هل في خروج السيدة الزهراء (ع) للمسجد والمطالبة بحق الإمام علي ع فيه إشكال شرعي كون ان المرأة لا تخرج أمام الرجال ويسمعوا صوتها وهل هناك دليل قراني على مشروعية ذلك
الجوابُ: الأصلُ في خروجِ النّساءِ مِن بيوتِهنَّ للمُطالبةِ بحقوقهنَّ لا مانعَ منهُ إذا كانَ ضمنَ الضّوابطِ الشّرعيّةِ, وأُذكّرُكَ أخي السّائل بالمرأةِ التي طالبَت بحقِّها مِن زوجهِا, وقَد سمعَ اللهُ تعالى شكايتَها, وأنزلَ في ذلكَ قرآناً يُتلى آناءَ اللّيلِ وأطرافَ النّهارِ, إذْ يقولُه تعالى: ﴿قد سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله, وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [ سورةُ المُجادلة: آية رقم (1)], فلاحِظ أخي السّائل أنَّ رسولَ اللهِ لَم يقُل لهَا: إنَّ خروجَكِ غيرُ صحيحٍ, وكانَ عليكِ أنْ تجلسِي في بيتِك وتبعثِي إلينا مَنْ يُوصِلُ شكواكِ بواسطةِ أحدِ أقاربِك مثلاً؛ وعليهِ: فإنَّ الخروجَ إذا كانَ للمُطالبةِ بالحقوقِ وفقَ الضّوابطِ الشّرعيّةِ فلا مانعَ منهُ, وخُصوصاً إذا صدرَ ذلكَ مِـمَّنْ عُرِفَ عنهُ الإلتزامُ بالأمورِ الدّينيّةِ والشّرعيّةِ, ونالَ بذلكَ الدّرجاتِ العُلى والمقامَ الأسمى التي تطمحُ إليهِ كلُّ نفسٍ مُؤمنةٍ باللهِ وتعاليمِه السّامية؟ أعني بذلكَ الزّهراءَ البتولَ عليها السّلامُ التي وصلَت إلى مرتبةِ سيّدةِ نِساءِ العالمينَ وأنّها كانَت بضعةَ النّبيّ , فإذا لَم تكُنْ الزّهراءُ تعرفُ ذلكَ حينَ خرجَت, فَمَنْ الذي يعرفُ؟! ثُمَّ هَل ترتّبَ على خروجِها القتلُ والهرجُ والإنشقاقُ بينَ المُسلمينَ؟! في حقيقةِ الأمرِ, هذا السّؤالُ بدأَ يطرحُه كثيرٌ منَ الوهّابيّةِ في الآونةِ الأخيرةِ على مواقعِ التّواصلِ الإجتماعيّ للتّغطيةِ على ما تسبّبَت بهِ عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ مِن أمورٍ مُؤلمةٍ لَـمّا خرجَت على أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلامُ في أيّامِ خِلافتِه , فحدثَ بسببِ خروجِها حربٌ كبيرةٌ بينَ المُسلمينَ سُمّيَت بحربِ الجملِ التي سقطَ فيها كثيرٌ منَ المُسلمينَ بينَ قتلى وجرحى وحصلَت فِتنةٌ كبيرةٌ بينَ المُسلمينَ لا نزالُ نعيشُ آثارَها إلى يومِنا هذا؛ فحاولَ هؤلاءِ الوَهّابيّةُ أنْ يطرَحُوا هذهِ النّظريّةَ البائسةَ علّها تنفعُ في الموازنةِ بينَ خروجِ الزّهراءِ عليها السّلامُ للمُطالبةِ بحقِّ أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلامُ, وبينَ خروجِ عائشةَ للمُطالبةِ بدمِ عُثمان!! فبحسبِ زعمِهم أنَّ خروجَ الزّهراء عليها السّلامُ إذا كانَ شرعيّاً, فخروجُ عائشةَ هوَ كذلكَ سيكونُ شرعيّاً؟! وشتّانَ ما بينَ الخروجينِ لَو أنصَفنا, لأنَّ خروجَ الزّهراءِ عليها السّلامُ أمامَ المُسلمينَ لَم يكُنْ إلّا بدافعِ التّذكيرِ لهُم بمقامِ زوجِها وحقِّه الشّرعيّ مِن بابِ (ذكِّر فإنَّ الذّكرى تنفعُ المُؤمنينَ) وإلقاءِ الحُجّةِ الشّرعيّةِ عليهِم , ولَم يترتَّب على خروجِها هذا مفاسدُ مِن قتلٍ ودمارٍ وسفكٍ للدّماءِ البريئةِ كما لا يخفى, فخروجُها - إذَنْ – خروجٌ شرعيٌّ طبيعيٌّ, وهذا بعكسِ خروجِ عائشةَ التي ثبتَ أنَّ النّبيَّ قَد حذّرَها منهُ كما في حديثِ كلابِ الحَوأبِ الصّحيحِ , وحذّرَتها أمُّ سلمةَ رضوانُ اللهِ تعالى عليهَا , وحذّرَها بعضُ الصّحابةِ حينَ طالبَتهُ بالخروجِ معهَا إلى البصرةِ كأبي بكرةَ الذي ردَّ طلبَها بحُجّةٍ شرعيّةٍ صريحةٍ , قائِلاً لهَا : إنّكِ لأُمٌّ وإنَّ خطركِ لعظيمٌ, ولكنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: لا يُفلحُ قومٌ ولّوا أمرَهُم إمرأةً , ولكِنّها معَ ذلكَ أبَت إلّا أنْ تُكمِلَ المَسيرَ والخروجَ إلى البَصرةِ, فحصلَ ما حصلَ مِن كوارثَ ومفاسدَ كما تقدّمَ آنِفاً, والغريبُ العجيبُ أنَّ مَنْ يُحاولُ أنْ يربطَ بينَ هذينِ الخُروجينِ يتناسى أو يتجاهلُ أنَّ عائشةَ ما كانَ يربِطُها بعثمانَ علاقةٌ وصِلةٌ كما هوَ الحالُ بينَ أميرِ المُؤمنينَ (عليهِ السّلام) وزوجِه البتولِ (عليها السّلام) حتّى يحقَّ لها المُطالبةُ بدمِه وحقِّه!! فأفتونَا أيُّها الُمتعالمونَ هَل كانَت عائشةُ مُوكّلةً مِن قِبلِ عُثمانَ أو مِن قِبلِ أوليائِه للمُطالبةِ بدمِه وحقِّه؟! وفي نهايةِ المَطافِ: أقولُ للذي ورّطَ نفسَه وأرادَ أنْ يعملَ مثلَ هذهِ المُوازنةِ اليائسةِ البائسةِ بينَ الخروجينِ: أنتَ مِـمَّنْ ينطبقُ عليهِ قولُ بعضِ أهلِ العلمِ: لقَد مُنينَا بقومٍ لا يتدبّرونَ, فإنّا للهِ, وإنّا إليهِ راجعونَ. ودمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق