ما مفهومُ الإنسانِ المُتعالي كما ظهرَ في نهجِ البلاغةِ للإمامِ عليٍّ عليهِ السلام؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يبدو أنَّ السائلَ يقصدُ منَ الإنسانِ المُتعالي الإنسانَ الكامل؛ فكلمةُ التعالي لها دلالةٌ إيجابيّةٌ إذا قصدَ مِنها التعالي على الصّغائر، وفي نفسِ الوقتِ لها دلالةٌ سلبيّةٌ إذا ارتبطَت بالغرورِ والتكبّر، وبما أنَّ السّائلَ قد ربطَ بينَ الإنسانِ المُتعالي وبينَ نهجِ البلاغةِ علِمنا أنّه يقصدُ التعالي عبرَ القيم، فنهجُ البلاغةِ بما فيهِ مِن خُطبٍ وحِكمٍ يُمثّلُ الصّورَ المُثلى للإنسانِ الكامل، حيثُ جسّدَت كلماتُه (عليهِ السلام) النموذجَ الذي يجبُ أن يكونَ عليهِ الإنسانُ القرآني، فكلُّ خُطبةٍ مِن خُطبِه وكلُّ حِكمةٍ مِن حِكمِه هيَ تثبيتٌ لمعالمِ الحقِّ وتقويمٌ للواقعِ المُعوجّ، فقَد كانَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) الشاهدَ بعدَ رسولِ اللهِ على هذهِ الأمّة، قالَ تعالى: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ وَيَتلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ)، ولذلكَ لم تُكن خُطبُ أميرِ المؤمنينَ ورسائلهُ مُجرّدَ تحليلٍ سياسيٍّ واجتماعيّ للأحداثِ، وإنّما كانَت لسانَ السّماءِ الناطقَ بالحقِّ وعينَ اللهِ الشاهدَ على الخلق، فأميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) ليسَ مُجرّدَ مُراقبٍ عاديٍّ للأحداثِ وإنّما كانَ خليفةَ اللهِ في أرضِه وحُجّتِه على عبادِه، ومِن هُنا فإنَّ العلاقةَ بينَ القرآنِ ونهجِ البلاغةِ هيَ علاقةُ الأصلِ بالفرع، وعلاقةُ المُجمَلِ بالمُفصّلِ، والمثالُ بالمِصداق، فلا يمكنُ معرفةُ الأصلِ ما لم يُعرَف ما يتفرّعُ مِنه، ولا يمكنُ معرفةُ المُجمَلِ ما لم يُعرَف ما يفصلُ عنه، ولا يمكنُ معرفةُ المثالِ ما لم يُعرَف المِصداق، فنهجُ البلاغةِ هوَ ظلُّ القرآنِ الذي لا ينفكُّ عنه، فإذا كانَ القرآنُ هوَ تأكيداً للمبدأ فإنَّ نهجَ البلاغةِ هوَ الانعكاسُ الاجتماعيُّ والإنسانيُّ لذلكَ المبدأ، وعليهِ فإنَّ الكمالَ الإنسانيَّ على مُستوى المفهومِ نجدُه في القرآنِ وعلى مُستوى الواقعِ العمليّ نجدُه في نهجِ المعصومينَ وكلماتِهم. وعليهِ لم نقِف على مفهومٍ خاصٍّ للكمالِ في نهجِ البلاغةِ يختلفُ عن مفهومِ القرآنِ للكمال، وإن كانَ هناكَ فرقٌ فيعودُ إلى أنَّ نهجَ البلاغةِ شكّلَ نموذجاً عمليّاً للكمالِ مِن خلالِ الرغبةِ الصارمةِ للتجربةِ الإيمانيّةِ للمُسلمين، وبذلكَ يكونُ قد عكسَ بشكلٍ عمليٍّ ما يجبُ أن يكونَ عليهِ الإنسانُ الكاملُ والمُجتمَعُ الكامل. أمّا الدراسةُ التحليليّةُ لخُطبِ أميرِ المؤمنينَ في نهجِ البلاغةِ قد تكفّلَت بها كتبٌ خاصّة، ومَن أرادَ الوقوفَ على الجانبِ الإنسانيّ في نهجِ البلاغةِ أو جانبِ الكمالِ في خُطبِ أميرِ المؤمنينَ فيمكنُه مراجعةُ كتابِ (الإنسانُ الكاملُ في نهجِ البلاغة) للعلّامةِ حسن زادة آملي، وكذلكَ الرجوعُ إلى كتابِ (الإنسانُ في نهجِ البلاغة) وهوَ كتابٌ مِن سلسلةِ في رحابِ نهجِ البلاغةِ الذي أصدرَته العتبةُ العلويّة.
اترك تعليق