لماذا ينزلُ العذابُ في الدنيا؟ و لا يكونُ الجزاءُ في الاخرة؟

الدّنيا دارُ عملٍ والآخرةُ دارُ جزاء، فلماذا ينزلُ العذابُ مِن قِبلِ اللهِ تعالى على بعضِ الناسِ في الدنيا؟ لماذا لا يكونُ الجزاءُ في دارِ الجزاء. وشكراً

: سيد حسن العلوي

 السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه، العذابُ الدنيويُّ الذي نزلَ على الأقوامِ السابقةِ أمثال: عادٍ وثمود، وقومِ نوحٍ ولوط، ليسَ جزاءً نهائيّاً، إذ الجزاءُ النهائيُّ يكونُ في الآخرة، وإنّما هيَ عقوبةٌ دنيويّةٌ على طُغيانِهم، يُسمّى بعذابِ أو عقوبةِ الاستئصال. وفلسفةُ هذا العقابِ: "فهوَ إزالتُهم عن مَجرى الحياة، وتطهيرُها مِن عراقيلِهم، لأنّهُ لم يبقَ لهُم حقُّ الحياةِ في نظامِ الحق، ولهذا يستوجبُ اقتلاعُ هذه الأشواكِ مِن طريقِ تكاملِ البشر" (الأمثلُ: 10 / 487) وليكونوا عبرةً لغيرِهم، لعلّهم يرتدعونَ ويتّعظونَ، ويخافونَ اللهَ ويرجعونَ إليه عندَما يتأمّلونَ في حالِ تلكَ الأممِ التي حلّ بها العِقاب. فهناكَ بعضُ الذنوبِ عندَما تتجذّرُ في المُجتمع، وتصلُ إلى حدٍّ مُعيّن، يستحقّونَ بسبِبها الاستئصال.  وعقوبةُ الاستئصالِ إنّما تنزلُ بعدَ البيانِ وإتمامِ الحُجّةِ، وحصولِ اليأسِ مِن عدمِ الاستجابة، فيكونُ آخرُ العلاجِ الكَي. قالَ تعالى: { حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ } [يوسف: ١١٠] قالَ العلّامةُ الطباطبائي: قولُه تعالى: { وما كانَ ربُّك مُهلِكَ القُرى حتّى يبعثَ في أمّها رسولاً } وفي الآيةِ بيانُ السنّةِ الإلهيّةِ في عذابِ القُرى بالاستئصالِ وهوَ أنَّ عذابَ الاستئصالِ لا يقعُ منهُ تعالى إلّا بعدَ إتمامِ الحُجّةِ عليهم بإرسالِ رسولٍ يتلو عليهم آياتِ الله، وإلّا بعدَ كونِ المُعذّبينَ ظالمينَ بالكُفرِ بآياتِ اللهِ وتكذيبِ رسولِه. (تفسيرُ الميزان: 16 / 62). فكما أنَّ هناكَ سُنناً إلهيّةً تحكمُ الأفراد، كقطعِ الرّحم، فإنّها تُعجّلُ الفناء، روى الكُلينيُّ بإسنادِه عن أبي حمزةَ الثمالي قالَ : قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) في خُطبتِه: أعوذُ باللهِ منَ الذنوبِ التي تُعجّلُ الفناء، فقامَ إليه عبدُ اللهِ بنُ الكوّاءِ اليشكري فقالَ: يا أميرَ المؤمنين أوتكونُ ذنوبٌ تُعجّلُ الفناء؟ فقالَ: نعم ويلك قطيعةُ الرّحم، إنَّ أهلَ البيتِ ليجتمعونَ ويتواسونَ وهُم فجرةٌ فيرزقُهم الله، وإنَّ أهلَ البيتِ ليتفرّقونَ ويقطعُ بعضُهم بعضاً فيحرمُهم اللهُ وهُم أتقياء. (الكافي للكُليني: 2 / 347). كذلكَ هناكَ سُننٌ إلهيّةٌ تحكمُ الجماعاتِ والمُجتمعاتِ والأمم، إذ ممارسةُ بعضِ الأعمالِ تؤدّي إلى الفناءِ ونزولِ العذاب، كالظّلمِ والفسقِ وتكذيبِ الأنبياء، قالَ تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُم لَا يَستَأخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَستَقدِمُونَ } [الأعراف 34] وقالَ تعالى: { وأَقسَمُوا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمانِهِم لَئِن جاءَهُم نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهدى مِن إِحدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُم نَذِيرٌ ما زادَهُم إِلَّا نُفُوراً ، استِكباراً فِي الأَرضِ ومَكرَ السَّيِّئِ ولا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهلِهِ فَهَل يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبدِيلًا ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحوِيلًا.} [فاطر: 42 - 43] فسُنّةُ اللهِ فيمَن مضى مِن مُكذّبي الرّسلِ هيَ الإهلاكُ والاستئصال، وهذهِ السنّةُ لا تتغيّرُ ولا تتبدّل. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.