ما هوَ تفسيرُ الآيةِ: (ومَن يُرِد ثوابَ الدّنيا نؤتِه مِنها ومَن يُرِد ثوابَ الآخرةِ نؤتِه مِنها)؟
يقولُ اللهُ تعالى في سورةِ آل عمران الآية 145 (ومَن يُرِد ثوابَ الدّنيا نؤتِه مِنها ومَن يُرِد ثوابَ الآخرةِ نؤتِه مِنها)، السؤالُ أنَّ هذا مُخالفٌ لِما عليهِ الواقعُ فكثيرٌ يريدونَ الدّنيا ولا يحصلونَ عليها فما الوجهُ في ذلك ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إنّ هذهِ الآيةَ نوّهَت بفئتينِ منَ المُسلمين، الأولى في قولِه تعالى: (وَمَن يُرِد ثَوَابَ الدُّنيَا نُؤتِهِ منها)، إذ جاءَت هذهِ الآيةُ للتعريضِ بأولئكَ الذينَ شغلَتهم الغنائمُ في يومِ أُحد، حتّى انكسرَ جيشُ المُسلمينَ وحصلَ ما حصل، والأخرى في قولِه تعالى: (وَمَن يُرِد ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنهَا وَسَنَجزِي الشَّاكِرِينَ) ، التي جاءَت لمدحِ مَن شكرَ نعمةَ الله، وثبتَ في جهادِ الكافرينَ والمُشركين ولم يفرّ، أو ينشغلَ بالغنائِم، إذ الثوابُ هوَ ما يرجعُ إلى الإنسانِ مِن جزاءِ أعمالِه، ففي مجمعِ البيانِ (1/515): عن الباقرِ - عليهِ السّلام - : أنّه أصابَ عليّاً - عليهِ السّلام - يومَ أُحد ستّون جراحةً ، وأنّ النّبيّ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - أمرَ أمَّ سليمٍ وأمَّ عطيّةَ أن تداوياه ، فقالتا : إنّا لا نعالجُ منه مكاناً إلَّا انفتقَ مكانٌ ، وقد خِفنا عليه . فدخلَ رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - والمسلمونَ يعودونَه وهو قرحةٌ واحدة ، فجعلَ يمسحُه بيدِه ويقول : إنّ رجلاً لقيَ هذا في اللَّهِ فقد أبلى وأعذر . فكانَ القرحُ الَّذي يمسحُه رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - يلتئمُ ، فقالَ عليٌّ - عليهِ السّلام - : الحمدُ للَّه إذ لم أفرَّ ولم أُوَلِّ الدّبر . فشكرَ اللَّهُ له ذلكَ في موضعينِ منَ القرآنِ ، وهوَ قوله : « سَيَجزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » [ منَ الرزقِ في الدنيا ]، وسَنَجزِي الشَّاكِرِينَ. [ينظر: تفسيرُ كنزِ الدقائقِ وبحرِ الغرائب، ج ٣، الشيخُ محمّدٌ بنُ محمّد رضا القمّي المشهدي، ص ٢٤٠]. وعليهِ فلا علاقة لهذه الآية بطلب الدنيا وعدم الحصول عليها، هذا فضلاً عن أنّ طلبَ أمورِ الدنيا والتعلّقَ بها أمرٌ مذمومٌ كما دلّت على ذلكَ كثيرٌ منَ الآياتِ القرآنيّةِ التي مِنها: قولهُ تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنيَا وَيَسخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوا فَوقَهُم يَومَ القِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ} [البقرةُ : 212]. وقولهُ تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوُا الحَيَاةَ الدُّنيَا بِالآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذَابُ وَلَا هُم يُنصَرُونَ} [البقرةُ : 86]. وقولهُ تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ} [آلُ عمران : 14]. وقولهُ تعالى: {كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ} [آلُ عمران : 185]. فعلى مَن طلبَ الدّنيا ولم يحصُل عليها أن يحمدَ اللهَ تعالى ويشكرَه كثيراً ، لأنّ اللهَ سبحانه ما أرادَ له أن يكونَ منَ المُبعدينَ عن رحمتِه ولُطفه، وعليهِ أن يوظّفَ نفسَه ويفكّرَ بالعملِ الصالحِ ما دامَ مؤمِناً حتّى يحيا حياةً طيّبة. قالَ تعالى: {مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} [النحل: 97]. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق