الذكاءُ هل هوَ مُعطى أم مُكتسب ؟

السلام عليكم الذكاء هل هوه معطى ام مكتسب ؟ واذا كان معطى فهذا يعني ان الله ظلم بعض عباده وان كان فيه نسبة وراثه فيرجع نسبنا الى واحد وهوه ادم والبعض يقول طفرات وراثيه اذن يكون بصوره عشوائيه فهل ضلم البعض بهذه العشوائيه الذكي تصبح فرصته اكبر لاختيار الطريق الصحيح على عكس المقابل. سؤال بصيغة الملحد

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : منَ المؤكّدِ أنَّ هناكَ تبايُناً في القدراتِ المعرفيّةِ والإدراكيّةِ بينَ البشر، وبالتالي هناكَ تفاوتٌ في نسبةِ الذكاءِ بينَ الأفراد، ولا شكَّ أنّ الجيناتِ الوراثيّةَ لها دورٌ في تحديدِ مستوياتِ الذكاءِ المُختلفة، إلّا أنَّ ذلكَ خاضعٌ للعواملِ والظروفِ الخارجيّةِ التي يتربّى فيها الإنسان، فقد يتمتّعُ طفلٌ بجيناتٍ وراثيّة فيها استعداداتُ ذكاءٍ عالية إلّا أنَّ البيئةَ والظروفَ الخارجيّةَ تمنعُ مِن ظهورِ تلكَ المقدرات، وفي المقابلِ قد يكونُ هناكَ طفلٌ آخر أقلُّ استعداداً منَ الأوّلِ إلّا أنَّ الظروفَ الخارجيّةَ جعلَته أكثرَ ذكاءً منه، كلُّ ذلكَ يؤكّدُ دورَ العواملِ والظروفِ الخارجيّةِ على مستوى الذكاءِ بينَ البشر، وقد ظهرَ ذلكَ بالفعلِ مِن خلالِ دراسةِ توائمَ تعرّضَ أحدُهم لمرضٍ أثناءَ طفولتِه فوجدوا أنَّ ذلكَ أثّرَ على مُعدّلِ ذكائهِ الوراثيّ. وعليهِ فإنَّ الجيناتِ الوراثيّة ليسَت هيَ وحدها المسؤولةَ عن الاختلافِ في نسبةِ الذكاء، وإنّما العواملُ الخارجيّة لها دورٌ كبيرٌ في ذلك، مثل الأسرةِ التي تُشكّلُ الحاضنَ الطبيعيَّ للطفل، فإذا لم تهيئ الأجواءَ العلميّة والمعرفيّة ولم تهتمَّ بتنميةِ الطفلِ إدراكيّاً فإنَّ نسبةَ ذكاءِ الطفلِ ستكونُ مُتدنيّةً حتّى وإن كانَت جيناتهُ الوراثيّةُ ممتازةً، والعكسُ بالعكس، وكذلكَ الحالُ بالنسبةِ للجوّ الثقافيّ والدراسي، والمُحيطِ الاجتماعي، والسياسيّ، والاقتصاديّ، والبيئةِ الجغرافيّة وطبيعةِ المناخ، كلُّ ذلكَ وغيرُه يؤثّرُ في القُدرةِ الإدراكيّة للإنسان، ومِن هُنا كانَ التمايزُ في طبائعِ الناسِ وشخصيّاتهم أمراً طبيعيّاً، فكلُّ واحدٍ منهم يحملُ شخصيّةً عملَت كثيرٌ منَ الظروفِ الخاصّةِ على صياغتِها وتشكيلِها، وهذا التمايزُ في الطبائعِ والشخصيّاتِ هوَ السّببُ المباشرُ للتباينِ فيما بينَهم سلوكيّاً وفكريّاً وثقافيّاً وغير ذلك، ولا يمكنُ اقتراحُ قالبٍ واحدٍ لجميعِ البشر؛ لأنَّ طبيعةَ الحياةِ تقتضي هذا التباينَ والاختلاف، ومعَ تسليمِنا بتأثيرِ تلكَ العواملِ إلّا أنّنا لا نُسلّمُ بكونِها حتميّةً، فبإمكانِ الإنسانِ أن يختارَ بمحضِ إرادتِه ما يحبُّ أن يكونَ عليه، فوجودُ عواملَ خارجةً عن إرادةِ الإنسان لا يعني أنّها تصادرُ إرادتَه بالكُليّة، وإنّما أبوابُ الفُرصِ تظلُّ مفتوحةً أمامَ الجميع، وعلى ذلكَ تكونُ فلسفةُ امتحانِ الإنسانِ وابتلائِه في هذه الدنيا، فالكلُّ في حالةِ امتحانٍ حتّى لو تباينَت شخصيّاتُهم واختلفَت ظروفُهم، ويكونُ الحسابُ يومَ القيامةِ لكلِّ واحدٍ بقدرِه وبحسبِ ظروفه، ففي الأخبارِ أنَّ اللهَ يحاسبُ كلَّ إنسانٍ بقدرِ ما أعطاهُ مِن عقلٍ في هذهِ الدّنيا، ففي معاني الأخبارِ عن الإمامِ الكاظم (عليهِ السلام) قالَ: (إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يحاسبُ الناسَ على قدرِ ما آتاهُم منَ العقولِ في دارِ الدنيا)، وعنهُ أيضاً في كتابِ المحاسن قالَ: (إنّما يُداقُّ اللهُ العبادَ في الحسابِ يومَ القيامةِ على قدرِ ما آتاهُم منَ العقولِ في الدنيا)، فالعدالةُ لا تعني أن يتساوى الجميعُ في الصّفاتِ التكوينيّةِ وفي الظروفِ الحياتيّة، وإنّما العدالةُ تعني أن لا يُكلّفَ اللهُ نفساً إلّا وسعَها ولا يحاسبُها بما لا تُطيقُه، وهذا ما وعدَ اللهُ به عبادَه في قولِه تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا) وقالَ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)، وفي الروايةِ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قال: (رُفعَ عن هذهِ الأمّةِ ستٌّ، الخطأُ، والنسيانُ، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمونَ، وما لا يطيقونَ، وما اضطرّوا اليه).