ما هو وجه الشبه بين شبه بيضوية الارض والحوت ؟!
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،بيّنا فيما سبقَ أنّ هناكَ حديثاً مشهوراً صحيحاً رواهُ الكُلينيّ (ره) في كتابِ الكافي (ج8/ص89) بإسنادِه الصحيحِ إلى أبانَ بنِ تغلب، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: سألتُه عن الأرضِ على أيّ شيءٍ هي؟ قالَ: هيَ على حوت، قلتُ: فالحوتُ على أيّ شيءٍ هوَ؟ قالَ: على الماءِ، قلتُ: فالماءُ على أيّ شيءٍ هو؟ قالَ: على صخرةٍ، قلتُ: فعلى أيّ شيءٍ الصخرة؟ قالَ: على قرنِ ثورٍ أملس، قلتُ: فعلى أيّ شيءٍ الثور؟ قالَ: على الثرى، قلتُ: فعلى أيّ شيءٍ الثرى؟ فقالَ: هيهات عندَ ذلكَ ضلَّ علمُ العلماء. وهذا الحديثُ يُسمّى في عُرفِ العلماءِ بحديثِ الحوتِ، ولهُ علاقةٌ بالخلافِ الدائرِ بينَ العلماءِ في أنّ الأرضَ كرويّةٌ أو بيضويّة، إذ فيهِ إشارةٌ إلى ذلك، ومعرفةُ معنى هذا الحديثِ وأمثالِه مبنيٌّ في الأساسِ على معرفةِ نظريّةِ الحذفِ والتقديرِ المعروفةِ في اللغة، إذ مِن خلالِ هذهِ النظريّةِ سنتمكّنُ منَ الوقوفِ على دلالاتِ (حديثِ الحوت) ومعرفةُ معناه، إذ يقولُ عبدُ القاهرِ الجرجاني في كتابِه (دلائلُ الإعجاز)، (ص100): القولُ في الحذف: هو بابٌ دقيقُ المسلَك ، لطيفُ المأخَذ ، عجيبُ الأمر ، شبيهٌ بالسّحر ، فإنّكَ ترى به تركَ الذّكرِ ، أفصحَ منَ الذكر ، والصّمتَ عن الإفادةِ ، أزيدَ للإفادةِ ، وتجدُك أنطقَ ما تكونُ إذا لم تنطِق ، وأتمُّ ما تكونُ بياناً إذا لم تبن. ويقولُ ابنُ جنّي في هذا الصّددِ في كتابِه (الخصائصُ) (ج2/ ص123، وص509): وهذا يدلّكَ على أنّهم قد يستعملونَ منَ الكلامِ ما غيرُه آثرَ في نفوسِهم منه؛ سعةً في التفسّحِ ، وإرخاءً للتنفّسِ ، وشحّاً على ما جشموهُ فتواضعوه ، أن يتكارهوهُ فيلغوه ويطّرحوه . فاعرِف ذلكَ مذهباً لهم ، ولا تطعَن عليهم متى وردَ عنهم شيءٌ منه . ..، ولا يُستنكر الاعتدادُ بما لم يخرُج إلى اللفظ ؛ لأنَّ الدليلَ إذا قامَ على شيءٍ كانَ في حُكمِ الملفوظِ به وإن لم يجرِ على ألسنتِهم استعماله. فإذن: يستفادُ مِـمّا تقدّمَ أنّ في الكلامِ العربيّ أصولاً غيرَ ملفوظٍ بها؛ لكنّها مُقدّرة، وهناكَ شواهدُ منَ القرآنِ العظيمِ تدلُّ على ذلكَ، مِنها: آ - قولهُ تعالى (( ناقةُ اللهِ وسُقياها)) (الشمسُ:13)، فحذفُ الفعلِ على التحذيرِ، والتقديرِ: احذروا ناقةَ اللهِ فلا تقربوها. ب - قولهُ تعالى: (( واسأل القرية التي كنا فيها )) يوسف:82 ، والمعروفُ أن القريةَ لا تُسأل، وإنّما أهلُها هُم مَن يُسألون، فلذا بيّنَ العلماءُ التقديرَ في هذهِ الآية، وهوَ: واسأل أهلَ القرية. ح - قولهُ تعالى: (( مَن كانَ منكُم مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مِن أيّامٍ أخر)) البقرة:184، وتقديرُ الكلام: مَن كانَ مريضاً أو على سفرٍ فأفطر، فعليهِ أن يقضي ما أفطرَه مِن أيّام. ج - قولهُ سبحانَه: (( لم يلبثوا إلّا ساعةً مِن نهارٍ بلاغ)) الأحقاف:35 أي: هذا بلاغٌ . وغيرُها منَ الشواهد.وممّا تقدّمَ فقد استفادَ مِن هذهِ النظريّةِ غيرُ واحدٍ مِن عُلماءِ الإماميّة، مِنهم السيّدُ هبةُ الدينِ الشهرستاني في كتابِه (الهيئةُ والإسلام) في بيانِ معنى حديثِ الحوت، وذلكَ عندَ كلامِه على أنّ الأرضَ ليسَت کرويّةً بل بيضويّة. إذ يقولُ رحمَه اللهُ ما مُلخّصُه: ( .. و لقد فتحَ اللهُ عليَّ في تفسيرِ هذا الحديث، فاهتديتُ إلى الحلِّ التالي، وهوَ: أنّ في هذا الحديث - على عادةِ العرب - حذفاً وتقديراً، فيکونُ الحديثُ هکذا: الأرضُ على ـ شکلِ ـ حوت ، والمرادُ منَ الحوتِ السمكُ أي أنّ شکلَ الأرضِ بيضويٌّ لا مدوّرٌ کالکُرة ، فهُنا المحذوفُ المُقدّرُ هوَ لفظةُ شکل ، وهکذا قولُ الإمامِ: على قرنِ ثور. أي على شکلِ قرنِ ثور، فإنّ قرني الثورِ کما جاءَ في الدرِّ المنثورِ للسيوطيّ: الأرضُ بينَ قرني ثور ، أي کما أنّ قرني الثورِ على خلافِ قرونِ غيرِه منَ الأنعامِ مقوّسانِ بحيُث يُشکّلانِ معاً شکلاً بيضويّاً هکذا () کذلكَ تکونُ الأرض ، فإنّ الأرضَ ليسَت مدوّرةً بل على هيئةِ قرني الثورِ، بمعنى أنّ مشرقَها و مغربَها مُتباعدان ، کما أنّ قرني الثورِ مُتباعدانِ عندَ الوسط ، مُتقاربانِ في طرفيهما الأعلى والأسفل ، أي عندَ القُطبين الشماليّ والجنوبي ، کالهلالينِ الذينِ صوّرناهُما لك). وقولنا بأنَّ شكلَ الأرضِ بيضويٌّ لا يتنافى معَ ما نراهُ مِن خلالِ صورِ الأقمارِ الصناعيّةِ مِن كرويّتِه، وإنّما المقصودُ مِن بيضويّتِه أنَّ الأرضَ ذاتُ شكلٍ شبهِ كرويّ مُفلطحٍ أو بيضاوي، وليسَ كرويّاً بشكلٍ كامل، لذا فإنَّ مُحيطَ الأرضِ وقُطرَها يختلفانِ بحسبِ الموقعِ على الكرةِ الأرضيّة، فبدلاً مِن أن يكونَ المُحيطُ متساوياً في جميعِ المناطق، فإنَّ قُطبي الأرضِ يكونانِ قريبين قليلاً مِن بعضِهما، كما أنّهما مُسطّحانِ قليلاً، ممّا يؤدّي إلى بروزٍ خفيفٍ في الأرضِ عندَ منطقةِ خطِّ الاستواء أو ما يُسمّى بالتفلطحِ الاستوائي (بالإنجليزيّة: The equatorial bulge)، وبالتالي فإنَّ مُحيطَ وقطرَ الكرةِ الأرضيّة يكونُ أكبرَ في تلكَ المنطقة، ولا يكونُ شكلُ الكُرةِ الأرضيّةِ كرويّاً بشكلٍ تام. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق