هل الكفرُ يحرمُ الإنسانَ مِن متاعِ الدّنيا؟
جميعُ القوانينِ المذكورة في القرآنِ الكريمِ تؤكّدُ لنا أنَّ مَن يتركُ اللهَ و تعاليمَ الدّينِ و يتّبعُ الشهواِت فسوفَ يلقونَ غيّاً .. لكن نجدُ في دولٍ مثلَ اليابانِ وأمريكا وبعضِ دولِ أوروبا التي تخلّت عنِ الدّينِ عكسَ ذلك .. ممكن إعطاءُ تفسير لهذا ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يبدو أنَّ الأمرَ في ظاهرِه معقّدٌ ويحتاجُ إلى تفسيرٍ إذا فهمنا الابتعادَ عن اللهِ يتسبّبُ حتماً في حرمانِ الإنسانِ مِن متاعِ الحياةِ، وهذا خلافُ ما عليهِ بعضُ المجتمعاتِ غيرُ المؤمنةِ والتي تعيشُ متاعَ الحياةِ كأفضلِ ما تعيشُه المجتمعاتُ المؤمنةُ، والظاهرُ أنَّ هذا ما وقعَ فيه السّائلُ فأشكلَ عليهِ الأمر، أمّا إذا فهمنا الابتعادَ عنِ اللهِ أنّهُ يتسبّبُ في خسارةِ الحياةِ الأبديّةِ في الآخرةِ فحينَها لا يكونُ هناكَ أيُّ تناقضٍ، فالمقصودُ هو تكريسُ الإنسانِ حياته للدّنيا بعيداً عن مصيره المحتومِ في الآخرةِ، فعندَما يعيشُ الإنسانُ بلا غايةٍ ومِن دونِ هدفٍ ويتصرّفُ في الدّنيا بلا قيمٍ تضبطُ سلوكَه فسوفَ يكونُ في حالةٍ منَ الغيّ والضّلالِ، فمنَ البديهيّ أن يكونَ مصيرُ الإنسانِ مجهولاً إذا تحرّكَ في مسارٍ لا يعرفُ مُنتهاه، ومِن هُنا كلُّ مَن يبني حياتهَ على الشّهواتِ والملذّاتِ ولا يكترثُ لعاقبةِ أمره فسوفَ يكونُ مصيرهُ الخسران، وهذا ما أشارَت له الآيةُ بكلِّ وضوحٍ في قولِه تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا)، فقولُه (فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا) المقصودُ منها يومَ القيامةِ أي أنَّ مصيرَهم إلى النّار، ولا علاقةَ لذلكَ بالحياةِ الدّنيا حيثُ أشارَت الآيةُ إلى إستمتاعِهم بشهواتِها في قولِه (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ).
والخلاصةُ أنَّ القوانينَ التي بيّنَتها آياتُ القرآنِ الكريمِ في ما يتعلّقُ بالحياةِ الدّنيا هو تساوي الفرصِ أمامَ المؤمنِ والكافرِ وكلٌّ يكسبُ منها بقدرِ جهدِه وعملِه، قالَ تعالى: (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا)، والفرقُ بينَ المؤمنِ والكافرِ هو أنَّ المؤمنَ يعملُ في الدّنيا ونظرُه في الآخرةِ بينما يكرّسُ الكافرُ كلَّ حياتِه للدّنيا، فيحصلُ فيها على ما يريدُ ولا نصيبَ له في الآخرةِ، قالَ تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ الآخِرَةِ نَزِد لَهُ فِي حَرثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ الدُّنيَا نُؤتِهِ مِنهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) وقالَ تعالى: (وَمَن يُرِد ثَوَابَ الدُّنيَا نُؤتِهِ مِنهَا وَمَن يُرِد ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنهَا ۚ وَسَنَجزِي الشَّاكِرِينَ)
ومُضافاً إلى ذلكَ فإنَّ المؤمنَ يعيشُ في حالةٍ منَ الإستقرارِ النفسي والاطمئنانِ الرّوحي بعكسِ الكافرِ الذي تجعله الشّهواتُ والمحرّمات في حالةٍ من الخواءِ الرّوحي والاضطرابِ النفسي والسّقوطِ الأخلاقي.
اترك تعليق