كيفَ نقنعُ ناكر مظلومية الزهراء (ع) ؟
عندَما نجادلُ أحداً على مظلوميّةِ الزهراءِ وماذا حصلَ لها مِن أبو بكرٍ وعُمر، يقول: هل كنتَ موجوداً معهم؟ أو يقولُ اللهُ أعلم، كيفَ نقنعُهم؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هذا جوابُ إنسانٍ مُعاندٍ أو جاهلٍ وساذجٍ لا يعرفُ أدنى طرقِ معرفةِ الحوادثِ والحقائقِ التاريخيّة، ومنَ المؤسفِ صرفُ الوقتِ مع هكذا نماذج. ولكنّنا نسأل: كيفَ علِمنا بعدمِ وفاةِ نبيّ اللهِ عيسى، وأنّه شُبّه لهم؟ ومِن أينَ علِمنا ببعضِ قصصِ الأنبياءِ الصحيحةِ غيرِ المُحرّفة؟ سيجيبُ: منَ القرآنِ الكريم، حيثُ أخبرَنا اللهُ بأنّهم: { وَقَولِهِم إِنّا قَتَلنَا المَسيحَ عيسَى ابنَ مَريَمَ رَسولَ اللَّهِ وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذينَ اختَلَفوا فيهِ لَفي شَكٍّ مِنهُ ما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلوهُ يَقينًا بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزًا حَكيمًا } [النساء: ١٥٧-١٥٨]. وكذلكَ بعضُ قصصِ الأنبياءِ التي أخبرَنا اللهُ عنها في القرآنِ الكريم، كقصّةِ إبراهيم وموسى وعيسى ويوسفَ ولوط وغيرِهم. فنقولُ: الوحيُ الإلهيُّ هوَ الطريقُ الأوّلُ لمعرفةِ الوقائعِ التاريخيّة، ويعدُّ أوثقَ مصدرٍ لمعرفةِ الحقائقِ التاريخيّة. ولو سألنا مرةً أخرى: من أينَ علِمنا ببعضِ تفاصيلِ قصصِ الأنبياءِ التي لم يُخبر عنها القرآنُ الكريم؟ ومِن أينَ علِمنا بتفاصيلِ حادثةِ المعراج؟ سيجيبُ: مِن اخباراتِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). فنقولُ: فاخباراتُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) طريقٌ ثانٍ مِن طرقِ ثبوتِ الحوادثِ والوقائعِ التاريخيّة. ثمَّ نسألُ مرّةً ثالثة: سيرةُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مِن أيّ طريقٍ وصلنا؟ سيقولُ: مِن طريقِ أصحابِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وهُم الشهودُ على تلكَ الحوادث. نقولُ: وهذا طريقٌ ثالثٌ لثبوتِ الحوادثِ التاريخيّةِ، وهيَ شهادةُ الشهودِ الصادقينَ الذينَ عاصروا الحادثةَ ونقلوها إلى الأجيالِ اللاحقة. نقولُ: أوّلاً: حادثةُ مظلوميّةِ سيّدتِنا ومولاتِنا فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام) نُقلَت لنا مِن طريقِ إخبارِ النبيّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بأنّ ابنتَه ستُظلم مِن بعده، ويُهجَم على دارِها، ويُغصَب حقّها، ويمنعُ إرثُها، ويُكسَرُ ضلعُها ووو وهذهِ الاخباراتُ النبويّةُ موجودةٌ في الكثيرِ مِن أحاديثِنا، وسبقَ وأن ذكَرنا بعضَها. وهذا مِن قبيلِ إخبارِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بمظلوميّةِ ومقتلِ ولدِه الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، ومظلوميّة ومقتل مولانا أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، كلُّه مِن بابِ تحذيرِ الأمّةِ مِن مغبّةِ تلطيخِ أيديهم في دماءِ عترتِه أهلِ بيتِه. ثانياً: حادثةُ مظلوميّةِ الزهراءِ (عليها السلام) وصلَت إلينا مِن طريقِ الشهودِ الذينَ عاصروا الحادثةَ أمثال أميرِ المؤمنينَ والإمامِ الحسن (عليهما السلام) وسلمانَ المُحمّدي، وعبدِ اللهِ ابنِ عبّاس، وعمّارٍ بنِ ياسر، والخليفةِ الأوّل، حيثُ أقرّ وندمَ عندَ وفاتِه بأنّهُ كشفَ بيتَ فاطمة! وكذلكَ الخليفةُ الثاني حيثُ اعترفَ بتلكَ الجرائمِ، في رسالتِه إلى معاوية، وأسلمَ مولى عُمر، حيثُ كانَ هوَ منَ المُهاجمينَ على دارِ الزهراء، وغيرِهم. وتناقلَ أئمّةُ أهلِ البيتِ كالإمامِ زينِ العابدينَ والباقرِ والصادقِ والكاظمِ والرّضا والهادي (عليهم السلام) مظلوميّةَ جدّتِهم الزهراءِ (عليها السلام) فيما رووه عن أجدادِهم أميرِ المؤمنينَ والحسنِ والحُسين (عليهم السلام) الذينَ كانوا مُعاصرينَ لتلكَ الحادثةِ، وجرَت مدامعُ أهلِ البيتِ وشيعتُهم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ على مظلوميّتِها، بحيثُ تُعدُّ مظلوميّتُها وما جرى عليها منَ المتواترات. روى الكُليني بسندٍ صحيحٍ عن الإمامِ موسى الكاظمِ عليهِ السلام قالَ : إنَّ فاطمةَ عليها السّلام صدّيقةٌ شهيدةٌ وإنَّ بناتِ الأنبياء لا يطمثنَ . (الكافي للكُليني : 1 / 458) قالَ العلّامةُ المجلسي : ثمَّ إنَّ هذا الخبرَ يدلُّ على أنَّ فاطمةَ صلواتُ اللهِ عليها كانَت شهيدةً وهوَ منَ المتواتراتِ وكانَ سببُ ذلكَ أنّهم لمّا غصبوا الخلافةَ. .. (مرآةُ العقول : 5 / 318 .) وقد اعترفَت عائشةُ بنتُ أبي بكر، زوجةُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، بأنَّ فاطمةَ الزهراء بنتَ النبي، توفّيَت وهيَ غاضبةٌ على أبي بكرٍ، فيما رواهُ البُخاريُّ ومُسلم. وغيرُها منَ الأدلّةِ المتواترةِ التي ذكرَها الشيعةُ والسّنّةُ في كتبِهم والتي تنصُّ على أنّ الغاصبَ الأوّلَ والثاني ظلموا الزهراءَ وصادروا حقوقَها، واعتدوا على بيتِها وكشفوه، ومارسوا العُنفَ بحقّها، حتّى صارَت طريحةَ الفراشِ، وتوفّيَت مِن أثرِ تلكَ الاعتداءاتِ عليها، ورحلَت إلى ربِّها شهيدةً مظلومةً مقهورة. وقد اعترفَ ابنُ تيميةَ أنَّ القومَ كبسوا بيتَ الزهراءِ وكشفوهُ واقتحموه. (منهاجُ السّنّةِ : 8 / 291) ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم.وسيعلمُ الذينَ ظلموا آلَ محمّدٍ أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق