عيدُ الغديرِ في الإسلام

هل صحَّ عن المعصومينَ (ع) شيءٌ في عيدِ الغدير؟ ثمَّ إذا كانَ عيداً دينيّاً رسميّاً مثلَ الفطرِ والأضحى فلماذا لم يُعيّن النبيُّ ذلكَ ولا توجدُ رواياتٌ بالقدرِ الكافي لبيانِ ذلك؟ ثمَّ إنَّ أغلبَ الرواياتِ يكونُ فيها أصحابُ الإمامِ الصّادقِ مثلاً يجهلونَ وجودَ عيدٍ ثالثٍ بل أكبَر والمفروضُ أنَّ قضيّةً مثلَ قضيّةِ عيدِ الغديرِ قد تربّى عليها أجيالُ الشيعةِ فلماذا يجهلونَ هكذا عيد؟ خاصّةً إذا علِمنا حسبَ السياقِ التاريخيّ أنَّ الاحتفالَ تحتَ عنوانِ العيدِ بدأ مُتأخّراً إثرَ ضعفِ العبّاسيّينَ، ممّا يُشعِر بوجودِ خلفيّاتٍ سياسيّةٍ و طائفيّةٍ فما هوَ رأيُكم ؟

: سيد حسن العلوي

أوّلاً:

منَ الحقائقِ القرآنيّةِ الواضحةِ كونُ يومِ الغديرِ عيداً، قالَ تعالى: { اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينًا } [المائدة: ٣]

فمنَ الطبيعيّ والبديهيّ أن يكونَ يومُ إكمالِ الدينِ وإتمامِ النعمةِ ورضىَ اللهِ عن المُسلمين، يومَ عيدٍ وفرحٍ وسرورٍ وبهجةٍ وشكرٍ لله، لمَن آمنَ باللهِ ورسولِه.

وما كانَ هذا شأنُه فهوَ عيدُ اللهِ الأكبر.

هذه الحقيقةُ يدركُها كلُّ مُسلمٍ، فضلاً عن المؤمن.

بل أدركَ هذهِ الحقيقةَ بعضُ اليهود، فقد سألَ بعضُهم عن يومِ نزولِ آيةِ إكمالِ الدين، ولكنَّ السقيفةَ وجهازَها الإعلاميَّ حرّفوا مسارَ هذا اليوم إلى يومٍ آخر، وموّهوا على المُسلمينَ ودمجوا بينَ يومِ إكمالِ الدينِ وإتمامِ النّعمةِ ورضى الربّ، وبينَ عيدِ الاضحى أو يومِ عرفة، أو يومِ الجُمعة! ولم يبقَ لهُم إلّا أن يذهبوا إلى تعدّدِ نزولها، ليشملوا عيدَ الفطرِ بها!!

روى البخاريُّ بسندِه عن طارقٍ بنِ شهاب أنَّ أناساً منَ اليهودِ قالوا لو نزلَت هذهِ الآيةُ فينا لاتّخذنا ذلكَ اليومَ عيداً فقالَ عُمر أيّةُ آية؟ فقالوا: { اليومَ أكملتُ لكُم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعمتي ورضيتُ لكُم الإسلامَ ديناً } فقالَ عُمر: إنّي لأعلمُ أيَّ مكانٍ أنزلت، أنزلَت ورسولُ اللهِ (ص) واقفٌ بعرفة. (صحيحُ البُخاري: 5 / 127)

وأضافَ بعضُ رواتِهم إلى كلامِ عُمرَ بنِ الخطّابِ أنّها نزلَت يومَ عرفةَ في يومِ جُمعةٍ. (صحيحُ البُخاري: 8 / 138). ليجمعَ بينَ عيدين: عيدُ عرفة وعيدُ الجُمعة!

وأضافَ الحافظُ ابنُ حجرٍ أنَّ نزولهَا عشيّةَ عرفة، والعيدُ يتحقّقُ مِن غروبِ اليوم، فيكونُ المرادُ هوَ عيدُ الأضحى. (فتحُ الباري: 1 / 97). في جوابٍ لهُ على إشكال.

هكذا حرّفوا حقيقةَ عيدِ الغديرِ عن مسارِه الذي رسمَه اللهُ تعالى، وحرموا المُسلمينَ مِن بركاتِ هذا اليوم، وطمسوها وغيّبوها إلى أن اضطرَّ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) أيّامَ حكومتِه إلى إحياءِ الغديرِ في الرحبةِ بالكوفةِ المُقدّسة، والمعروفةِ بمُناشدةِ الرّحبة، وهوَ يومُ إحياءِ الغدير.

وقد حرّفوا وغيّروا أغلبَ الحقائقِ الدينيّة، روى البُخاريُّ في صحيحِه بسندِه عن أمِّ الدرداء تقولُ دخلتُ على أبو الدرداءِ وهوَ مُغضبٌ فقلتُ: ما أغضبَك؟ فقالَ: واللهِ ما أعرفُ مِن أمّةِ محمّدٍ (ص) شيئاً إلّا أنّهم يصلّونَ جميعاً. (صحيحُ البُخاري: 1 / 159). يعني كلَّ شيءٍ قد طالتهُ يدُ التحريفِ إلّا هيئة صلاةِ الجماعةِ فقط.

ولا تعجَب مِن هذا التحريفِ فقد حرّفوا الكثيرَ منَ الحقائقِ الدينيّة، فمثلاً: الصلاةُ التي كانَ رسولُ اللهِ (ص) يصلّيها كلَّ يومٍ خمسَ مرّات، قاموا بتحريفِها وتغييرِها وتبديلِها وتضييعِها! 

روى البُخاريُّ بسندِه عن الزهريّ يقولُ دخلتُ على أنسَ بنِ مالك بدمشقَ وهوَ يبكي فقلتُ له ما يُبكيكَ فقالَ لا أعرفُ شيئاً ممّا أدركتُ إلّا هذه الصّلاةَ وهذهِ الصّلاةُ قد ضُيّعت. (صحيحُ البُخاري: 1 / 134).

إذن: فالتدبّرُ في آية: { اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينًا } [المائدة: ٣]

يرشدُنا إلى كونِ يومِ الغديرِ عيداً إسلاميّاً، بل مِن أعظمِ الأعيادِ الإسلاميّةِ على الإطلاق، ولكنَّ السقيفةَ وجهازَها الإعلاميَّ حرّفوا مسارَها إلى أعيادٍ أخرى.

فبقاءُ الغديرِ كعيدٍ إسلاميّ يعني بطلانَ شرعيّةِ السقيفةِ، ولذا كانَ لا بدَّ أن يطمسوا الغديرَ ويحرّفوها عن مسارِها الصّحيح.

ثانياً:

ذهبَ بعضُ المؤرّخينَ منَ المُخالفينَ إلى أنَّ عيدَ الغدير ابتدعَ في حُكمِ البويهيّينَ سنةَ 352 هـ ! قالَ النويري: وعيدٌ ابتدعَتهُ الشّيعةُ، وسمّوهُ عيدَ الغدير. وسببُ اتّخاذِهم له مؤاخاةُ النبيّ (صلّى اللَّهُ عليهِ وسلّم) علياً بنَ أبي طالب (رضيَ اللَّهُ عنه) يومَ غديرِ خُمّ ... وأوّلُ مَن أحدثَه مُعزُّ الدّولةِ أبو الحسنِ عليٌّ بنُ بويه ، على ما نذكرُه إن شاءَ اللَّه تعالى في أخبارِه في سنةِ اثنتينِ وخمسينَ وثلاثمائة. (نهايةُ الإربِ للنويري: 1 / 184).

وقالَ المقريزيّ في الخططِ 2 ص 222 : اعلَم أنّ عيدَ الغديرِ لم يكُن عيداً مشروعاً ولا عملَه أحدٌ مِن سالفِ الأمّةِ المُقتدى بهم ، وأوّلُ ما عُرفَ في الإسلامِ بالعراق أيّامَ مُعزِّ الدولةِ عليٍّ بنِ بويه فإنّه أحدثَه سنةَ 352 فاتّخذَه الشيعةُ مِن حينئذٍ عيداً. (الخُطط المقريزيّة: 2 / 116).

نقولُ: قد بيّنّا أنَّ عيدَ الغديرِ منشؤهُ قرآنيٌّ، مُضافاً إلى أنَّ الشيعةَ كانَت تعيّدُ في الغديرِ قبلَ البويهيّين، نقلَ المسعوديّ (ت 346 هـ) أنَّ ذُريّةَ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ عليهِ السلام، وشيعتَه يُعظّمونَ هذا اليوم قالَ: وفي مُنصرفِه عن الحديبيّةِ قالَ لأميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب رضيَ اللهُ عنه بغديرِ خُم ، " مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه " وذلكَ في اليومِ الثامنِ عشرَ مِن ذي الحجّة . وغديرُ خُم يقربُ منَ الماءِ المعروفِ بالخرارِ بناحيةِ الجحفة ، وولدَ عليّ رضيَ اللهُ عنه وشيعتُه يُعظّمونَ هذا اليوم. (التنبيهُ والإشرافُ للمسعودي، ص221).

ومنَ المعلومِ أنَّ المسعودي قد توفّيَ قبلَ سنةِ 352 هـ.

وروايةُ عيدِ الغديرِ نقلَها – كما سيأتي - الشيخُ الكُليني (ت 329 هـ) يعني قبلَ البويهيّينَ، وكذلكَ نقلَها الشيخُ الصّدوقُ عن أساتذتِه الثقاتِ أمثالَ ابنِ الوليدِ وأبيهِ وغيرِهما، عن مشايخِهم، وهؤلاءِ عاشوا قبلَ البويهيّين.

وستلاحظُ في أسانيدِ الرواياتِ اللاحقةِ أسماءَ الكثيرِ مِن أساطينِ الطائفةِ الراوينَ لحديثِ عيدِ الغدير، وبهِ تجزمُ أنّ النبيَّ وأهلَ بيتِه (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين) هُم الذينَ أخبروا بهذا العيدِ، وأنّها ليسَت مِن مُخترعاتِ الشيعة.

ونلاحظُ أيضاً وجودَ بعضِ الأشعارِ المنسوبةِ إلى القرنِ الأوّلِ الهجري، وفيها النصُّ على كونِ يومِ الغديرِ عيداً.

وقد استفاضَ النقلُ عن الإمامِ الصّادقِ (ع) أنّه أخبرَ أصحابَه بأنَّ يومَ الغديرِ يومُ عيد، ورويَ ذلكَ عن رسولِ الله (ص) وأميرِ المؤمنين (ع) والإمامِ الرّضا (ع)، وكانَ مشهوراً بينَ خواصِّ أصحابِ الأئمّة (ع).

نعم، البويهيّونَ أعطوا مجالاً للشيعةِ لإظهارِ الاحتفالِ بهذا العيدِ في الشوارعِ والأسواقِ والمساجد، ولم يكونوا المُبتدعينَ لها، بخلافِ الحكوماتِ السّابقةِ التي منعَت مِنها بشكلٍ كامل.

ثالثاً:

تظافرَت الرواياتُ واستفاضَت عن النبيّ (ص) والأئمّةِ المعصومينَ (ع) – ولا يبعدُ تواترُها - على كونِ يومِ الغديرِ يومُ عيدٍ، وقد عيّدَ فيها أميرُ المؤمنينَ (ع) والأئمّةُ المعصومينَ (ع)، وكثرةُ الرواياتِ في هذا البابِ تجعلُنا نجزمُ بصدورِها عن المعصومينَ عليهم السلام.

قالَ المُفيد: وتطابقَت الرواياتُ عن الصادقينَ مِن آلِ محمّدٍ عليهم السلام بأنَّ يومَ الغديرِ يومُ عيدٍ ، سرَّ اللهُ تعالى به المُسلمينَ ، ولطُف لهم فيه بكمالِ الدين ، وأعلنَ فيه خلافةَ نبيِّه سيّدِ المُرسلينَ عليهِ وآله السّلام . فكانَ مِن سُننِه الصيامُ فيهِ شكراً للهِ تعالى على نعمتِه العُظمى مِن حفظِ الدين ، وهدايتِه إلى القائمِ بعدَ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في رعايةِ المؤمنين . والغُسلُ في صدرِه سُنّةٌ لعظيمِ القربانِ فيه لربِّ العالمين . وصلاةُ ركعتين. (المقنعةُ للمُفيد، ص204).

1ـ روى الكُليني: عليٌّ بنُ إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسمِ بنِ يحيى ، عن جدِّه الحسنِ بنِ راشد ، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ : قلتُ : جُعلتُ فداكَ للمُسلمينَ عيدٌ غيرُ العيدين ؟ قالَ : نعم يا حسن أعظمُهما وأشرفُهما ، قلتُ : وأيُّ يومٍ هو ؟ قالَ : هوَ يومَ نُصبَ أميرُ المؤمنينَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه فيهِ علماً للناسِ ، قلتُ : جُعلتُ فداكَ وما ينبغي لنا أن نصنعَ فيه ؟ قالَ : تصومُه يا حسنُ وتكثرُ الصلاةَ على محمّدٍ وآلِه وتبرءُ إلى اللهِ ممَّن ظلمَهم فإنَّ الأنبياءَ صلواتُ اللهِ عليهم كانَت تأمرُ الأوصياءَ باليومِ الذي كانَ يقامُ فيه الوصيُّ أن يُتّخذَ عيداً ، قالَ : قلتُ : فما لمَن صامَه ؟ قالَ : صيامُ ستّينَ شهراً. (الكافي للكُليني: 4 / 148).

ومن طريقِه الشيخُ الطوسي في التهذيب: 4 / 305.

ورواهُ السيّدُ ابنُ طاوس مِن كتابِ الصيامِ لعليٍّ بنِ الحسنِ بنِ فضّال بإسنادِه إلى الحسنِ بنِ راشدٍ به. (إقبالُ الأعمالِ لابنِ طاووس: 2 / 263).

ورواهُ الصّدوقُ في ثوابِ الأعمال، ص74، عن أبيهِ عن سعدٍ بنِ عبدِ الله عن إبراهيمَ بنِ هاشم به.

وقالَ في مَن لا يحضرُه الفقيه: 2 / 90: وروى الحسنُ بنُ راشدٍ عن أبي عبدِ الله (ع).

ومثلُه الطوسيُّ في مصباحِ المُتهجّد، ص736.

والظاهرُ أنّه مُستخرجٌ مِن أصلِ الحسنِ بنِ راشد.

أقولُ: وهذا الإسنادُ مُعتبَرٌ، قالَ الصّدوقُ عن زيارةٍ وقعَ في سندِها القاسمُ بنُ يحيى، وجدُّه الحسنُ بنُ راشد: واخترتُ هذه لهذا الكتابِ لأنّها أصحُّ الزياراتِ عندي من طريقِ الروايةِ وفيها بلاغٌ وكفاية . (الفقيهُ: 2 / 598).

ورواياتُ القاسمِ بنِ يحيى عن جدِّه الحسنِ بنِ راشدٍ مُنتشرةٌ في الكتب، والحسنُ بنُ راشدٍ راوي حديثِ الأربعمائة عن أبي بصيرٍ ومحمّدٍ بنِ مُسلم.

2ـ وروى الكُليني: (عدّةٌ مِن أصحابِنا) عن سهلٍ بنِ زياد ، عن عبدِ الرّحمنِ بنِ سالم ، عن أبيهِ قالَ : سألتُ أبا عبدِ الله (عليهِ السلام) هل للمُسلمينَ عيدٌ غيرَ يومِ الجُمعةِ والأضحى والفِطر ؟ قالَ : نعم أعظمُها حُرمة.

قلتُ: وأيُّ عيدٍ هوَ جُعلتُ فداك ؟ قالَ: اليومُ الذي نصبَ فيهِ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أميرَ المؤمنينَ عليهِ السلام وقالَ : مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، قلتُ : وأيُّ يومٍ هو ؟ قالَ : وما تصنعُ باليومِ إنَّ السنةَ تدورُ ولكنّهُ يومَ ثمانيةَ عشرَ مِن ذي الحجّة ، فقلتُ : وما ينبغي لنا أن نفعلَ في ذلكَ اليوم ؟ قالَ : تذكرونَ اللهَ عزَّ ذكرُه فيه بالصيامِ والعبادةِ والذكرِ لمُحمّدٍ وآلِ مُحمّد فإنَّ رسولَ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) أوصى أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السلام ) أن يتّخذَ ذلكَ اليومَ عيداً، وكذلكَ كانَت الأنبياءُ ( عليهم السّلام ) تفعلُ كانوا يوصونَ أوصياءهم بذلكَ فيتّخذونَه عيداً. (الكافي للكُليني: 4 / 149).

أقولُ: وهذا الإسنادُ لا يُتوقّفُ فيه إلّا مِن جهةِ سهلٍ بنِ زياد، المُختلَفِ فيه، والأمرُ فيه سهلٌ، وعبدُ الرحمنِ بنِ سالمٍ روى عنهُ البزنطي، وابنُ أبي عمير، وأحمدُ بنُ محمّدٍ بنِ عيسى الأشعري، ووالدُه سالمٌ بنُ عبدِ الرّحمن ثقة.

أقولُ: وهذانِ الحديثانِ نصّانِ على أنَّ الأنبياءَ كانوا يأمرونَ أوصياءهم بأن يتّخذوا يومَ نصبِ الوصيّ يومَ عيد، والنبيُّ (ص) قد أمرَ عليّاً (ع) بذلك.

3ـ وروى الصّدوقُ: حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسن، قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار، قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ عيسى، عن عليٍّ بنِ سليمانَ بنِ يوسف البزّاز، عن القاسمِ ابنِ يحيى، عن جدِّه الحسنِ بنِ راشد، قالَ : قيلَ لأبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام للمؤمنينَ منَ الأعيادِ غيرُ العيدين والجُمعة ؟ قالَ: نعم، لهُم ما هوَ أعظمُ مِن هذا، يومَ أقيمَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام فعقدَ له رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله الولايةَ في أعناقِ الرجالِ والنساءِ بغديرِ خُم.

فقلتُ وأيُّ يومٍ ذاك ؟ قالَ الأيّامُ تختلفُ ثمَّ قالَ يومَ ثمانيةَ عشرَ مِن ذي الحجّة قالَ : ثمَّ قالَ والعملُ فيه يعدلُ العملَ في ثمانينَ شهراً وينبغي أن يُكثَرَ فيهِ ذكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ والصّلاةُ على النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ويوسّعَ الرجلُ فيه على عيالِه. (ثوابُ الأعمالِ للصدوق، ص74).

4ـ روى الصّدوقُ: حدّثنا الحسنُ بنُ مُحمّدٍ بنِ سعيدٍ الهاشمي ، قالَ : حدّثنا فراتُ بنُ إبراهيم بنِ فراتٍ الكوفي ، قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُ ظهير ، قالَ : حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ الفضلِ الهاشمي ، عن الصادقِ جعفرٍ بنِ محمّد ، عن أبيهِ ، عن آبائِه ( عليهم السلام ) ، قالَ : قالَ رسولُ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) : يومُ غديرِ خُم أفضلُ أعيادِ أمّتي ، وهوَ اليومُ الذي أمرَني اللهُ تعالى ذكرُه فيهِ بنصبِ أخي عليٍّ بنِ أبي طالب عَلماً لأمّتي يهتدونَ به مِن بعدي ، وهوَ اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ ، وأتمَّ على أمّتي فيهِ النعمةَ ، ورضيَ لهم الإسلامَ ديناً. (الأمالي للصّدوق، ص188، مجلس 26).

أقولُ: وفي هذا الحديثِ نصُّ رسولِ اللهِ (ص) أنَّ يومَ الغديرِ أفضلُ الأعياد.

5ـ روى الصّدوقُ: حدّثنا أبي رضيَ اللهُ عنه قالَ : حدّثنا سعدٌ بنُ عبدِ الله ، عن يعقوبَ بنِ يزيد ، عن محمّدٍ بنِ أبي عُمير ، عن غيرِ واحدٍ ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام قالَ : السبتُ لنا ، والأحدُ لشيعتِنا ، والاثنينُ لأعدائِنا ، والثلاثاءُ لبني أميّة ، والأربعاءُ يومُ شربِ الدّواء ، والخميسُ تُقضى فيه الحوائجُ ، والجُمعةُ للتنظّفِ والتطيّبِ ، وهوَ عيدُ المُسلمينَ وهوَ أفضلُ منَ الفطرِ والأضحى ، ويومُ الغديرِ أفضلُ الأعياد ، وهوَ الثامنُ عشرَ مِن ذي الحجّةِ وكانَ يومَ الجُمعة ، ويخرجُ قائمُنا أهلَ البيتِ يومَ الجُمعة ، ويقومُ القيامةُ يومَ الجُمعة ، وما مِن عملٍ يومَ الجُمعةِ أفضلَ منَ الصّلاةِ على محمّدٍ وآله. (الخصالُ للصّدوق، ص394).

أقولُ: ورجالُ السندِ كلّهم مِن شيوخِ الطائفةِ وأعلامِها، وفيهِ النصُّ على أنَّ عيدَ الغديرِ أفضلُ الأعياد.

6ـ روى الصّدوقُ: حدّثنا عليٌّ بنُ أحمد بنِ موسى رضيَ اللهُ عنه قال : حدّثنا محمّدٌ بنُ أبي عبدِ الله الكوفي قالَ : حدّثني الحسينُ بنُ عبيدِ الله الأشعري قالَ : حدّثني محمّدٌ بنُ عيسى ابنِ عبيد ، عن القاسمِ بنِ يحيى ، عن جدّه الحسنِ بنِ راشد ، عن المُفضّلِ بنِ عُمر قالَ : قلتُ لأبي عبدِ الله عليهِ السلام : كم للمُسلمينَ مِن عيد ؟ فقالَ : أربعةُ أعياد ، قالَ : قلتُ : قد عرفتُ العيدينِ والجُمعة ، فقالَ لي : أعظمُها وأشرفُها يومُ الثامنِ عشرَ من ذي الحِجّة وهوَ اليومُ الذي أقامَ فيه رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أميرَ المؤمنينَ عليهِ السلام ونصبَه للناسِ علماً ، قالَ : قلتُ : ما يجبُ علينا في ذلكَ اليوم ؟ قالَ : يجبُ عليكم صيامُه شُكراً للهِ وحمداً له معَ أنّه أهلٌ أن يُشكرَ كلَّ ساعةٍ ، وكذلكَ أمرَت الأنبياءُ أوصياءَها أن يصوموا اليومَ الذي يقامُ فيه الوصيُّ يتخذونَه عيداً ، ومَن صامَه كانَ أفضلَ مِن عملِ ستّينَ سنةً. (الخِصالُ للصّدوق، ص264).

أقولُ: وهذا إسنادٌ رجالهُ منَ الكبار، والحديثُ نصَّ على أنَّ الأنبياءَ كانوا يأمرونَ الأوصياءَ أن يتّخذوا يومَ تعيينِ الوصيّ يومَ عيد.

7ـ روى الطوسي: أخبرَنا جماعةٌ عن أبي محمّدٍ هارونَ بنِ موسى التلعكبري قالَ : حدّثنا أبو الحسنِ عليٌّ بنُ أحمد الخراساني الحاجبِ في شهرِ رمضان سنةَ سبعٍ وثلاثينَ وثلثمائةَ قالَ : حدّثنا سعيدٌ بنُ هارون أبو عمر المروزي وقد زادَ على الثمانينَ سنةً ، قالَ : حدّثنا الفيّاضُ بنُ محمّدٍ بنِ عُمر الطرسوسي بطوس سنةَ تسعٍ وخمسينَ ومائتين وقد بلغَ التسعينَ أنّه شهدَ أبا الحسنِ عليّاً بنَ موسى الرّضا عليهما السلام في يومِ الغدير وبحضرتِه جماعةٌ مِن خاصّتِه قد احتبسَهم للإفطارِ وقد قدّمَ إلى منازلِهم الطعامَ والبرَّ والصِّلاتَ والكسوةَ حتّى الخواتيمَ والنعالَ وقد غيّرَ مِن أحوالِهم وأحوالِ حاشيتِه وجدّدت لهُ آلةٌ غيرُ الآلةِ التي جرى الرسمُ بابتذالِها قبلَ يومِه وهوَ يذكرُ فضلَ اليومِ وقِدمَه فكانَ مِن قولِه عليهِ السلام : حدّثني الهادي أبي قالَ : حدّثني جدّي الصادقُ قالَ : حدّثني الباقرُ قالَ : حدّثني سيّدُ العابدين قالَ : حدّثني أبي الحُسين قالَ : اتّفقَ في بعضِ سنيّ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام الجُمعة والغدير ، فصعدَ المنبرَ على خمسِ ساعاتٍ مِن نهار ذلكَ اليوم .

فحمدَ اللهَ وأثنى عليهِ حمداً لم يُسمَع بمثلِه وأثنى عليه ثناءً لم يتوجّه إليهِ غيرُه فكانَ ما حُفظَ مِن ذلك :

الحمدُ للهِ الذي جعلَ الحمدَ مِن غيرِ حاجةٍ منهُ إلى حامديه طريقاً مِن طرقِ الاعترافِ بلاهوتيّتِه وصمدانيّتِه وربّانيّتِه وفردانيّتِه ... وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ... وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولهُ استخلصَه في القدمِ على سائرِ الأمم على علمٍ منه ... ثمَّ إنَّ اللهَ تعالى جمعَ لكُم معشرَ المؤمنينَ في هذا اليومِ عيدينِ عظيمينِ كبيرين لا يقومُ أحدُهما إلّا بصاحبِه ليُكملَ عندَكم جميلَ صنيعتِه ويقفَكُم على طريقِ رُشدِه ويقفو بكُم آثارَ المُستضيئينَ بنورِ هدايتِه ويشملَكم منهاجَ قصدِه ويوفّرَ عليكم هنيءَ رفدِه فجعلَ الجُمعةَ مجمعاً ندبَ إليهِ لتطهيرِ ما كانَ قبلَه وغسلِ ما كانَ أوقعَته مكاسبُ السوءِ مِن مثلِه إلى مثلِه وذكرى للمؤمنينَ وتبيانَ خشيةِ المُتقين ووهبَ مِن ثوابِ الأعمالِ فيهِ أضعافَ ما وهبَ لأهلِ طاعتِه في الأيّامِ قبلَه وجعلَه لا يتمُّ إلّا بالائتمارِ لِما أمرَ به والانتهاءِ عمّا نهى عنه والبخوعِ بطاعتِه فيما حثَّ عليه وندبَ إليه فلا يقبلُ توحيدَه إلّا بالاعترافِ لنبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله بنبوّتِه ولا يقبلُ ديناً إلّا بولايةِ مَن أمرَ بولايتِه ولا تنتظمُ أسبابُ طاعتِه إلّا بالتمسّكِ بعِصمِه وعصمِ أهلِ ولايتِه فأنزلَ على نبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله في يومِ الدوحِ ما بيّنَ به عن إرادتِه في خلصائِه وذوي اجتبائِه وأمرِه بالبلاغِ وتركِ الحفلِ بأهلِ الزيغِ والنفاقِ وضمنَ له عصمتَه مِنهم ، وكشفَ مِن خبايا أهلِ الريبِ وضمائرِ أهلِ الارتدادِ ما رمزَ فيه فعقلَه المؤمنُ والمنافقُ فأعزَّ مُعز وثبتَ على الحقِّ ثابتٌ وازدادَت جهلةُ المنافقِ وحميّةُ المارقِ ووقعَ العضُّ على النواجذِ والغمزُ على السواعدِ ونطقَ ناطقٌ ونعقَ ناعقٌ ونشقَ ناشقٌ واستمرَّ على مارقتِه مارقٌ ووقعَ الإذعانُ مِن طائفةٍ باللسانِ دونَ حقائقِ الإيمانِ ومِن طائفةٍ باللسانِ وصدقَ الإيمانُ وكملَ اللهُ دينهَ وأقرَّ عينَ نبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله والمؤمنينَ والمتابعينَ وكانَ ما قد شهدَه بعضُكم وبلّغَ بعضُكم وتمّت كلمةُ اللهِ الحُسنى الصابرينَ ودمّرَ اللهُ ما صنعَ فرعونُ وهامانُ وقارونُ وجنودُه وما كانوا يعرشون ، وبقيَت حثالةٌ منَ الضُلّالِ لا يألونَ الناسَ خبالاً يقصدُهم اللهُ في ديارِهم ويمحو اللهُ آثارهَم ويبيدُ معالمَهم ويعقبُهم عن قربِ الحسراتِ ويلحقُهم بمَن بسطَ أكفّهم ومدَّ أعناقَهم ومكّنَهم مِن دينِ اللهِ حتّى بدّلوه ومنِ حكمِه حتّى غيّروه وسيأتي نصرُ اللهِ على عدوّه لحينِه واللهُ لطيفٌ خبير ، وفي دونِ ما سمعتُم كفايةٌ وبلاغٌ فتأمّلوا رحمَكم اللهُ ما ندبَكم اللهُ إليه وحثّكم عليهِ وأقصدوا شرعَه واسلكوا نهجَه ولا تتّبعوا السبلَ فتفرّقَ بكُم عن سبيله.

 إنَّ هذا يومٌ عظيمُ الشأنِ فيهِ وقعَ الفرجُ ورفعَت الدرجُ ووضّحَت الحُججُ وهوَ يومُ الإيضاحِ والإفصاحِ عن المقامِ الصراحِ ويومُ كمالِ الدينِ ويومُ العهدِ المعهود ويومُ الشاهدِ والمشهود ويومُ تبيانِ العقودِ عن النفاقِ والجحودِ ويومُ البيانِ عن حقائقِ الإيمانِ ويومُ دحرِ الشيطانِ ويومُ البرهان ، هذا يومُ الفصلِ الذي كُنتم تُوعدون ، هذا يومُ الملأ الأعلى الذي أنتُم عنهُ مُعرِضون ، هذا يومُ الإرشادِ ويومُ مِحنةِ العبادِ ويومُ الدليلِ على الروّاد ، هذا يومُ أُبديَ خفايا الصدورِ ومُضمراتِ الأمورِ هذا يومُ النصوصِ على أهلِ الخصوصِ ، هذا يومُ شيث هذا يومُ إدريس هذا يومُ يوشع هذا يومُ شمعون هذا يومُ الأمنِ المأمون هذا يومُ إظهارِ المصونِ منَ المكنون ، هذا يومُ إبلاءِ السرائرِ فلم يزَل عليهِ السلام يقولُ هذا يومُ هذا يومُ فراقبوا اللهَ عزَّ وجل واتّقوهُ واسمعوا له وأطيعوهُ واحذروا المكرَ ولا تخادعوه ، وفتّشوا ضمائرَكم ولا تواربوه ، وتقرّبوا إلى اللهِ بتوحيدِه وطاعةِ مَن أمرَكم أن تُطيعوه ولا تُمسكوا بعِصمِ الكوافِر ولا يجنَح بكمُ الغيُّ فتضلّوا عن سبيلِ الرشادِ باتّباعِ أولئكَ الذينَ ضلّوا وأضلّوا ... واعلموا أيُّها المؤمنونَ أنَّ اللهَ عزّ وجل قالَ : إنَّ اللهَ يحبُّ الذينَ يقاتلونَ في سبيلِه صفّاً كأنّهم بنيانٌ مرصوص أتدرونَ ما سبيلُ اللهِ ومَن سبيلُه ومَن صراطُ اللهِ ومَن طريقُه ، أنا صراطُ اللهِ الذي مَن لم يسلُكه بطاعةِ اللهِ فيه هُويَ به إلى النارِ وأنا سبيلُه الذي نصبَني للاتّباعِ بعدَ نبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله ، أنا قسيمُ الجنّةِ والنار ، و أنا حُجّةُ اللهِ على الفُجّارِ ونورُ الأنوارِ فانتبهوا عن رقدةِ الغفلةِ وبادروا بالعملِ قبلَ حلولِ الأجلِ وسابقوا إلى مغفرةٍ مِن ربّكم قبلَ أن يضربَ بالسورِ بباطنِ الرحمةِ وظاهرِ العذابِ فتنادونَ فلا يُسمَعُ نداؤكم وتضجّونَ فلا يُحفلُ بضجيجِكم وقبلَ أن تستغيثوا فلا تُغاثوا سارعوا إلى الطاعاتِ قبلَ فوتِ الأوقات ، فكأنَّ قد جاءَكم هادمُ اللذّاتِ فلا مناصَ نجاء ولا محيصَ تخليص ، عودوا رحمَكم اللهُ بعدَ انقضاءِ مجمعِكم بالتوسعةِ على عيالِكم والبرِّ بإخوانِكم والشكرِ للهِ عزَّ وجل على ما مَنحَكم واجمعوا يجمَع اللهُ شملَكم وتبارّوا يصِل اللهُ ألفتَكم وتهادوا نعمَ اللهِ كما منّاكم بالثوابِ فيه على أضعافِ الأعيادِ قبلَه وبعدَه إلّا في مثلِه والبرُّ فيه يثمرُ المالَ ويزيدُ في العُمر ، والتعاطفُ فيه يقتضي رحمةَ اللهِ وعطفَه وهيّئوا لإخوانِكم وعيالِكم عن فضلِه بالجهدِ مِن جودِكم وبما تنالهُ القدرةُ مِن استطاعتِكم وأظهروا البِشرَ فيما بينَكم والسرورَ في مُلاقاتِكم ، والحمدُ للهِ على ما منحَكم وعودوا بالمزيدِ منَ الخيرِ على أهلِ التأميلِ لكم ، وساووا بكُم ضعفائَكم في مأكلِكم وما تنالُه القدرةُ مِن استطاعتِكم وعلى حسبِ إمكانِكم فالدرهمُ فيهِ بمائةِ ألفِ دِرهم والمزيدُ منَ اللهِ عزَّ وجل ، وصومُ هذا اليومِ ممّا ندبَ اللهُ تعالى إليه وجعلَ الجزاءَ العظيمَ كفالةً عنه حتّى لو تعبّدَ له عبدٌ منَ العبيد ِفي الشبيبةِ من ابتداء الدنيا إلى تقضيها صائما نهارها قائما ليلها إذا أخلص المخلص في صومِه لقصرَت إليهِ أيّامُ الدّنيا عن كفايةٍ ، ومَن أسعفَ أخاهُ مُبتدئاً وبرّه راغباً فلهُ كأجرِ مَن صامَ هذا اليومَ وقامَ ليلتَه ومَن فطّرَ مؤمناً في ليلتِه فكأنّما فطّرَ فئاماً وفئاماً يعدُّها بيدِه عشرة .

