ما هو الأستدلال على حلية أكل الطاووس ؟
ما هو الأستدلال على حلية أكل الطاووس رغم ان هناك نص وارد في تحريم أكلة فقد روي في وسائل الشيعة خبرين هما الآتيان: الخبر الأول ما رواه أحد كبار الأئمة الشيعية وهو أبي الحسن الرضا بقوله: الطاووس لا يحل أكله ولا بيضه. الخبر الثاني ما رواه أبي الحسن الرضا أيضًا بقوله: إن الطاووس مسخٌ، حيث كان هناك رجلًا جميلًا، فأكبر بامرأة رجلٍ آخرٍ مؤمنٍ، فوقع بها. بعد ذلك قمت بمراسلته، فتم مسخهما إلى طاووسين أنثى وذكراً، فبالتالي لا يجوز أكل لحم الطاووس ولا بيضه.
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،بعدَ التتبّعِ في كلماتِ العلماءِ تبيّنَ لنا أنّ جمهورَ فقهاءِ الإماميّةِ منَ المُتقدّمينَ والمُتأخّرينَ والمُعاصرين يذهبونَ إلى تحريمِ أكلِ الطاووس؛ وهذا ما أفادَه الشيخُ المجلسيّ (ره) في كتابِه (ملاذُ الأخيار) (ج14/ ص149) حينَ علّقَ على هذهِ المسألةَ قائلاً: وحرمةُ الطاووسِ مقطوعٌ به في كلامِهم. وكذلكَ ما أفادَه الشيخُ الجواهريّ (ره) في كتابِه (جواهرُ الكلام)، (ج ٣٦/ص ٣٠٩) حينَ كانَ يُعلّقُ على حُرمةِ أكلِ طائرِ الخفّاشِ بقولِه: وعلى كلِّ حالٍ فلا خلافَ أجدُه نصّاً وفتوىً في حُرمتِه وحُرمةِ الطاووسِ المنصوصِ على أنّه منَ المسوخِ أيضاً، وعلى أنّهُ حرامُ اللحمِ والبيض. لكنَّ بعضَ العلماءِ المُعاصرينَ كالسيّدِ مُحمّد باقر الصّدر (قدس)، والسيّدِ السيستانيّ (دامَ ظلّه) يُخالفون مَن تقدّمهما في هذهِ المسألةِ طبقاً لاجتهادِهما، فالسيّدُ الصدرُ (قدس) في تعليقِه على منهاجِ الصالحينَ المحشى (ج 2 / ص 372)، عندَ قولِ الماتن (قده) بحُرمةِ أكلِ لحمِ الطاووس، يُصرّحُ قائلاً: لم تثبُت حُرمتُه، وأمّا السيّدُ السيستانيّ (دامَ ظلّه) فقد نصَّ صريحاً على حِلّيّةِ أكلِ لحمِه، لـمّا قالَ في كتابِه منهاجُ الصالحين (ج3/ص293): وتحلُّ النعامةُ والطاووسُ على الأقوى. ولعلَّ السببَ فيما ذهبا إليه هوَ أنّهما ربّما وجدا الدليلَ المُستندَ إلى الحُرمة مِن وجهةِ نظرِهما غيرَ ناهض، إذ توجدُ روايتانِ في المقامِ أوردَهما الكُلينيّ في كتابِه الكافي، وثالثةٌ رواها الصّدوقُ في الفقيه، وإليكَ بيانُ ذلك: الأولى: في (ج ٦/ ص ٢٤٥) حديثُ (9): عدّةٌ مِن أصحابِنا ، عن أحمدَ بنِ مُحمّدٍ بنِ خالد ، عن بكرٍ بنِ صالح ، عن سليمانَ الجعفري ، عن أبي الحسنِ الرّضا عليهِ السلام قالَ : الطاؤوسُ لا يحلُّ أكلُه ولا بيضُه. والثانيةُ: في (ج ٦/ ص ٢٤٧) حديثُ (16) - عدّةٌ مِن أصحابِنا ، عن أحمدَ بنِ مُحمّد ، عن بكرٍ بنِ صالح ، عن سليمانَ الجعفري ، عن أبي الحسنِ الرّضا عليهِ السلام قالَ : الطاؤوسُ مسخٌ كانَ رجلاً جميلاً فكابرَ امرأةَ رجلٍ مؤمنٍ تحبُّه فوقعَ بها ثمَّ راسلَته بعد فمسخَهُما اللهُ عزَّ وجل طاووسينِ أنثى وذكراً ولا يؤكلُ لحمُه ولا بيضُه. ولو دقّقنا في الروايتينِ لبانَ لنا أنّهما روايةٌ واحدةٌ لا روايتان، إذ أنّهما مرويّتانِ بالإسنادِ نفسِه ومتنُ الروايةِ الثانيةِ ليسَ فيهِ شيءٌ جديدٌ سِوى أنّه بيّنَ حقيقةَ الطاووسِ كما لا يخفى. وعلى كلِّ حالٍ فإسنادُ الروايتينِ ضعيفٌ، لوجودِ (بكرٍ بنِ صالح الرازيّ) الذي ضعّفَه النجاشيّ وابنُ الغضائريّ كما في كتابِ (نقدِ الرجالِ للسيّدِ التفريشيّ ج1/ ص292)، فتصبحُ الروايةُ غيرَ حُجّةٍ مِن هذهِ الجهة، فتسقطُ عن الاعتبارِ، والفقيهُ – في مثلِ هذهِ الحالةِ – يلجأ إلى الأصلِ في بيانِ وظيفةِ المُكلّفِ تجاهَ لحمِ الطاووس، ولـمّا كانَ الأصلُ فيه: أنَّ كلَّ طائرٍ ذي ريشٍ يحلُّ أكلُه إلّا السباع، فحينئذٍ تثبتُ حليّةُ أكلِ لحمِ الطاووس، لأنّه طائرٌ ذو ريشٍ، وليسَ منَ السباع. والروايةُ الثالثة: رواها الصّدوقُ (ره) في كتابِه (مَن لا يحضرُه الفقيه)، (ج٣/ص335)، قالَ: سألَ محمدٌ بنُ مسلم أبا جعفرٍ عليهِ السلام " عن لحومِ الخيلِ والدوابِ والبغالِ والحمير ، فقالَ : حلالٌ ولكنَّ الناسَ يعافونها. وإنّما نهى رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله عن أكلِ لحومِ الحُمُرِ الإنسيّة بخيبر لئلّا تفنى ظهورُها ، وكانَ ذلكَ نهيَ كراهةٍ لا نهيَ تحريم . ولا بأسَ بأكلِ لحومِ الحُمرِ الوحشيّة ولا بأسَ بأكلِ الامص كتاب (وهوَ اليحامير، ولا بأسَ بألبانِ الأتنِ والشيراز المُتّخذِ منها .ولا يجوزُ أكلُ شيءٍ منَ المسوخِ وهيَ القِردةُ والخنزيرُ والكلبُ والفيلُ والذئبُ والفأرةُ والأرنبُ والضبُّ والطاووسُ والنعامةُ والدعموصُ والجريُ والسرطانُ والسلحفاةُ والوطواطُ والبقعاءُ والثعلبُ والدبُّ واليربوعُ والقنفذُ مسوخٌ لا يجوزُ أكلُها. وهذهِ الروايةُ فيها إشكالانِ، أحدُهما: مِن جهةِ طريقِ الصدوقِ إلى مُحمّدٍ بنِ مُسلم، فبعضُ العُلماءِ لا يعتدُّ بالطريقِ لجهالةِ بعضِ رواته، وبعضُهم الآخر يعتدُّ به، وتوضيحُ ذلكَ في كتابِ القبساتِ للسيّدِ مُحمّد رضا السيستانيّ، (ج2/ ص227 وما بعدَها)، والإشكالُ الآخر: أنّ الخبرَ ربّما يكونُ مُبتلى بالإدراج، إذ يظهرُ منهُ أنّ كلامَ المعصومِ ينتهي إلى عبارة: (ولكنَّ الناسَ يعافونَها). وما بعدَها مِن كلامِ الصدوق، ولا أقلَّ يحتملُ ذلك، وهذا قد يمنعُ منَ الاستنادِ إليها، والمسألةُ خلافيّةٌ بينَ أهلِ العلمِ مِن هذهِ الناحيةِ كما لا يخفى.فإن قُلتَ: أليسَت الروايتانِ مرويّتانِ في كتابِ الكافي الذي هوَ أحدُ الكُتبِ المُعتبَرةِ بينَ الطائفةِ، فالجوابُ بأنّه لا إشكالَ في ذلك، ولكنَّ عُلماءنا مُختلفونَ في شأنِ الأحاديثِ المرويّةِ في هذا الكتابِ وفي غيرِه منَ الكُتبِ المُعتبَرة، إذ فريقٌ مِنهم يذهبُ إلى اعتبارِ جميعِ ما وردَ فيها مِن أحاديث بقطعِ النظرِ عن وثاقةِ الرواةِ أو ضعفِهم، فهُم يعدّونَ أحوالَ الرواةِ قرينةً منَ القرائنِ المُحيطةِ بالخبرِ لمعرفةِ صدورِه منَ المعصوم (ع)، بالإضافةِ إلى قرائنَ أخرى لا بُدّ أن تحتفَّ بهِ ليكونَ الخبرُ حينئذٍ حُجّةً، فلو فُرضَ أنَّ راوي الخبر كانَ ضعيفاً، فلا تسقطُ الروايةُ بضعفِه، وهذا أمرٌ معروفٌ بينَ أهلِ العلمِ قديماً وحديثاً وعندَ جميعِ عُلماءِ المذاهبِ الإسلاميّة، الذينَ بيّنوا في كتبِهم الاستدلاليّةِ أنّ ضعفَ الطريقِ مِن جهةِ ضعفِ بعضِ رواتِه لا يُسقِطُ الحديثَ عن الاعتبار، وعبارتُهم في هذا الصّددِ معروفةٌ: (أحاديثٌ ضعافٌ، وعليها العملُ بغيرِ خِلاف). إذن: عندَ هذا الفريقِ أنَّ ضعفَ الطريقِ مِن جهةِ ضعفِ بعضِ رواتِه لا يُسقِطُ الحديثَ عن الاعتبار، لأنَّ الروايةَ لا تعتمدُ فقط على أحوالِ الراوي لبيانِ اعتبارِها وحُجّيّتِها، وإنّما هناكَ قرائنُ أخرى يلجؤونَ إليها لبيانِ أنّ الخبرَ قد احتفَّ بها فجعلَت منهُ مُعتبَراً مِن قبيلِ كونِ الخبرِ مأخوذاً منَ الأصولِ المُعتبَرة بينَ أهلِ العلم، أو كونَه موجوداً في أحدِ الكتبِ المُعتبَرةِ بينَ الطائفة، أو عملَ بهِ جُملةٌ منَ الأعلامِ الكبارِ بغيرِ نكير، ومـمّا يؤيّدُ ذلكَ ويؤكّدُه كونُ الخبرِ موجوداً في أحدِ الكتبِ المُعتبَرة كالكافي للكُلينيّ الذي بيّنَ في مُقدّمةِ كتابِه أنّه قد أوردَ فيه منَ الأحاديثِ والآثارِ الصحيحةِ ما يكتفي بها المُتعلّم، ويرجعُ إليها المُسترشِد ويأخذُ منهُ ما يُريد، وكذلكَ الحالُ معَ الصدوقِ في كتابِه (مَن لا يحضرُه الفقيه) الذي صرّحَ في المُقدّمةِ بأنّه يورِدُ في كتابِه ما يُفتي به ويحكمُ بصحّتِه ويعتقدُ أنّهُ حُجّةٌ بينَه وبينَ ربِّه، وأنّ جميعَ ما فيه مُستخرَجٌ مِن كتبٍ مشهورةٍ عليها المُعوّلُ وإليها المرجع. ولـمّا كانَ هذا الخبرُ مرويّاً في كتابِ الكافي كما تقدّمَ بيانُ ذلك، وأنّ الصدوقَ قد أشارَ إلى مضمونِ الخبرِ في كتابه (مَن لا يحضرُه الفقيه)، (ج٣/ص335)، كما تقدّمَ آنفاً، وكذلكَ الشيخُ الطوسيّ (ره) ينصُّ على حُرمةِ أكلِه، كما في كتابِه النهايةُ في مُجرّدِ الفقه (ص578). كلُّ ذلكَ جعلَ علماءَ الطائفةِ الذينَ جاؤوا مِن بعدِهم يُفتونَ بحُرمةِ أكلِ لحمِ الطاووسِ نصّاً وفتوى كما أفادَ بذلكَ الشيخُ المجلسيُّ والشيخُ الجواهريّ. ولكن في قبالِ هذا الفريقِ، يوجدُ فريقٌ آخر يذهبُ إلى غيرِ ذلك، فتراهُ يدرسُ الأحاديثَ في هذه الكتبِ المُعتبرةِ مِن جهةِ الإسنادِ كما يدرسُها مِن جهةِ المتن، إذ تراهُ يدرسُ أحوالَ الرواةِ ويُدقّقُ فيهم طِبقاً لأقوالِ نُقّادِ الحديثِ والرجالِ كما يُدقّقُ في دلالةِ الروايةِ وما يترتّبُ عليها مِن آثار، فهذا الفريقُ إذا وجدَ أنّ الروايةَ التي بصددِ بحثِها ومُناقشتِها رجالُها ثقاتٌ أخذَ بها واعتبرَها، وإذا وجدَ فيها بعضَ رواتِها محكومٌ عليه بالضعفِ لم يعتبِر بها، فيُعدّها غيرَ حُجّةٍ مِن هذهِ الجهة. وكيفيّةُ التعاملِ معَ الأحاديثِ المرويّةِ عن أهلِ بيتِ العِصمة (ع) لها أسسٌ وضوابطُ تختلفُ مِن فقيهٍ إلى آخر، وهيَ مبيّنةٌ في علمِ أصولِ الفقه في بابِ حُجّيّةِ خبرِ الآحاد، ويُتعرّضُ إلى بيانِها أيضاً عندَ دراسةِ علمِ الرجالِ والحديث كما هوَ معروفٌ بينَ أهلِ العلم. وكلُّ فقيهٍ بلغَ درجةَ الاجتهادِ له أساسٌ ومعيارٌ في كيفيّةِ التعاملِ معَ الأحاديثِ المرويّةِ عن المعصومينَ عليهم السلام، ولذا يختلفُ الفقهاءُ في بعضِ المسائلِ كما في هذه المسألة ومسائل أخرى، نتيجةً لاختلافِهم في المباني الفقهيّةِ التي اعتمدوها، وكلُّ ما يُفتي به الفقيهُ الجامعُ لشرائطِ الاجتهاد هوَ مُبرِئٌ للذمّةِ ما دامَ يسلكُ في الفتوى أحدَ المسالكِ المُعتبَرةِ والمعروفةِ بينَ أهلِ العلم. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق