كيفَ يصلُ الإنسانُ مرحلةً أن يكونَ مُتّزناً عندَ المشاكلِ وكيفَ يتخلّصُ مِن حالةِ الاضطرابِ والعجلةِ عندَ المشاكل؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  كثيرةٌ هيَ النصائحُ التي يمكنُ أن تُذكرَ في هذا الشأن، فكلُّ التوجيهاتِ الروحيّةِ والمعنويّةِ لعُلماءِ الدين، وكلُّ المواعظِ التربويّةِ والسلوكيّةِ لعلماءِ الأخلاق، وكلُّ التوصياتِ النفسيّةِ والاجتماعيّةِ لعُلماءِ النفسِ والاجتماع، جميعُها تستهدفُ الوصولَ بالإنسانِ إلى مرحلةِ الاتّزانِ النفسي، فكثيرةٌ هيَ العواملُ التي تتداخلُ وتتكاملُ فيما بينَها لبناءِ شخصيّةٍ إنسانيّةٍ مُستقيمةٍ ومُتّزنةٍ، وعليهِ لا وجودَ لوصفةٍ واحدةٍ يمكنُ تعميمُها على جميعِ البشرِ فكلُّ واحدٍ مُطالَبٌ بتشخيصِ ما ينقصُه وما يحتاجُ إلى تكميله، ومعَ ذلكَ فإنَّ العاملَ الحاسمَ في هذا الأمرِ هوَ كيفَ يمكنُ للإنسانِ أن يُحقّقَ وعياً بذاتِه وبالواقعِ الذي يحيطُ به؟ فاستقامةُ الحياةِ الإنسانيّةِ تكونُ مِن خلالِ ضبطِ النفسِ بما يتوافقُ معَ حِكمةِ الحياةِ وفلسفتِها، فكلُّ مَن يسيرُ في الحياةِ بلا هُدىً ولا بصيرةٍ سيعيشُ حالةً منَ التناقضِ والتضادِّ معَ كلِّ تفاصيلِ الحياة، بينَما العالمُ بحِكمةِ الحياةِ وفلسفتِها ينظرُ لصعوباتِ الحياةِ بوصفِها مُحفّزاٍت تستخرجُ القُدراتِ وتصقلُ المواهبَ والإمكانات، فالعاملُ الأساسُ في توازنِ الإنسانِ هوَ أن يكونَ بصيراً بنفسِه وبالواقعِ الذي يتعاملُ معَه، ومِن هُنا يجبُ أن تكونَ الإجابةُ على هذا السؤالِ مُختصرةً على التصوّرِ العامِّ للعواملِ والمعوقاتِ المُتعلّقةِ بالتوازنِ النفسي.  فقد رصدَ الباحثونَ وعُلماءُ النفسِ عدداً منَ العواملِ التي تُشكّلُ أساساً للتوازنِ النفسيّ والتي يمكنُ اختصارُها في الآتي:  • الاهتمامُ بالجانبِ الصحّيّ فقد قيلَ قديماً: (أنَّ العقلَ السليمَ في الجسمِ السليم) فكلّما كانَت صحّةُ الإنسانِ جيّدةً وبعيدةً عن الأمراضِ التي تُسبّبُ لهُ مُعاناةً مُستمرّةً كلّما كانَ مؤهّلاً لمواجهةِ صعوباتِ الحياةِ ومشاكلِها، وبالتالي تصبحُ الصحّةُ السليمةُ منَ العواملِ التي تساعدُ على التوازنِ النفسي، فهناكَ الكثيرُ منَ الأبحاثِ العلميّةِ التي تربطُ بينَ الحالةِ المرضيّةِ والحالاتِ النفسيّة. • الاهتمامُ بالجانبِ المِهنيّ والوظيفيّ فالعطالةُ مِن أكثرِ مُسبّباتِ القلقِ والتوتّر، فالإنسانُ الذي يعملُ برضا وقناعةٍ في الوظيفةِ التي توفّرُ لهُ حاجاتِه يكونُ أكثرَ استقراراً ورضا، فالعطالةُ تعدُّ مِن أكثرِ العواملِ التي تُفقِدُ الإنسانَ شعورَه بذاتِه وبأهمّيّتِه في الحياة ولذا يكونُ دائماً في حالةٍ منَ السخطِ وعدمِ الرّضا.  • الاهتمامُ بالأجواءِ الأسريّةِ فكلّما كانَ الإنسانُ متوازناً في حياتِه الأسريّةِ كلّما كانَ مُتوازِناً نفسيّاً، فهناكَ علاقةٌ جدليّةٌ بينَ الحالةِ النفسيّةِ والحالةِ الأسريّة فكلٌّ مِنهُما يؤثّرُ على الآخر، وعليهِ منَ الصعبِ أن يُصلِحَ الإنسانُ نفسَه مِن غيرِ أن يُصلِحَ الأسرةَ التي تحتضنُه، وكذلكَ منَ الصعبِ أن يُصلِحَ الإنسانُ أسرتَه مِن غيرِ أن يُصلِحَ نفسَه، وعليهِ لابدَّ أن يعملَ الإنسانُ في الاتّجاهينِ معاً حتّى يُحقّقَ توازناً أسريّاً وتوازناً نفسيّاً. • الابتعادُ قدرَ الإمكانِ عمّا يُسبّبُ ضغوطاً إضافيّةً مثلَ النزاعاتِ الاجتماعيّةِ والمشاكلِ التي يدخلُ البعضُ فيها مِن دونِ أن تربطَهم بها علاقةٌ مُباشرة، وكذلكَ الابتعادُ عن مصادرِ الأخبارِ المُزعجةِ وجميعِ الأجواءِ السلبيّةِ التي تتسبّبُ في تلفِ الأعصاب.  • الاهتمامُ بالجانبِ الثقافيّ والفكريّ وتنميةُ المهاراتِ الحياتيّة، فكلُّ ذلكَ يساعدُ على مواجهةِ المشاكلِ وحلّها بشكلٍ عِلميّ مِن غيرِ توتّرٍ وانفعال.  • الشحنُ المُستمرُّ بالأملِ والتفاؤلِ مِن خلالِ الثقةِ باللهِ تعالى، فهوَ الطريقُ الذي يُبدّدُ كلَّ الطاقاتِ السلبيّةِ التي تجعلُ الإنسانَ في حالةٍ منَ الإحباطِ والاستسلام، فالنظرةُ إلى الحياةِ بإيجابيّةٍ مِن أهمِّ العواملِ التي تجعلُ الإنسانَ في حالةٍ منَ الاستقرارِ والرّضا والقناعة.  وعلى هذا النحوِ، يمكنُ لكلِّ إنسانٍ اكتشافُ ما يمكنُ أن يُوصلَه إلى حالةِ التوازنِ والاستقرارِ النفسي، وأهمُّ ما يمكنُ الإشارةُ إليه في هذا الشأنِ هوَ العبادةُ والاتّصالُ الرّوحيُّ باللهِ تعالى.