فنهضَ ناهضٌ فقالَ : يا أميرَ المؤمنين وما الفئامُ ؟ قالَ : مائةُ ألفِ نبيٍّ وصدّيقٍ وشهيد ، فكيفَ بمَن تكفّلَ عدداً منَ المؤمنينَ والمؤمنات وأنا ضمينُه على اللهِ تعالى الأمانَ منَ الكُفرِ والفقرِ وإن ماتَ في ليلتِه أو يومِه أو بعدَه إلى مثلِه مِن غيرِ ارتكابِ كبيرةٍ فأجرُه على اللهِ تعالى ، ومَن استدانَ لإخوانِه وأعانَهم فأنا الضامنُ على اللهِ إن بقاهُ قضاهُ وإن قبضَه حملَه عنه ، وإذا تلاقيتُم فتصافحوا بالتسليمِ وتهانوا النعمةَ في هذا اليومِ وليُبلِّغ الحاضرُ الغائب والشاهدُ البائنَ وليعُد الغنيُّ على الفقيرِ والقويُّ على الضعيفِ أمرَني رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله بذلك .

ثمَّ أخذَ صلّى اللهُ عليهِ وآله في خُطبةِ الجُمعة وجعلَ صلاةَ جُمعتِه صلاةَ عيدِه، وانصرفَ بولدِه وشيعتِه إلى منزلِ أبي محمّدٍ الحسنِ بنِ عليّ عليهِ السلام بما أعدَّ له مِن طعامِه وانصرفَ غنيُّهم وفقيرُهم برفدِه إلى عيالِه . (مصباحُ المُتهجّدِ للطوسي، ص752 – 758).

أقولُ: وفي هذا الحديثِ نصٌّ على أنَّ الإمامَ الرّضا (ع) كانَ قد اتّخذَ يومَ الغديرِ يومَ عيد، ونقلَ أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) قد نصَّ على كونِ الغديرِ يومَ عيد، وصلّى صلاةَ العيدِ جماعةً في يومِ الغدير.

ويؤيّدُ هذه الروايةَ روايةُ أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ أبي نصرٍ البزنطي الآتية.

8ـ روى السيّدُ ابنُ طاووس: ومِن أولئكَ ما رواهُ مُحمّدٌ بنُ عليٍّ بنِ مُحمّد الطرازي في كتابِه ، بإسنادِه المُتّصلِ إلى المُفضّلِ بنِ عُمر قالَ : قالَ لي أبو عبدِ اللهِ عليهِ السلام : إذا كانَ يومُ القيامةِ زُفّت أربعةُ أيّامٍ إلى اللهِ عزّ وجلّ كما تُزفُّ العروسُ إلى خدرِها : يومُ الفِطر ويومُ الأضحى ويومُ الجُمعة ويومُ غديرِ خُم ، ويومُ غديرِ خُم بينَ الفطرِ والأضحى ويومُ الجُمعةِ كالقمرِ بينَ الكواكب ، وإنَّ اللهَ ليوكّلُ بغديرِ خُم ملائكتَه المُقرّبين ، وسيّدَهم يومئذٍ جبرئيلُ عليهِ السلام ، وأنبياءُ اللهِ المُرسلين وسيّدُهم يومئذٍ مُحمّدٌ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، وأوصياءُ اللهِ المُنتخبين ، وسيّدُهم يومئذٍ أميرُ المؤمنينَ، وأولياءُ الله ، وساداتُهم يومئذٍ سلمانُ وأبو ذرٍّ والمقدادُ وعمّار ، حتّى يوردَه الجنانَ كما يوردُ الرّاعي بغنمِه الماءَ والكلاء .

قالَ المُفضّل: سيّدي تأمرُني بصيامِه ؟ قالَ لي : أي واللهِ أي واللهِ أي والله إنّه اليومُ الذي تابَ اللهُ فيه على آدمَ عليهِ السلام فصامَ شُكراً لله ، على ذلكَ اليوم ، وإنّه اليومُ الذي نجّى اللهُ تعالى فيهِ إبراهيمَ عليهِ السّلام منَ النارِ فصامَ شُكراً للهِ تعالى على ذلكَ اليوم ، وإنّه اليومُ الذي أظهرَ عيسى عليهِ السلام وصيَّه شمعونَ الصّفا فصامَ شُكراً للهِ عزَّ وجل على ذلكَ اليوم .

وإنّه اليومُ الذي أقامَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله عليّاً للناسِ علماً وأبانَ فيهِ فضلَه ووصيّه ، فصامَ شُكراً للهِ تباركَ وتعالى ذلكَ اليوم ، وإنّه ليومُ صيامٍ وقيامٍ وإطعامٍ وصِلةِ الإخوان وفيهِ مرضاةُ الرّحمان ومرغمةُ الشيطان. (إقبالُ الأعمالِ لابنِ طاووس: 2 / 264).

أقولُ: جعلَ الإمامُ يومَ الغديرِ في مصافِ الأعياد، وإنّ الغديرَ بالنسبةِ إلى الفطرِ والأضحى كالقمرِ بينَ الكواكب، مُضافاً إلى أنّ سياقَه يناسبُ كونَه يومَ عيد.

9ـ روى المجلسيُّ : عن السيّدِ ابنِ طاووس في زوائدِ الفوائد ، والشيخِ حسنٍ بنِ سُليمان في كتابِ المُحتضِر واللفظُ هُنا للأخيرِ قالَ : نقلتُه مِن خطِّ الشيخِ الفقيهِ عليٍّ بنِ مظاهر الواسطي بإسنادٍ مُتّصلٍ عن محمّدٍ بنِ العلاءِ الهمداني الواسطي ويحيى بنِ مُحمّدٍ بنِ جريحٍ البغدادي قالا : تنازعا في ابنِ (أبو) الخطّابِ (محمّدٍ بنِ أبي زينب) فاشتبهَ علينا أمرُه ، فقصَدنا جميعاً أحمدَ بنَ إسحاقَ القُمّي ، صاحبُ أبي الحسنِ العسكري (ع) ، بمدينةِ قُم ، وقرعنا البابَ ، فخرجَت إلينا صبيّةٌ عراقيّةٌ مِن دارِه ، فسألناها عنهُ ، فقالت : هوَ مشغولٌ بعيدِه فإنّه يومُ عيد . فقُلنا : سُبحان الله ! الأعيادُ أعيادُ الشيعةِ أربعةٌ : الأضحى ، والفطرُ ، ويومُ الغديرِ ، ويومُ الجُمعة... (بحارُ الأنوار: 31 / 126 عن المُحتضر، و : 95 / 351 عن زوائدِ الفوائدِ لابنِ طاووس ، المُحتضر للحسنِ بنِ سليمان ص89 – 98.)

ورواه الشيخُ مُحمّدٌ بنُ الحسنِ القمّي عن الحسنِ بنِ الحُسين السامري قالَ: كنتُ أنا ويحيى بنِ أحمدَ بنِ جريحٍ البغدادي ... (العقدُ النضيدُ والدرُّ الفريدُ لمُحمّدٍ بنِ الحسنِ القُمّي ص60 - 63 حديث 46.)

ورواهُ الشيخُ هاشمٌ بنُ محمّد ( ق 6 ) في كتابِه مصباحُ الأنوارِ في فضائلِ إمامِ الأبرار قالَ : أخبرَنا أبو محمّدٍ الحسنُ بنُ مُحمّدٍ القُمّي بالكوفةِ ، قالَ : حدّثنا أبو بكرٍ مُحمّدٌ بنُ جعدويه القزويني ، وكانَ شيخاً زاهداً صالحاً سنةَ إحدى وأربعينَ وثلاثمائةَ صاعداً إلى الحجِّ ، قالَ : حدّثني محمّدٌ بنُ علي القزويني ، قالَ : حدّثني الحسنُ بنُ الحسنِ الخالدي بمشهدِ أبي الحسنِ عليٍّ الرضا عليهِ السلام ، قالَ : حدّثني محمّدٌ بنُ العلاءِ الهمدانيّ الواسطيّ ويحيى بنُ محمّدٍ بنِ خديج البغدادي قالَ : تنازَعنا في أمرِ أبي الخطّابِ محمّدٍ بنِ زينبَ الكوفي ، فاشتبهَ علينا أمرُه ، فقصَدنا جميعاً أبا عليٍّ أحمدَ بنَ إسحاقَ بنِ سعدٍ الأشعري القمّي ...إلخ. (مصباحُ الأنوارِ في فضائلِ إمامِ الأبرار لهاشمٍ بنِ مُحمّد، صورةُ 89 مخطوط ( نسخةُ السادةِ آلِ الخرسان )

أقولُ: وهذهِ الحادثةُ تنصُّ على شُهرةِ ومفروغيّةِ كونِ يومِ الغديرِ منَ الأعياد.

10ـ روى الطوسيُّ: عن الحُسينِ بنِ الحسنِ الحُسيني قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُ موسى الهمدانيّ قالَ : حدّثنا عليٌّ بنُ حسّانَ الواسطي قالَ : حدّثنا عليٌّ بنُ الحُسينِ العبدي قالَ : سمعتُ أبا عبدِ اللهِ الصّادق عليهِ السلام يقولُ : صيامُ يومِ غديرِ خُم يعدلُ صيامَ عُمرِ الدّنيا لو عاشَ إنسانٌ ثمَّ صامَ ما عمرَت الدّنيا لكانَ له ثوابُ ذلك ، وصيامُه يعدلُ عندَ اللهِ عزَّ وجل في كلِّ عامٍ مائةَ حجّةٍ ومائةَ عمرةٍ مبروراتٍ مُتقبّلات ، وهوَ عيدُ اللهِ الأكبر ، وما بعثَ اللهُ عزَّ وجل نبيّاً قطّ إلّا وتعيّدَ في هذا اليومِ وعرفَ حُرمتَه ، واسمُه في السماءِ يومُ العهدِ المعهود ، وفي الأرضِ يومُ الميثاقِ المأخوذِ والجمعِ المشهود ، مَن صلّى فيهِ ركعتين ... وما سألَ اللهَ عزَّ وجلَّ حاجةً مِن حوائجِ الدّنيا وحوائجِ الآخرة إلّا قُضيَت كائنةً ما كانَت الحاجةُ ... ومَن فطّرَ فيهِ مؤمناً كانَ كمَن أطعمَ فئاماً وفئاماً وفئاماً فلم يزَل يعدُّ إلى أن عقدَ بيدِه عشراً ثمَّ قالَ أتدري كم الفئام ؟ قلتُ : لا قالَ : مائةُ ألفٍ كلُّ فئام ، كلٌّ لهُ ثوابُ مَن أطعمَ بعددِها منَ النبيّينَ والصدّيقينَ والشهداءِ في حرمِ اللهِ عزَّ وجل وسقاهم في يومٍ ذي مسغبة ، والدرهمُ فيه بألفِ ألفِ درهم قالَ : لعلّكَ ترى أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلقَ يوماً أعظمَ حُرمةً مِنه ، لا واللهِ لا واللهِ لا واللهِ ثمَّ قال : وليكُن مِن قولِكم إذا التقيتُم أن تقولوا ( الحمدُ للهِ الذي أكرمَنا بهذا اليومِ وجعلَنا منَ المُوفين بعهدِه إلينا وميثاقِه الذي واثقَنا به مِن ولايةِ ولاةِ أمرِه والقوّامِ بقِسطه ولم يجعَلنا منَ الجاحدينَ والمُكذّبينَ بيومِ الدين ) ... (تهذيبُ الأحكامِ للطوسي: 3 / 143).

ورواهُ السيّدُ ابنُ طاووس منِ كتابِ محمّدٍ بنِ عليّ الطرازي بإسنادِه إلى أبي الحسنِ عبدِ القاهرِ بوّابِ مولانا أبي إبراهيمَ موسى بنِ جعفرٍ وأبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليّ عليهما السلام، عن عليٍّ بنِ حسّان به. (إقبالُ الأعمالِ لابنِ طاووس: 2 / 282). وهذهِ مُتابعةٌ لمُحمّدٍ بنِ موسى الهمداني.

أقولُ: وفي هذا الحديثِ أنّه عيدُ اللهِ الأكبر، وأنّه لم يبعَث نبيٌّ إلّا وتعيّدَ في يومِ الغدير، وعرفَ حُرمتَه، وليسَ للهِ يومٌ أعظمُ حُرمةً مِن يومِ الغدير.

11ـ قالَ الطوسي: وروى زيادُ بنُ محمّد قالَ : دخلتُ على أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام فقلتُ : للمُسلمينَ عيدٌ غيرُ يومِ الجُمعةِ والفِطر والأضحى ؟ قالَ : نعم ، اليومُ الذي نُصبَ فيهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أميرَ المؤمنينَ عليهِ السلام ، فقلتُ : وأيُّ يومٍ هوَ يا ابنَ رسولَ الله ؟ فقالَ : وما تصنعُ بذلكَ اليومِ والأيّامُ تدورُ ولكنّه لثمانيةَ عشرَ مِن ذي الحجّة ، ينبغي لكُم أن تتقرّبوا إلى اللهِ تعالى بالبرِّ والصومِ والصّلاةِ وصلةِ الرّحم وصلةِ الإخوان فإنَّ الأنبياءَ عليهم السلام كانوا إذا أقاموا أوصياءَهم فعلوا ذلكَ وأمروا به . (مصباحُ المُتهجّد للطوسي، ص736).

أقولُ: وفي هذا الحديثِ نصَّ على أنّه يومُ عيد، وأنَّ الأنبياءَ كانوا يتّخذونَ يومَ تنصيبِ أوصيائهم يومَ عيد.

12ـ قالَ الطوسي: وروى داودُ بنُ كثيرٍ الرّقّي عن أبي هارونَ عمارةَ بنِ جوين العبدي قالَ : دخلتُ على أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام في يومِ الثامنِ عشرَ مِن ذي الحجّةِ فوجدتُه صائماً ، فقالَ لي : هذا يومٌ عظيمٌ عظّمَ اللهُ حُرمتَه على المؤمنينَ وأكملَ لهم فيهِ الدينَ وتمّمَ عليهم النعمةَ وجدّدَ لهم ما أخذَ عليهم منَ العهدِ والميثاق . فقيلَ له : ما ثوابُ صومِ هذا اليومِ قالَ : إنّه يومُ عيدٍ وفرحٍ وسرورٍ ويومُ صومٍ شكراً للهِ تعالى ، وإنَّ صومَه يعدلُ ستّينَ شهراً مِن أشهرِ الحرمِ ومَن صلّى فيهِ ركعتين أيُّ وقتٍ شاء ، وأفضلُه قربَ الزوالِ وهيَ الساعةُ التي أقيمَ فيها أميرُ المؤمنينَ بغديرِ خُم علماً للنّاس ، وذلكَ أنّهم كانوا قرّبوا منَ المنزلِ في ذلكَ الوقت ، فمَن صلّى في ذلكَ الوقتِ ركعتين ، ثمَّ يسجد ، ويقولُ : شكراً للهِ مائةَ مرّة ، ودعا بعقبِ الصّلاةِ بالدّعاءِ الذي جاءَ به. (مصباحُ المُتهجّد للطوسي، ص737).

