لماذا اللهُ يؤخّرُ العذابَ على المُشركين وهوَ يعلمُ أنّهم لا يؤمنونَ به؟

السلامُ عليكُم، عندَ قراءتي للقصصِ القرآنيّةِ وجدتُ أنَّ أكثرَ المُشركينَ لا يؤمنونَ باللهِ ورسولِه فقط، والأغلبيّةُ فقراء، هذا السؤالُ الأوّلُ أمّا السؤالُ الثاني لماذا اللهُ يؤخّرُ العذابَ على المُشركين وهوَ يعلمُ أنّهم لا يؤمنونَ به؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  هناكَ تناقضٌ بينَ الشركِ والتوحيدِ، فما يصدقُ في أحدِهما يمتنعُ في الآخر، فكما أنَّ التوحيدَ ينقسمُ إلى توحيدِ الذاتِ، وتوحيدِ الصّفات، وتوحيدِ الأفعالِ، كذلكَ الشركُ ينقسمُ إلى شركٍ في الذات، وشركٍ في الصفاتِ، وشركٍ في الأفعال، وعليهِ ليسَ كلُّ مَن وقعَ منهُ الشركُ كانَ بسببٍ واحدٍ وإنّما يختلفُ المُشركونَ باختلافِ أنواعِ الشّرك.  ومعَ أنَّ هناكَ مراتبَ مُتعدّدةً للشّركِ إلّا أنّها تؤدّي جميعُها إلى الكُفرِ باللهِ ورسولِه، فما ذكرَه السائلُ مِن أنَّ الشركَ هوَ عدمُ الإيمانِ باللهِ ورسولِه لا يعدُّ تعريفاً للشّركِ وإنّما هوَ منَ اللوازمِ الضروريّةِ للشّرك، فعلى مُستوى اللازمِ لا فرقَ بينَ الكُفرِ والشّركِ فكلاهما يناقضانِ الإيمانَ باللهِ ورسولِه، أمّا على مُستوى التعريفِ فهناكَ فرقٌ بينَ الشركِ والكُفر، كما أنَّ هناكَ فرقاً بينَ شركٍ وشركٍ آخر، وعليهِ فإن كانَ السائلُ يبحثُ عن النتيجةِ المُتحصّلةِ عن الشركِ وهيَ عدمُ الإيمانِ باللهِ ورسولِه، فإنَّ ذلكَ يشملُ جميعَ مَن وصفَه القرآنُ بالكُفرِ سواءٌ كانَ كُفرُه بسببِ الشركِ أو كانَ بسببِ إنكارِ وجودِه منَ الأساس، ومِن هُنا لم نفهَم المقصودَ مِن كلمةِ (فقط) عندَ قولِه: (وجدتُ أنَّ أكثرَ المُشركينَ لا يؤمنونَ باللهِ ورسولِه فقط) فماذا يقصدُ بكلمةِ فقط؟  ومِن ثمَّ لم نفهَم قصدَه بأنَّ الأغلبيّةَ فقراءٌ؟ ونحنُ نعلمُ أنَّ الفقرَ والغِنى ليسا مُحدّدين أو مَناطين في التوحيدِ والشرك، فقد يكونُ الفقيرُ موحّداً وقد يكونُ الغنيُّ مُشرِكاً. أمّا السؤالُ الثاني: لماذا يؤخّرُ اللهُ عذابَ المُشركينَ وهوَ يعلمُ أنّهم لا يؤمنون، فقد أجَبنا سابقاً على أسئلةٍ مُشابهةٍ لهذا السؤال، وأكّدنا هناكَ بأنَّ اللهَ لا يُرتّبُ الآثارَ على علمِه بما يكونُ عليهِ حالُ الإنسانِ ومصيرُه، فهناكَ فرقٌ بينَ القولِ بأنَّ اللهَ عالمٌ، وبينَ القولِ أنَّ اللهُ مُريدٌ، فكونُ اللهِ عالمٌ بأنَّ فلاناً لن يؤمنَ لا يعني أنَّ اللهَ أرادَ له أن لا يُؤمِن، فعلمُ اللهِ المُسبَق لا ينزعُ إرادةَ الإنسانِ، فيظلُّ الإنسانُ فاعلاً مُختاراً، وتظلُّ الفُرصةُ أمامَه مفتوحةً للاختيارِ بينَ الكُفرِ والإيمانِ إلى انتهاءِ عُمرِه، ومِن هُنا لا يمكنُ مُعاجلتُه بالعقوبةِ طالما إمكانيّةُ الإيمانِ مُتحقّقةٌ إلى آخرِ عُمرِه، فمثالاً إذا افترَضنا أنَّ هناكَ أستاذاً كانَ يعلمُ مُسبقاً برسوبِ الطالبِ الفُلاني في الامتحان، فهل يحقُّ له أن يحرمَهُ منَ الجلوسِ في قاعةِ الامتحانِ معَ بقيّةِ زُملائِه؛ لأنّهُ كانَ يعلمُ مُسبقاً برسوبِه؟ بالتأكيدِ سوفَ يكونُ ذلكَ ظُلماً له لأنَّ العلمَ المُسبقَ لا ينزعُ إرادةَ الطالبِ في النجاح.