ ج6 ص115] تحتَ عنوان « ذكرُ مَن اسمُه معاويةُ » أسماءَ الصحابةِ الذينَ اسمُهم معاوية، وهُم: (معاويةُ بن أنس السلميّ، معاويةُ بن ثورٍ بن عبادة العامريّ البكائيّ، معاويةُ بن جاهمة بنِ العبّاس السلميّ، معاويةُ بن الحارث بنِ المطلب بنِ عبدِ المُطلب، معاويةُ بن حديج، معاويةُ بن حزن القشيريّ، معاويةُ بن الحكم السلميّ، معاويةُ بن حيدة القشيريّ، معاويةُ بن أبي ربيعة الجرميّ، معاويةُ بن سفيان بنِ عبد الأسدِ المخزوميّ، معاويةُ بن أبي سفيانَ الأمويّ، معاويةُ بن سويدٍ بنِ مقرن المزنيّ، معاويةُ بن صعصعةَ التميميّ، معاويةُ بن عبادةَ بنِ عقيل، معاويةُ بن عبد الله، معاويةُ بن عروة الدئليّ، معاويةُ بن عفيفٍ المزنيّ، معاويةُ بن عمرو الرشاطيّ، معاويةُ بن عمرو الدئليّ، معاويةُ بن قرمل المحاربيّ، معاويةُ بن محصنٍ بنِ علس الكنديّ، معاويةُ بن مرداس السلميّ، معاويةُ بن معاوية المزنيّ، معاويةُ بن المغيرةِ بنِ أبي العاص الأمويّ، معاويةُ بن مقرنٍ المزنيّ، معاويةُ بن نفيع، معاويةُ الثقفيّ، معاويةُ العذريّ، معاويةُ الليثيّ، معاويةُ الهذليّ، معاويةُ والد نوفل). وحينئذٍ، لن يكونَ ذكرُ اسمِ (معاوية) صريحاً في معاويةَ بنِ أبي سفيان، بل يجبُ ذكرُ اسمِه واسمِ أمّه ونسبِه حتّى يتميّزَ بشكلٍ واضح! هذا لو لَم يحرّفوا معنى الآيةِ منَ الذمِّ إلى المدح، كما فعلوا بقولِ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله): « لا أشبعُ اللهُ بطنَ معاوية » الظاهرِ في الذمِّ والدعاءِ عليه، فإنّهم حرّفوهُ وجعلوهُ دعاءً له ومدحاً لبطنِه الذي لا يشبع!! وكما جعلوا آيةَ الغارِ مدحاً معَ أنّها ظاهرةٌ في الذمّ!! خامِساً: إنّ اللهَ تعالى يمتحنُ العبادَ، فإنّه لم يُصرِّح بأشياءَ كثيرةٍ في القرآنِ الكريم، كأسماءِ الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام)، وأسماءِ كثيرٍ منَ الأنبياءِ (عليهم السلام)، وأشياءٍ كثيرةٍ مِن فروعِ الدين، ومسائلِ الاعتقادِ، وأصولِ الفقه، والاقتصادِ وغيرِ ذلك، ليكونَ ذلكَ امتحاناً للعبادِ وابتلاءً لهُم وفتنةً لهم، والغرضُ منهُ تكاملُ العبادِ المؤمنين، وإسقاطُ المُنافقينَ والذينَ في قلوبِهم مرضٌ، والتعلّمُ والمعرفة. وقد جاءَت في ذلكَ آياتٌ كثيرة. سادساً: إنّ القرآنَ الكريمَ لم يذكُر أسماءَ المُعاصرينَ للنبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) واللاحقينَ، كمنهجٍ عام، فإنّه لم يذكُر منَ المُعاصرينَ سِوى (زيداً) و(أبا لهب)، في حينِ لم يذكُر أسماءَ أكابرِ الصحابةِ كسلمانَ الفارسيّ والمقدادِ وأبي ذرٍّ وعمّار وحذيفة، ولا السيّدةَ فاطمةَ الزهراء والسيّدةَ خديجة والسيّدةَ فاطمةَ بنتَ أسدٍ (عليهنَّ السلام)، وهكذا بالنسبةِ لأكابرِ الصحابةِ عندَ المُخالفين، كأبي بكرٍ وعُمر وعثمان وبقيّةِ العشرةِ المُبشّرةِ بالجنّةِ عندَهم، وكعائشةَ وحفصةَ وأشباههنَّ، معَ أنّ زيداً لم يكُن أفضلَ الصحابةِ كما لم يكُن أبو لهبٍ أشدَّ أعداءِ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله).وآيةُ الغارِ التي يتمسّكُ بها المُخالفونَ، ويطبّلونَ بها ليلاً ونهاراً، لم يُصرَّح فيها باسمِ أبي بكر ولا كُنيتِه، يقولُ اللهُ تعالى:{ثَانِيَ اثنَينِ إِذ هُمَا فِي الغَارِ إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّم تَرَوهَا} [سورةُ التوبة: 40]، فنلاحظُ أنّه لم يُذكَر الاسمُ ولا الكُنية، ولكن عمدَ المخالفونَ إلى تبديةِ القضيّةِ وكأنّ الاسمَ مذكور! معَ أنّ في المسألةِ خلافاً، هل كانَ أبو بكرٍ في الغارِ حينَها أو لا؟ والطريفُ أنّ الآيةَ في سياقِ الذمِّ لا المدح؛ إذ أنزلَ اللهُ سكينتَه على النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأيّدَه بالجنودِ، ولم يُنزِل سكينتَه على صاحبِ النبيّ في الغارِ ولم يؤيّده بالجنود.ففي آيةِ الغارِ، وغيرِها منَ الآياتِ جرى القرآنُ الكريمُ على ذكرِ الصّفاتِ والعلامات، لا الأسماءِ والذوات، فنجدُ في آيةِ الغارِ ذكرَ الصّفةِ دونَ الاسم، وفي قولِه تعالى: { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت وَضَاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنُّوا أَن لَّا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورةُ التوبة: 118] لم يذكُر أسماءَ الثلاثةِ الذينَ خلفوا، كما لم يذكُر أسماءَ أصحابِ الكهفِ معَ أنّ في القرآنِ سورةٌ باسمِ سورةِ الكهف. كما لم يذكُر أسماءَ زوجاتِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) معَ أنّ القرآنَ تعرّضَ لهنَّ بمواردَ عديدةٍ، كقولِه تعالى: {وَإِذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعضِ أَزوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَت بِهِ وَأَظهَرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ عَرَّفَ بَعضَهُ وَأَعرَضَ عَن بَعضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَت مَن أَنبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولَاهُ وَجِبرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ وَالمَلَائِكَةُ بَعدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزوَاجًا خَيرًا مِّنكُنَّ مُسلِمَاتٍ مُّؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبكَارًا} [سورةُ التحريم: 3ـ5]. هذهِ الآياتُ الكريمةُ واضحةٌ في الذمِّ والتقريعِ لاثنتينِ مِن أزواجِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهُما المرأتانِ اللتانِ تظاهرتا على النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، في قضيّةٍ معروفةٍ، وقد سجّلَها القرآنُ، ولكن لم يذكُر الأسماءَ، وإنّما ذكرَ الصّفاتِ والعلامات، وجاءَت الأحاديثُ والآثارُ تذكرُ اسمَ هاتينِ المرأتين، والملاحظُ أنّ كلَّ فقرةٍ منَ الآياتِ فيها ذمٌّ وتهديد. ويقولُ اللهُ تعالى: {وَإِذ قُلنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلَّا فِتنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآَنِ وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَانًا كَبِيرًا} [سورةُ الإسراء: 