ورواهُ السيّدُ ابنُ طاووس قالَ: فيما نذكرُه مِن عملِ العيدِ الغديرِ السعيد ، ممّا رويناهُ بصحيحِ الإسنادِ فمِن ذلكَ بالأسانيدِ المُتّصلةِ ممّا ذكرَه ورواه محمّدٌ بنُ عليّ الطرازي في كتابِه ، عن محمّدٍ بنِ سنان ، عن داودَ بنِ كثير الرّقّي ، عن عمارةَ بنِ جوين أبي هارونَ العبدي ، ورويناهُ بأسنادِنا أيضاً إلى الشيخِ المُفيد محمّدٍ بنِ محمّدٍ بنِ النعمان ، فيما رواهُ عن عمارةَ بنِ جوين أبي هارون العبدي به. (إقبالُ الأعمالِ لابنِ طاووس: 2 / 276).

أقولُ: وفي هذا الحديثِ نصٌّ على أنَّ يومَ الغديرِ يومُ عيدٍ وفرحٍ وسرورٍ وصيامٍ شُكراً للهِ تعالى.

13ـ روى فراتٌ الكوفي: حدّثني جعفرٌ بنُ محمّد الأزدي قالَ : حدّثنا محمّدٌ - يعني ابنُ الحسينِ الصائغ - قالَ : حدّثنا الحسنُ بنُ عليّ الصيرفي عن محمّدٍ البزّاز عن فراتٍ بنِ أحنف : عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ : قلتُ : جُعلتُ فداكَ للمُسلمينَ عيدٌ أفضلُ منَ الفِطر والأضحى ويومِ الجُمعة ويومِ عرفة ؟ قالَ : فقالَ لي : نعم أفضلُها وأعظمُها وأشرفُها عندَ اللهِ منزلةً ، وهوَ اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيهِ الدينَ وأنزلَ على نبيّه ( اليومَ أكملتُ لكُم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعمتي ورضيتُ لكُم الإسلامَ ديناً ) قالَ : قلتُ : وأيُّ يومٍ هوَ ؟ قالَ : فقالَ لي : إنَّ أنبياءَ بني إسرائيل كانوا إذا أرادَ أحدُهم أن يعقدَ الوصيّةَ والإمامةَ للوصيّ مِن بعدِه ففعلَ ذلكَ جعلوا ذلكَ اليومَ عيداً ، وإنّه اليومُ الذي نصبَ فيهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم عليّاً للنّاسِ علماً وأنزلَ فيهِ ما أنزل ، وكملَ فيهِ الدينُ وتمّت فيهِ النعمةُ على المؤمنينَ . قالَ : قلتُ : وأيُّ يومٍ هوَ في السنة ؟ قالَ : فقالَ لي : إنَّ الأيّامَ تتقدّمُ وتتأخّرُ فربّما كانَ يومُ السبتِ والأحدِ والاثنينِ إلى آخرِ الأيّام. قالَ : قلتُ : فما ينبغي لنا أن نعملَ في ذلكَ اليوم ؟ قالَ : هوَ يومُ عبادةٍ وصلاةٍ وشكرٍ للهِ وحمدٍ له وسرورٍ لِما مَنَّ اللهُ به عليكُم مِن ولايتِنا وإنّي أحبُّ لكُم أن تصوموه. (تفسيرُ فُرات الكوفي، ص118).

14ـ قالَ ابنُ طاووس: ومنَ الدعواتِ في يومِ عيدِ الغدير ما ذكرَه محمّدٌ بنُ عليّ الطرازي في كتابِه رويناهُ بإسنادِنا إلى عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ الحِميري قالَ : حدّثنا هارونُ بنُ مسلم ، عن أبي الحسنِ الليثي ، عن أبي عبدِ اللهِ جعفرٍ بنِ محمّد عليهما السلام أنّه قالَ لمَن حضرَه مِن مواليّه وشيعتِه: أتعرفونَ يوماً شيّدُ اللهُ بهِ الإسلامَ ، وأظهرَ بهِ منارَ الدين ، وجعلَه عيداً لنا ولموالينا وشيعتِنا ؟ فقالوا : اللهُ ورسولُه وابنُ رسولِه أعلم ، أيومُ الفطرِ هوَ يا سيّدنا ؟ قالَ : لا ، قالوا : أفيومُ الأضحى هو ؟ قالَ : لا ، وهذانِ يومانِ جليلانِ شريفانِ ويومُ منارِ الدينِ أشرفُ منهما ، وهوَ اليومُ الثامنُ عشرَ مِن ذي الحجّة – ثمَّ ذكرَ أدعيةً وصلاةً ثمَّ تقولُ في السجود: - [اللهمَّ إنّا إليكَ نوجّهُ وجوهَنا في يومِ عيدِنا الذي شرّفتنا فيهِ بولايةِ مولانا أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب صلّى اللهُ عليه] ... ثمَّ كُل واشرَب وأظهِر السرورَ وأطعِم إخوانَك ، وأكثِر برّهم واقضِ حوائجَ إخوانِك ، إعظاماً ليومِك ، وخلافاً على أظهَر فيهِ الاغتمامَ والحزنَ ضاعفَ اللهُ حُزنَه وغمّه. (إقبالُ الأعمالِ لابنِ طاووس: 2 / 279، وما بينَ معقوفتينِ سقطَت مِن مطبوعةِ الإقبال، وأضفناها مِن بحارِ الأنوار: 95 / 300، وكشفُ المُهمِّ في طريقِ خبرِ غديرِ خُم للسيّدِ هاشمٍ البحراني، ص84).

15ـ روى ابنُ شهرِ آشوب: ابنُ عبّاس: اجتمعَت في ذلكَ اليومِ خمسةُ أعيادٍ الجُمعة ، والغديرُ ، وعيدُ اليهودِ والنّصارى والمجوس. (المناقبُ لابنِ شهرِ آشوب: 2 / 227).

16- روى الطوسيُّ: محمّدٌ بنُ أحمد بنِ داود عن أبي عليٍّ أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ عمّارٍ الكوفي قالَ : حدّثنا أبي قالَ : حدّثنا عليٌّ بنُ الحسنِ بنِ فضّال عن محمّدٍ بنِ عبدِ الله ابنِ زُرارة عن أحمدَ بنِ مُحمّد بنِ أبي نصر قالَ : كنّا عندَ الرّضا ( عليهِ السلام ) والمجلسُ غاصٌّ بأهلِه فتذاكروا يومَ الغدير ، فأنكرَه بعضُ الناسِ فقالَ الرّضا ( عليهِ السلام ) : حدّثني أبي عن أبيهِ ( عليه السلام ) قالَ : إنَّ يومَ الغديرِ في السماءِ أشهرُ مِنه في الأرضِ ، إنَّ للهِ في الفردوسِ الأعلى قصراً لبنةً مِن فضّة ولبنةً مِن ذهب ، فيهِ مائةُ ألفِ قبّةٍ مِن ياقوتةٍ حمراء ومائةُ ألفِ خيمةٍ مِن ياقوتٍ أخضر ، ترابُه المِسكُ والعنبر ، فيهِ أربعةُ أنهارٍ نهرٌ مِن خمرٍ ونهرٌ مِن ماءٍ ونهرٌ مِن لبنٍ ونهرٌ مِن عسل ، وحواليه أشجارُ جميعِ الفواكه ، عليهِ طيورٌ أبدانُها مِن لؤلؤٍ وأجنحتُها مِن ياقوتٍ تصوّتُ بألوانِ الأصوات ، إذا كانَ يومُ الغديرِ وردَ إلى ذلكَ القصرِ أهلُ السماواتِ يسبّحونَ اللهَ ويقدّسونَه ويهلّلونَه ، فتطايرُ تلكَ الطيورُ فتقعُ في ذلكَ الماءِ وتتمرّغُ على ذلكَ المسكُ والعنبر ، فإذا اجتمعَت الملائكةُ طارَت فتنفضُ ذلكَ عليهم وإنّهم في ذلكَ اليومِ ليتهادونَ نثارَ فاطمةَ ( عليها السلام ) ، فإذا كانَ آخرُ ذلكَ اليوم نودوا انصرِفوا إلى مراتبِكم فقد أمِنتُم منَ الخطأ والزلل إلى قابلٍ في مثلِ هذا اليومِ تكرمةً لمُحمّدٍ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وعليٍّ عليهِ السلام ، ثمَّ قالَ : يا بنَ أبي نصرٍ أينَ ما كنتَ فاحضَر يومَ الغديرِ عندَ أميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السلام ) ، فإنَّ اللهَ يغفرُ لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ومُسلمٍ ومُسلمةٍ ذنوبَ ستّينَ سنةً ، ويعتقُ منَ النارِ ضعفُ ما أعتقَ في شهرِ رمضان وليلةِ القدرِ وليلةِ الفطر ، والدرهمُ فيهِ بألفِ درهم لإخوانكَ العارفينَ ، فأفضِل على إخوانِك في هذا اليومِ وسُرَّ فيهِ كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ، ثمَّ قالَ : يا أهلَ الكوفةِ لقد أعطيتُم خيراً كثيراً وإنّكم لمِمَّن امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان ، مُستقلّونَ مقهورونَ مُمتحنونَ يصبُّ عليكُم البلاءُ صبّاً ، ثمَّ يكشفُه كاشفُ الكُربِ العظيم ، واللهِ لو عرفَ الناسُ فضلَ هذا اليومِ بحقيقتِه لصافحَتهم الملائكةُ في كلِّ يومٍ عشرَ مرّات ، ولولا أنّي أكرهُ التطويلَ لذكرتُ مِن فضلِ هذا اليومِ وما أعطى اللهُ فيهِ مَن عرفَه ما لا يُحصى بعددٍ .

قالَ عليٌّ بنُ الحُسينِ بنِ فضّال قالَ لي : محمّدٌ بنُ عبدِ اللهِ لقد تردّدتُ إلى أحمدَ بنِ محمّدٍ أنا وأبوكَ والحسنُ بنُ الجهمِ أكثرَ مِن خمسينَ مرّةً وسمعناهُ منه . (تهذيبُ الأحكام: 6 / 24).

أقولُ: قولُه: (فتذاكروا يومَ الغدير ، فأنكرَه بعضُ الناس) الإنكارُ هُنا ليسَ لأصلِ واقعةِ غديرِ خُم، فهذا لا ينكرُه مُسلم، بل الاستنكارُ وقعَ على كونِ هذا اليومِ عيدٌ، والدليلُ عليه: هوَ جوابُ الإمامِ الرّضا (ع)، فهوَ يناسبُ أن يكونَ الاستنكارُ لكونِه عيداً، ولا يناسبُ أن يكونَ الاستنكارُ لأصلِ الحادثة.

فلو كانَ الاستنكارُ لأصلِ الحادثة، لكانَ أن يجيبَ الإمامُ بما يفيدُ ثبوتَ الحادثةِ ووقوعَها في الخارجِ، ولكنّه (ع) لم يفعَل ذلك ، بل أجابَ بأنَّ الغديرَ أشهرُ في السماء، وأنّ الملائكةَ يتهادونَ فيما بينَهم نثارَ فاطمةَ عليها السلام في يومِ الغدير، وأنّه يومٌ يتفضّلُ اللهُ على الملائكةِ بالعصمةِ عن الخطأ والزللِ إلى قابل، واستحبابُ زيارةِ الأميرِ (ع)، وأنّه يومُ المغفرةِ والعتقِ منَ النار، وثوابُ التصدّقِ يتضاعفُ، وأنّه يُستحبُّ إدخالُ السرورِ على المؤمنينَ، وأنّه يومٌ عظيمُ الشأن.

كل هذه الفقرات تناسب أن يكون يوم عيد، فيكون جواب الإمام (ع) في سياق إثبات كونها عيدٌ، وأنّ الإستنكار قد وقع على كونها يوم عيد، فأجاب الإمام بما يثبت كونها يوم عيد.

ويؤيد هذا: أنه تقدم في رواية الإمام الرضا (ع) برقم 7 ، والتي نقلها الشيخ الطوسي في المصباح أن الإمام الرضا (ع) قد اتخذ يوم الغدير يوم عيد، وقد حبس خواص أصحابه للإفطار عنده، وأنه لبس ملابس جديدة وجميلة.. الخ.

17- روى ابن الشجري: أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد الوراق الشروطي، بقراءتي عليه، قال: حدثنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن القاسم الشعراني الفقيه، إملاء، قال: حدثنا أحمد بن علي بن أحمد القمي، قال: حدثني علي بن الحسين، قال: حدثنا الحسن بن أحمد المالكي، قال: حدثنا الحسين بن زيد الزنادي، عن صفوان بن يحيى، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، يقول: الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمس في يوم أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه وأتم عليهم نعمه ورضي لهم الإسلام دينا، وما بعث الله نبيا إلا أقام وصيه في مثل هذا اليوم ونصبه علما لأمته، فليذكر الله شيعتنا على ما من عليهم بمعرفته هذا اليوم دون سائر الناس ، قال: فقلت: يابن رسول الله، فما نصنع فيه؟ فقال : تصومه فإن صيامه يعدل ستين شهرا وتحسن فيه إلى نفسك وعيالك وما ملكت يمينك بما قدرت عليه. (ترتيب الأمالي الخميسية لابن الشجري: 1 / ١٩١، رقم 715).

الخلاصة: لاحظنا في هذه الروايات شهرة عيد الغدير في مؤلفات الشيعة الإمامية، وانتشار الرواية في أغلب مؤلفاتهم الحديثية، والتي رواها شيوخ الطائفة وفقهائها، جيلاً بعد جيلاً.

وعليه: فكون يوم الغدير عيد إسلامي، مما لا يعتريه الشك أو الريب.

وإذا ضممنا إليه الدليل القرآني المتقدم فإنه يزيدنا يقيناً على يقين.

رابعاً:

ورد في بعض الاشعار أنّ يوم الغدير يوم عيد:

1ـ قال قيس بن سعد بن عبادة ( ت 60 هـ تقريباً):

يوم الغدير سوى العيدين لي عيد * يوم يسر به السادات والصيد

نال الإمامة فيه المرتضى وله * فيها من الله تشريف وتمجيد

يقول احمد خير المرسلين ضحى * في مجمع حضرته البيض والسود

فالحمد لله حمدا لا انقضاء له * له الصنايع والألطاف والجود

(روضة الواعظين للفتال النيسابوري (ت 508 هـ)، ص104).

2ـ وقال البشنوي الكردي ( ت بعد 380 هـ):

وقد شهدوا عيد الغدير واسمعوا * مقال رسول الله من غير كتمان

الست بكم أولى من الناس كلهم * فقالوا بلى يا أفضل الإنس والجان

(المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 236).

وقال أيضاً:

يوم الغدير لدى الولاية عيد * ولدى النواصب فضله مجحود

يوم يوسم في السماء بأنه * العهد وفيه ذلك المعهود

والأرض بالميراث أضحت وسمة * لو طاع موطود وكف حسود

(المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 243).

3ـ وقال أبو النجيب الطاهر (ت 401 هـ) :

عيد في يوم الغدير المسلم * وانكر العيد عليه المجرم

يا جاحدي الموضع واليوم وما * فاه به المختار تبا لكم

فأنزل الله تعالى جده * اليوم أكملت لكم دينكم

واليوم أتممت عليكم نعمتي * وان من نصب الأنام المنعم

(المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 227).

4ـ وقال شاعر :

وناصبي شديد النصب قابلني * يوم الغدير بوجه غير ذي جذل

فقال قل لي ماذا اليوم قلت له * اليوم عيد أمير المؤمنين علي

(المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 244).

الخلاصة: دلّ الدليل القرآني والروائي المستفيض أو المتواتر، وما ورد في الشعر الإسلامي، أنّ يوم الغدير يوم عيد وفرح وسرور وشكر لله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.