هل منَ المُمكنِ أن يكونَ القرآنُ فقط كلامَ تخويفٍ للنّاسِ مثلَ عذابِ النّارِ والبرزخ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
ليسَ الأمرُ بحاجةٍ إلى إجابةٍ شافيةٍ لأنَّ المُدّعى منَ الأساسِ غيرُ صحيحٍ، وبالتّالي ليسَ هناكَ إشكالٌ يستوجبُ الرّدَّ أو التّفصيلَ، فجوهرُ القرآنِ وحقيقتُه شيءٌ آخرُ غير البشارةِ والإنذارِ، وما فيهِ مِن آياتِ النّارِ إنّما هيَ نتاجٌ لموقفِ الإنسانِ ممّا جاءَ في القرآنِ مِن معارفَ وحقائق، وعليهِ فإنَّ القرآنَ في جوهرِه هو دعوةٌ للإنسانِ للعروجِ في مدارجِ الكمالِ مِن خلالِ الحقائقِ والمعاني السّاميةِ التي جاءَت في آياتِه، ومن يخالفُ ذلكَ ويسيرُ على غيرِ هُدى القرآنِ يكونُ مصيرُه النّار، فالأصلُ في القرآنِ هوَ ما فيهِ من معارفَ وحقائق أمّا النّارُ فهيَ نتاجٌ طبيعيٌّ لموقفِ الإنسانِ، ومِن هُنا يمكنُنا القولُ أنَّ آياتِ البشارةِ والنّذارةِ تشكّلُ حافزاً للإنسانِ ليتمسّكَ أكثرَ بما في القرآنِ مِن حقائقَ ومعارف، ولتقريبِ الصّورةِ يمكنُنا أن نضربَ مثلاً (بالمدارسِ) التي أسّسَت للتّعليمِ والارتقاءِ بالإنسانِ معرفيّاً، فمعَ أنَّ رسالةَ المدارسِ هيَ التعليم إلّا أنَّ ذلكَ قد يستتبعُ مكافأة المُجدّينَ ومعاقبةَ المُهملينَ، ولا يمكنُ حينَها تجاهلُ الهدفِ الجوهريّ للمدارسِ والتمسّكُ بما فيها مِن عقابٍ، وهكذا الحالُ في آياتِ العذابِ في القرآنِ إنّما جاءَت لإقامةِ الحُجّةِ على الإنسانِ وحتّى لا يغفلَ عن المصيرِ الذي ينتظرُه إذا لم يبنِ حياتَه على الحقِّ والهُدى، قالَ تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ) وقالَ تعالى: (إِنَّا أَرسَلنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).
ومِن جهةٍ أخرى لا يمكنُ إهمالُ ما جاءَ في آياتِ القرآنِ مِن ترغيبٍ في رضوانِ اللهِ وجنّاتِه وما ينتظرُ المؤمنَ مِن نعيمٍ أبديٍّ، والإنسانُ المؤمنُ هو الذي يتوقّعُ رحمةَ اللهِ ويرجو فضلهُ فلا تكونُ آياتُ النّارِ في نظرِه إلّا محفّزاتٍ تدعوهُ للاجتهادِ أكثر في طريقِ الحق، أمّا الذي يسيءُ الظنَّ باللهِ ولا يتوقّعُ منهُ إلّا العذابَ فإنَّ ظنَّهُ هذا هوَ الذي يُرديهِ في نارِ جهنّمَ، قالَ تعالى: (وَذَٰلِكُم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَردَاكُم فَأَصبَحتُم مِّنَ الخَاسِرِينَ) وقالَ تعالى: (وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشرِكِينَ وَالمُشرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوءِ ۚ عَلَيهِم دَائِرَةُ السَّوءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَّ لَهُم جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَت مَصِيرًا) وقد جاءَ في الأخبارِ والرّواياتِ ما يدعو إلى حُسنِ الظنِّ برضوانِ اللهِ ونعيمه، وقد جُمعَ بعضَها في كتابِ ميزانِ الحكمةِ (ج2، ص 1788) وهيَ كالتّالي:
عن الإمامِ الرّضا (عليه السّلام): أحسنِ الظنَّ باللهِ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: أنا عندَ ظنِّ عبدي المؤمنِ بي، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً.
وعن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): والذي لا إلهَ إلّا هو، لا يحسنُ ظنُّ عبدٍ مؤمنٍ باللهِ إلّا كانَ اللهُ عندَ ظنِّ عبدِه المؤمن، لأنَّ اللهَ كريمٌ بيدِه الخيراتُ، يستحيي أن يكونَ عبدُه المؤمنُ قد أحسنَ به الظنَّ ثمَّ يُخلفُ ظنَّهُ ورجاءَه، فأحسنوا باللهِ الظنَّ وارغبوا إليه.
وعنه (صلّى اللهُ عليهِ وآله): لا يموتنَّ أحدُكم حتّى يُحسنَ ظنَّهُ باللهِ عزَّ وجل، فإنَّ حُسنَ الظنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ ثمنُ الجنّة.
وعن الإمامِ عليٍّ (عليه السّلام): مَن حسُنَ ظنُّه باللهِ فازَ بالجنّةِ، مَن حسُنَ ظنُّه بالدّنيا تمكّنَت منهُ المِحنة.
وعن رسول الله (صلّى اللهُ عليه وآله): حسنُ الظنِّ باللهِ مِن عبادةِ الله.
وعنه (صلّى اللهُ عليه وآله): ليسَ مِن عبدٍ يظنُّ باللهِ عزَّ وجلَّ خيراً إلّا كانَ عندَ ظنِّه به، وذلكَ قولهُ عزَّ وجل: (وذلكُم ظنُّكم الذي ظننتُم بربِّكم أرديكُم فأصبحتُم منَ الخاسرين).
وعنه (صلّى اللهُ عليه وآله): رأيتُ رجلاً مِن أمّتي على الصّراطِ يرتعدُ كما ترتعدُ السّعفةُ في يومِ ريحٍ عاصٍف فجاءَه حسنُ ظنِّه باللهِ فمسكَت رعدتَه.
وفي الخُلاصةِ أنَّ القرآنَ الذي دعانا للحقِّ منَ الطبيعيّ أن يبيّنَ جزاءَ مَن يقبلُ الحقَّ ومَن لا يقبله وآياتُ الجنّةِ والنّارِ مِن هذا القبيلِ، فالذي يحسنُ ظنَّهُ باللهِ ويجتهدُ في مرضاتِه فإنَّ مصيرَه الجنّةَ برحمةِ اللهِ تعالى.
اترك تعليق