60]، والمرادُ بهِ ملكُ بني أمية، وهُم المعنيّونَ بالشجرةِ الملعونة، روى ابنُ أبي حاتمٍ الرازيّ في [التفسيرُ ج7 ص2336] عن يعلي بنِ مرّة (رضيَ اللهُ عنه) قالَ: « قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلم): أُريتُ بني أميّةَ على منابرِ الأرضِ، وسيتملّكونَكم، فتجدونَهم أربابَ سوءٍ، واهتمَّ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) لذلك، فأنزلَ اللهُ {وما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيناكَ إِلَّا فِتنَةً لِلنَّاسِ} »، وعن سعيدٍ بنِ المسيب (رضيَ الله عنه) قالَ: « رأى رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلم) بني أميّة على المنابرِ، فساءَه ذلكَ، فأوحى اللهُ إليه: (إنّما هيَ دُنيا أعطوها)، فقرَّت عينُه، وهيَ قوله: {وما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيناكَ إِلَّا فِتنَةً لِلنَّاسِ} يعني بلاءً للنّاسِ »، فنجدُ أنّ القرآنَ الكريم لم يذكُر أسماءَ ملوكِ بني أميّة، فرداً فرداً، وإنّما ذكرَ صفتَهم وعنوانَهم بأنّهم شجرةٌ ملعونةٌ وأنّ تخويفَهم لا يزيدُهم إلّا طغياناً كبيراً، حتّى وصلَ الأمرُ بالخليفةِ الغاصبِ الوليدِ بنِ يزيد بنِ عبدِ الملك بن مروان بن الحكم، المعروفِ بشربِ الخمرِ واللواطِ والكفرِ والزندقة، حتّى أنّه عندَما فتحَ القرآنَ الكريم خرجَ: {وَاستَفتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [سورةُ إبراهيم: 15]، فألقى المصحفَ ورماهُ بسهمٍ وقالَ: (أتوعدُ كلَّ جبّارٍ عنيد * فها أنا ذاكَ جبّارٌ عنيد) (إذا ما جئتَ ربّكَ يومَ حشر * فقُل يا ربِّ مزّقني الوليد)، فجاءَت الآيةُ الكريمةُ تخوّفُه إلّا أنّه طغى وتكبّرَ، فانطبقَ عليهِ الوصفُ القرآنيّ: {وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَانًا كَبِيرًا}. فالأسلوبُ القرآنيّ كمنهجٍ عامّ هو ذكرُ الصفاتِ والعلاماتِ والمبادئ ونحوِها، لا الأسماءِ والذوات، لأنّه بذكرِ الصفةِ والعلامةِ يكونُ انطباقُ الآيةُ على المُتّصفِ بها واضحاً، ويكونُ بياناً للمدحِ أو الذمِّ مع الدليلِ والبرهان؛ إذ تعنونُه بهذه الصفةِ جعلَته ممدوحاً أو تعنونُه بتلكَ الصفةِ جعلَته مذموماً، وقد قيلَ: (الكنايةُ أبلغُ منَ التصريح). روى الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج2 ص628] بإسنادٍ مُعتبرٍ عن أبي بصيرٍ، عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قالَ: « نزلَ القرآنُ أربعةَ أرباع: ربعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، وربعٌ سُننٌ وأمثال، وربعٌ فرائضُ وأحكام »، وفي روايةٍ أخرى في [الكافي ج2 ص627] عن الأصبغِ بنِ نُباتة قال: سمعتُ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) يقولُ: « نزلَ القرآنُ أثلاثاً: ثلثٌ فينا وفي عدوّنا، وثلثٌ سننٌ وأمثال، وثلثٌ فرائضُ وأحكام ».وقد جمعَ بعضُ الأعلامِ الآياتِ النازلةَ في أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، ككتابِ (شواهدِ التنزيل) للحاكمِ الحسكانيّ، وكتابِ (تأويلِ الآياتِ الظاهرة) للاسترآباديّ، وكتابِ (كنزِ جامعِ الفوائد) لعلمٍ بنِ سيف، وكتابِ (اللوامعِ النورانيّةِ في أسماءِ عليٍّ وأهلِ بيتِه القرآنيّة) للسيّدِ هاشمٍ البحرانيّ، وموسوعةِ (أهلِ البيتِ في القرآن) للسيّدِ الشيرازي، وغيرِها. كما جمعَ بعضُ الباحثينَ الآياتِ النازلةَ في أعداءِ النبيّ وعترتِه، في كتابٍ بعنوانِ (آياتُ البراءة)، ذكرَ فيها الآياتِ وما وردَ فيها منَ الأحاديثِ والآثار. فينبغي للباحثينَ أن يلاحظوا هذهِ الكتب، ويتدبّروا في الآياتِ، ويبحثوا في الأحاديثِ، ويفحصوا في الآثارِ، ليصلوا إلى الحقيقةِ الكامنةِ هناك. سابعاً: إنّ اللهَ تعالى لم يُصرِّح بأمورٍ كثيرةٍ ليحثَّ العبادَ على البحثِ والاستنباطِ والاجتهادِ والتحرّي والتنقيبِ، فإنّه تعالى في سورةِ التحريم ـ مثلاً ـ لم يذكُر اسمَ المرأتينِ ليحثّ الناسَ على البحثِ عن اسمِ المرأتين، ولماذا جاءَ مثلُ هذا الوعيدِ الشديدِ والتنديدِ الصريح؟ وما فداحةُ ما صنعتاه؟ وما شناعةُ فعلهما؟ ولماذا خلّدَ القرآنُ تلكَ الشناعة؟ فاللهُ تعالى يُعطي مفاتيحَ المعرفةِ ويأمرُ بالاجتهادِ والاستنباطِ والبحثِ والتنقيبِ والتحرّي حتّى يصلَ الإنسانُ للحقيقةِ، فإنَّ اللهَ تعالى لم يذكُر أسماءَ كثيرٍ مِن أوليائِه الصالحينَ وإنّما ذكرَ صفاتَهم وعلاماتَهم ليذهبَ المؤمنُ ويتفحّصَ ويبحثَ ويتحرّى، كما لم يذكُر أسماءَ كثيرٍ مِن أعدائِه وإنّما ذكرَ علاماتهم وصفاتهم ليذهبَ المؤمنُ ويتفحّصَ ويبحثَ ويستنبطَ ويجتهدَ وفقَ المنهجِ العلميّ. إلى غيرِ ذلكَ منَ الأجوبة. وأمّا أنّه لماذا لم يُجاهِد النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ظالمي أهلِ البيتِ (عليهم السلام) ولم يقتُلهم، فجوابُه واضحٌ، فأوّلاً: لم يكُن دأبُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قتلَ المُتظاهرين بالإسلام، كما لم يقتُل المُنافقينَ الذينَ كانوا حولَه في المدينةِ وغيرِها، وقد جاءَت الأخبارُ أنّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لم يقتُل خالداً بنَ الوليد حتّى لا يُقالَ أنّ محمّداً يقتلُ أصحابَه، وهوَ ما قد يحدُّ مِن انتشارِ الدعوةِ الإسلاميّة، وثانياً: هؤلاءِ الظالمونَ تجرّأوا على أهلِ البيتِ (عليهم السلام) بتلكَ العظائمِ حينَ شهادةِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لا في حياتِه، حتّى يقتلَهم ويقيمَ عليهم الحدَّ، ولا يُؤخذُ الظالمُ بالعقوبةِ قبلَ ظلمِه، وثالثاً: إنّ هذا السؤالَ عن فعلِ النبيّ، وهوَ معصومٌ لا يفعلُ إلّا الصّواب، وقد تكونُ الحكمةُ في فعلِه أنّ وجودَ هؤلاءِ المُنافقينَ يُعتبرُ امتحاناً للأمّةِ ليميزَ اللهُ الخبيثَ منَ الطيّب، وسواءٌ عرَفنا وجهَ الحكمةِ أو لا، فإنّ عدمَ قتلِه لا يعني أنّه على حقّ، فهذا (عبدُ اللهِ بنُ أبي سلول) أحدُ رؤوسِ المُنافقينَ والمُعادينَ للنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لم يأمُر النبيُّ بقتلِه وإقصائِه، فهل يعني ذلكَ أنّ ابنَ أبي سلولٍ كانَ مؤمِناً؟!!
اترك تعليق