ما هي الغاية من الخلق؟هل كل هذا الكون وجد لبني ادم ؟

انا شاكرة وممتنة لكم كثيرا لسعة صدركم واجابتكم المفصلة وارجو ان تسمحوا لي ان اعبر عن شكوكي واسأل عما يدور في ذهني فانتم اخر امل بالنسبة الي في الحقيقة لا ادري هل فعلا مفهومي لحقيقة العبادة مشوش كما قلتم ام لا فانا اعلم ان عبادة الانسان لله غايتها النهائية تكامل الانسان وانه بعبوديته وطاعته لله يتحرر من اغلال النفس وشهواتها ويسمو الى الكمال ..وارى ان كلامكم يصب في مرحلة مابعد خلق الانسان الادمي الذي وجد على هذه الارض ربما من مدة لاتزيد عن خمسين الف سنة حسب الاخبار القرانية ومقارنتها بالاثار المكتشفة على الارض وسؤالي يسبق هذه المرحلة .. صحيح كل ماموجود على الارض انما وجد لخدمة الانسان كما تصرح به الايات لكن الاثار والجيولوجيا تشير الى وجود كائنات وجدت وانقرضت منذ ملايين السنين ولم يكن ابونا ادم استوطن الارض بعد .. كما ان علم الفلك يذكر لنا وجود ملايين المجرات وكل منها تحتوي على ملايين الكواكب العملاقة والكون اخذ في التوسع .. هل كل هذا وجد لبني ادم ؟؟ سؤالي يسبق هذه المرحلة وهو الغاية من الخلق .. بالامس وجدت سؤالا مشابها في موقع مركز الابحاث العقائدية وكان الجواب عن خلق الملائكة هو تكليفهم بتدبير بعض شؤون الكون لكن ليس كل الملائكة مكلفون بتدبير شؤون الكون فمنهم من خلق لاجل العبادة فقط كما نستدل من الروايات .. واما عن اساس خلق الانسان فلم يجيب الموقع اجابة وافية .. ولعل السؤال المحير والاهم والذي يرد على اذهان الكثير منا هو مسألة خلق الانسان بهذه الكيفية المعروفة بحيث ان اكثر البشر يسيرون في الطرق المنحرفة التي تؤدي بهم الى التسافل والهاوية وسوف لا اتحدث عن المؤمنين فجزاؤهم في الاخرة يعوضهم عما لاقوه من البلايا والمحن الشديدة لكن - واستغفر الله ربي من مما يجول في ذهني- لماذا اخلق بشرا سيسقطون ويتسافلون ثم اعذبهم في نار خالدين فيها ابدا .. ارجوكم ان لم يكن هناك جواب لذا السؤال قولوا ذلك صراحة وسأسلم امري الى الله حتى يظهر امامنا او نعلم الجواب بعد الموت .. ربما عقولنا لا تستوعب الحقيقة حتى في القران كان جواب الله تعالى للملائكة اني اعلم ما لا تعلمون ولم يوضح القران الغاية من خلق الانسان ربما لمحدودية عقولنا

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  الأختُ الكريمةُ لكِ كاملُ الحقِّ في السؤالِ والاعتراضِ، فمِن حقِّك علينا أن نُجيبَك بما نعرِف ولا يُكلّفُ اللهُ نفساً إلّا وسعَها، إلّا أنَّ هناكَ ملاحظةً مهمّةً فيما يتعلّقُ بطبيعةِ الأسئلة، فتارةً يكونُ هدفُ السائلِ هوَ رفعُ إشكالٍ عن موضوعٍ مُعيّن، وفي هذهِ الحالةِ يجبُ عليه أن يُبيّنَ موضعَ الإشكالِ بدقّةٍ، وتارةً يكونُ هدفُ السائلِ هوَ تحقيقُ فهمٍ حولَ قضيّةٍ مُعيّنة، وفي هذهِ الحالة إمّا أن يقبلَ الإجاباتِ المعروفةَ في هذا الشأن، وإمّا أن يرفضَ تلكَ الإجابات، وفي حالِ رفضِه يتعيّنُ عليه بيانُ سببِ ذلكَ الرّفض، فمثلاً إذا سألَ أحدُهم لماذا خلقَ اللهُ الإنسان؟ فالسائلُ إمّا أن يكونَ عندَه إشكالٌ على الإجاباتِ المُتعارَفِ عليها وإمّا أنّه خالي الذهنِ تماماً، ففي الحالةِ الأولى يجبُ عليه بيانُ موضعِ الإشكالِ بشكلٍ واضحٍ ومُحدّد، وفي الحالةِ الثانية إذا كانَ يسألُ لكسبِ العلمِ والمعرفة، فحينَها يجبُ عليهِ قبولُ إجابةِ مَن يثقُ في إجابتِه طالما افترَضنا أنّه خالي الذهنِ تماماً، حالهُ في هذا حالُ التلميذِ الذي يقبلُ كلَّ ما يُلقيهِ عليهِ أستاذهُ لأنّه في الواقعِ لا يعرفُ خلافَ ما يقولهُ الأستاذ، والأختُ الكريمةُ هُنا تُشكِلُ على ما هوَ موجودٌ في كتبِ العقائدِ والكلامِ وتصِفهُ بأنّه غيرُ مُقنعٍ، وفي نفسِ الوقتِ لا تُبيّنُ بشكلٍ واضحٍ حُجّتَها في ذلك، وعليهِ لا بدَّ أن تُبيّنَ ما تراهُ مِن قصورٍ في تلكَ الإجابات، أمّا مُجرّدُ القولِ أنّها غيرُ مُقنعةٍ فليسَ كافياً. فقد كانَ سؤالها الذي أجَبنا عليهِ سابقاً بشكلٍ مُفصّلٍ هو لماذا خلقَ اللهُ الإنسانَ وهل اللهُ مُحتاجٌ لعبادةِ الإنسان؟ ويبدو أنّها وافقَتنا على الإجابةِ التي قدّمناها إليها بقولِها: (فأنا أعلمُ أنَّ عبادةَ الإنسانِ للهِ غايتُها النهائيّةُ تكاملُ الإنسانِ وأنّه بعبوديّتِه وطاعتِه للهِ يتحرّرُ مِن أغلالِ النفسِ وشهواتِها ويسمو إلى الكمال) إلّا أنّها بعدَ ذلك تقولُ إنَّ هذهِ الإجابةَ تأتي في مرحلةٍ مُتأخّرةٍ وهيَ مرحلةُ ما بعدَ خلقِ الإنسانِ وهيَ قد لا تتجاوزُ الخمسينَ ألف سنة، في حينِ أنَّ عُمرَ الأرضِ أكثرُ مِن ذلكَ بكثير، وهوَ استدراكٌ في غيرِ محلِّه لأنَّ السؤالَ عن علّةِ خلقِ الإنسانِ لا يصحُّ إلّا بعدَ خلقِ الإنسان، أمّا قبلَ ذلكَ فسالبٌ بانتفاءِ الموضوع كما يقولون، فالإنسانُ لا يمكنُه السؤالُ عن العلّةِ أو الغايةِ مِن وجودِه وهو لم يوجَد بعد.  أمّا إذا كانَ سؤالُها عن علّةِ خلقِ الكونِ بما فيه مِن سماواتٍ وأرضٍ فهوَ يتصوّرُ على نحوين، الأولى: لماذا خلقَ اللهُ الكونَ في مرحلةٍ لم يكُن فيها الإنسانُ موجوداً؟ والثاني: لماذا خلقَ اللهُ الكونَ في ظلِّ وجودِ الإنسان؟ فالسؤالُ الثاني مقبولٌ منطقيّاً لأنَّ علّةَ خلقِ الكونِ تُعرَفُ قياساً بوجودِ الإنسان؛ لأنَّ علّةَ كلَّ شيءٍ تُعرَفُ مِن خلالِ غايتِه وهدفِه، والغايةُ مِن أيّ شيءٍ يتمُّ معرفتُها إذا تمَّ قياسُها على شيءٍ آخر، فنقولُ ما هوَ الهدفُ والغايةُ مِن هذا الشيءِ بالنسبةِ لذلك الشيء؟ ومِن دونِ ذلكَ لا يمكنُ أن يستقيمَ السؤالُ، وعلى ذلكَ يكونُ السؤالُ هو؛ ما هيَ العلّةُ والغايةُ منَ الكونِ بالنسبةِ للإنسان؟ وكذلكَ يحقُّ لنا أن نسألَ عن الغايةِ مِن خلقِ الإنسانِ بالنسبةِ للهِ تعالى؟  أمّا السؤالُ بصيغتِه الأولى وهوَ؛ لماذا خلقَ اللهُ الكونَ في مرحلةٍ لم يكُن فيها الإنسانُ موجوداً؟ فإنَّ الإجابةَ على هذا السؤالِ موقوفةٌ على إجابةِ سؤالٍ آخر وهوَ؛ بالنسبةِ لأيّ شيءٍ نسألُ عن علّةِ خلقِ الكون؟ فإن كانَ بالنسبةِ للإنسانِ فقد افترَضنا عدمَ وجودِه، وإن كانَ بالنسبةِ للهِ تعالى، فلابدَّ أن نُجيبَ أيضاً عن سؤالٍ آخر وهوَ؛ هل الإجابةُ على هذا السؤالِ قبلَ خلقِ الإنسانِ أم بعدَ خلقه؟ فإن كانَت قبلَ خلقِه فهيَ سالبةٌ بانتفاءِ الموضوع، إذ كيفَ يُعرَفُ ذلكَ وهوَ لم يُخلَق بعد؟ وإن كانَ بعدَ خلقِه؛ فحينَها لا يمكنُ للإنسانِ معرفةُ الغايةِ مِن وجودِ الكونِ إلّا إذا قاسَ ذلكَ على وجودِه هو، وبذلكَ نرجعُ للسؤالِ بالصيغةِ الثانية وهوَ؛ ما هيَ العلّةُ مِن خلقِ الكونِ في ظلِّ وجودِ الإنسان؟  وعليهِ عندَما يسألُ الإنسانُ عن علّةِ خلقِ الكونِ لابدَّ أن يقيسَ تلكَ العلّةَ على وجودِه، أمّا إذا افترَضنا أنَّ هناكَ مخلوقاتٍ عاقلةً قبلَ الإنسانِ كما تشيرُ بعضُ الرواياتِ فحينَها يكونُ الكونُ بالنسبةِ لتلكَ المخلوقاتِ العاقلةِ قد وُجدَ مِن أجلها، ولا وجودَ لأيّ تناقضٍ بينَ أن يكونَ مخلوقاً لأجلِها وفي نفسِ الوقتِ مخلوقاً لأجلِ الإنسان، لأنَّ في اللحظةِ التي كانَت هيَ موجودةً لم يكُن الإنسانُ موجوداً، وفي اللحظةِ التي وجدَ فيها الإنسانُ لم تكُن هيَ موجودة.وعليهِ فإنَّ محوريّةَ الإنسانِ بالنسبةِ للكونِ أو تسخيرِ الكونِ للإنسان، يعني أنَّ فلسفةَ الخلقِ تتحقّقُ بوجودِ الإنسان، فلا يكونُ لهذا الكونِ معنىً من دونِ إنسان، فهوَ الموجودُ الوحيدُ الذي يعي وجودَه ويعي وجودَ ما سواهُ مِن موجوداتٍ، فالفهمُ أو الوعي الذي يُحقّقُه الإنسانُ العاقلُ، هوَ ذاتُه الفهمُ والوعي الذي يعي حقائقَ الوجود، ولذلكَ فإنَّ مُجرّدَ الحديثِ عن حِكمةِ الوجودِ هوَ حديثٌ عن الإنسان، لأنّهُ الموجودُ الوحيدُ الذي يجدُ للحِكمةِ معنىً ويجدُ لوجودِه حِكمة.أمّا سؤالها: لماذا خلقَ اللهُ بشراً سيسقطونَ ثمَّ يكونُ مصيرُهم عذابُ جهنّمَ خالدينَ فيها؟ فإنَّ هذا السؤالَ يكونُ صحيحاً في حالةٍ واحدةٍ فقط؛ وهيَ أنَّ اللهَ خلقَهم ليُدخلَهم النارَ من دونِ أن يكونَ لاختيارِهم وإرادتِهم أيُّ دخلٍ في الأمر، وبمعنىً آخر أن يكونوا منزوعي الإرادةِ والاختيارِ ومجبورينَ على دخولِ جهنّمَ، ولا وجودَ لإنسانٍ بهذهِ المواصفاتِ حتّى نسألَ عن سببِ خلقِه، وما هوَ موجودٌ هو الإنسانُ الحُرُّ صاحبُ الإرادةِ والاختيارِ وهوَ المسؤولُ عن تحديدِ مصيرِه يومَ القيامة، ومِن هُنا لا نفهمُ سؤالَ الأختِ الكريمة: لماذا خلقَ اللهُ بشراً سيسقطونَ في هذا الامتحانِ ثمَّ يكونُ مصيرُهم النار؟ وهيَ في نفسِ الوقتِ تعلمُ بأنَّ العذابَ ليسَ إلّا مُحصّلةٌ طبيعيّةٌ لِما فعلوهُ باختيارِهم في الدنيا، فاللهُ لم يخلِق البعضَ للجنّةِ والبعضَ الآخرَ للنّارِ وإنّما جعلَ الفُرصَ مُتساويةً والإنسانُ هوَ المسؤولُ عن تحديدِ مصيرِه، فكما أنَّ اللهَ غنيٌّ عن عبادتِنا فهوَ أيضاً غنيٌّ عن عذابِنا، وبالتالي الإنسانُ هوَ الذي يجلبُ لنفسِه المنفعةَ عبرَ العبادةِ وهوَ الذي يجلبُ لها العذابَ بتمرّدِه وتنصّلِه عن تحمّلِ المسؤوليّة، والجنّةُ والنارُ كما في كثيرٍ منَ الرواياتِ ليسَت إلّا ما يصنعُه الإنسانُ بيدِه، فما يفعلهُ الإنسانُ في الدنيا إمّا أن يكونَ جنّةً وإمّا أن يكونَ ناراً، أي أنَّ عملَ الإنسانِ في الدنيا، إمّا أن يكونَ مِن سنخِ النارِ وإمّا أن يكونَ مِن سنخِ الجنّة، وبالتالي فإنَّ العذابَ بالنارِ ليسَ حُكماً اعتباريّاً، مثلَ أن يُحكمَ بالسّجنِ على مَن يرتكبُ مثلاً جريمةَ السرقة، فليسَ هناكَ علاقةٌ ضروريّةٌ بينَ السّرقةِ وبينَ السّجن، ولذا يمكنُ تغييرُ الحُكمِ أو إلغاؤه منَ الأساس؛ لأنّهُ مُجرّدُ اعتبارٍ ولا وجودَ لعلاقةٍ ضروريّةٍ بينَ الفعلِ والحُكم، وهذا بخلافِ مَن يُدخِلُ يدَه في النارِ فإنَّ العقابَ سيكونُ الاحراقَ حتماً، لأنَّ العلاقةَ بينَهما علاقةٌ ضروريّة، وهكذا الحالُ بالنسبةِ للعذابِ يومَ القيامة فإنَّ الإنسانَ هوَ الذي يوقدُ نارَ عذابِه بيدِه، وليسَ أمراً اعتبرَه اللهُ مِن دونِ أيّ صلةٍ بينَ ما فعلهُ في الدنيا وبينَ ما وجدَه حاضِراً يومَ القيامة. وعليهِ فمنَ الطبيعيّ جدّاً أن يسقطَ البعضُ ويدخلَ النار وينجحَ البعضُ ويدخلَ الجنّة، ولا محلَّ لهذا السؤالِ إلّا إذا نفَينا إرادةَ الإنسانِ واختيارَه وهذا مُمتنِع.