كيف عرف المسلمون بان اية الرضاع منسوخة تلاوة؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،إنّ المعروفَ بينَ أهلِ العلمِ أنّهم قسّموا النسخَ في القرآنِ الكريم ثلاثةَ أقسام، وهيَ: 1- نسخُ التلاوةِ دونَ الحكم، 2- نسخُ التلاوةِ والحكم، 3- نسخُ الحُكم دونَ التلاوة. فإذا تبيّنَ ذلكَ، فالخبرُ المرويُّ في صحيحِ مُسلم ، رقمُ الحديث (1452) عن عائشةَ أنّها قالَت: كانَ فِيما أُنزِلَ مِنَ القُرآنِ: عَشرُ رَضَعَاتٍ مَعلُومَاتٍ يُحَرِّمنَ، ثُمَّ نُسِخنَ بخَمسٍ مَعلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَهُنَّ فِيما يُقرَأُ مِنَ القُرآنِ. فهذا الخبرُ عَـدّهُ جمهورُ علماءِ العامّةِ مثالاً على نسخِ التلاوةِ والحُكم، وأشارَ إليهِ كلُّ مَن كتبَ في النسخ، وقد فسّروا ذلكَ بأنّ عائشةَ تخبرُ بالمِقدارِ الَّذي كانَ في أوَّلِ الأمرِ يَثبُتُ به حُكمُ الرَّضاعِ المُحرِّمِ، وهو الَّذي تَحرُمُ به المرأةُ على الرَّجلِ أن يَتزوَّجَها كما يَحرُمُ عليه بالنَّسبِ، فأَخبَرَت أنَّه كان ممَّا أُنزِلَ في القرآنِ أنَّ عَشرَ رَضعاتٍ مَعلوماتٍ يُحرِّمنَ النِّكاحَ، ثُمَّ نُسِخَ هذا العددُ إلى خمسٍ مَعلوماتٍ. وقَولُ عائشة: «فتُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وهُنَّ فيما يُقرَأُ مِنَ القُرآنِ»، يعني: أنَّ النَّسخَ بخَمسِ رَضعاتٍ تَأخَّرَ إِنزالهُ جدًّا، حتَّى إنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وآله تُوفِّي وبعضُ النَّاسِ يَقرأُ خمسَ رَضعاتٍ، ويَجعَلُها قُرآنًا مَتلوًّا؛ لكونِه لم يَبلغه النَّسخُ لقُربِ عَهدِه، فلمَّا بَلغَهم النَّسخُ بعدَ ذلكَ رَجعوا عن ذلكَ وأَجمَعوا عَلى أنَّ هَذا لا يُتلَى. هكذا فسّروا هذا الخبرَ، معَ العلمِ أنّ الزرقانيَّ في شرحِه على موطّأ مالك لـمّا ذكرَ خبرَ عائشةَ آنفاً ، نقلَ عن يحيى عن مالكٍ قولَه: (وليسَ على هذا العملُ). وأمّا علماءُ الإماميّةِ فيعُدُّونَ القسمَ الأوّلَ والقسمَ الثاني منَ النسخِ هوَ نفسُ القولِ بتحريفِ القرآنِ العظيم، وذلكَ لأنّ النسخَ لا يثبتُ بخبرِ الواحدِ، وخصوصاً في الأمورِ المُهمّةِ التي جرَت العادةُ بشيوعِها بينَ الناس. [ينظرُ البيانُ في تفسيرِ القرآنِ للسيّدِ الخوئيّ قدس (ص302)]. وعائشةُ قد انفردَت بهذا الخبرِ كما هوَ معروفٌ بينَ أهلِ العلم، ولذا لم يعمَل به مالكٌ كما تقدّم بيانه. فيظهرُ مِـمّا تقدّم، أنّ هذا الخبرَ مِـمّا أخطأت فيهِ عائشة، ولا ينبغي الاستغرابُ مِن ذلك، إذ ليسَ هذا الموردُ الوحيدُ الذي كانَت فيه عائشةُ مُخطئةً فيما تنقلهُ عن رسولِ الله (ص)، وإنّما هناكَ عدّةُ مواردَ مِن هذا القبيل. وبوسعِ الباحثِ الرجوعُ إلى كتابِ (الإجابةُ لِـما استدركَته عائشةُ على الصّحابة) للزركشيّ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق